-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“الناس الصواب في الزمن الخطأ”

“الناس الصواب في الزمن الخطأ”

هناك مقولة مأثورة للكاتب المصري الراحل حسنين هيكل، يصف فيها حركة حماس الفلسطينية بأنها تنظيم لـ”الناس الصواب في الزمن الخطأ”، وهو توصيفٌ يحمل عدة تأويلات بشأن مغزاه، لكن معركة “طوفان الأقصى” الجارية حاليا، جعلت لهذه العبارة معنى أوضح، بداية بظروف اندلاعها ووصولا إلى حجم الهمجية الصهيونية في الرد عليها بغطاء غربي صريح وخذلان أسقط العديد من الأقنعة.
كان إطلاقُ معركة “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الماضي، أشبه بمعجزة وقعت في فلسطين وسفينة قررت أن تسير عكس تيار الأحداث داخل الأراضي المحتلة وفي المنطقة، فحكومة الاحتلال استولى عليها صهاينة متطرفون، والمسجد الأقصى أضحى مستباحا من قطعان المستوطنين بحماية من الجيش، مع توسُّع استيطاني غير مسبوق في الضفة الغربية والقدس، في وقتٍ كان قطار التطبيع يسير بسرعة مذهلة، إلى درجة أن الجميع ظن أن تصفية القضية الفلسطينية أصبحت مسألة وقت فقط.
ولو كان لهذه المعركة حسنة واحدة فقط، ستكون بالتأكيد إسقاط وهْم تصفية القضية، وإعادتها إلى واجهة الأحداث الدولية ولو بأثمان باهظة من التضحيات، فقبل السابع أكتوبر كان قادة السلطة الفلسطينية يجوبون العالم للترويج لبضاعة التفاوض من أجل ما تبقى من الأرض، لكن لا القادة الغربيون ولا حلفاؤهم في تل أبيب كانوا يجدون وقتا لمناقشة هذا العرض، ظنا منهم أن الأمور حُسمت لصالح الاحتلال، لكن ما يلاحظ اليوم أن هؤلاء قد راجعوا مواقفهم وأصبحوا يصرّون على ضرورة تجسيد “حل الدولتين” بمجرد أن تضع الحرب أوزارها.
ووجود حركة حماس في الزمن الخطأ من الصراع، مبرره ظهورها كصوت “نشاز” رفض إلى جانب قوى المقاومة الأخرى التسليم بالأمر الواقع وتقديم القضية على طبق من ذهب لنتانياهو وسموتريتش وبن غفير وحلفائهم، رغم علمها مسبقا بأن السير عكس التيار يعني هذه الهمجية وعزلة أكثر دوليا.
وإلى جانب هذا المعسكر الغربي الذي انخرط قلبا وقالبا في حرب الإبادة ضد غزة، فوجئ الجميع بأن أصحاب القضية في العالمين العربي والإسلامي عاجزون حتى عن تقديم الحد الأدنى من الدعم لأشقائهم الفلسطينيين لتمكينهم من الصمود أمام هذه الهمجية، ولكم أن تتخيلوا مشهدا سياسيا معاكسا لما شاهدناه بعد السابع من أكتوبر، لو أن المقاومة الفلسطينية لقيت مساندة ولو معنوية صريحة في كفاحها ضد احتلال كان مهزوزا داخليا بعد تلك الضربة الموجعة، لكن الذي حدث للأسف هو أن الأغلبية خذلتهم، ورغم ذلك فبعد شهرين من القصف الهمجي مازال رجالها يذلّون الصهاينة على الأرض كل يوم ويقفون سدا منيعا أمام تحقيق أهدافهم.
وبالموازاة مع آلة الإجرام الصهيونية المدعومة غربيا، تواجه المقاومة في فلسطين حربا أخرى ليست أقل دناءة وحقارة منها، يقودها ما يسمى “حزب الليكود العربي”، وهم أشخاصٌ يرتدي قطاعٌ منهم عباءة الدين، ويتقمص آخرون دور الناصح الأمين الذي يغار على حياة وممتلكات الفلسطينيين الذين “تغامر بهم وبمستقبلهم حماس وشركاؤها في المقاومة من أجل حسابات سياسية خاصة”.؟!
أصحاب حملات الخنوع يبحثون عن كل المبررات لإدانة نهج مقاومة الاحتلال، لكنهم لم يقدِّموا ولو بديلا واحدا للفلسطينيين لاسترجاع أرضهم وحقوقهم وكرامتهم، رغم أن خيارات الواقع وتجارب التاريخ ماثلة أمامهم، ولا تحتاج اجتهادات لاكتشاف زيفها.
والواقع أثبت أن 30 سنة كاملة من المفاوضات والاتفاقيات لم تزد هذا الاحتلال إلا إصرارا على قضم الأراضي والتوسُّع والتنكيل بالفلسطينيين في الضفة والقدس وانتهاك المقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى، كما أن العرب يتوسلون تل أبيب منذ سنة 2002 لقبول “مبادرة سلام” لإقامة دولة فلسطينية على أراضي 1967، مقابل التطبيع الشامل، لكن الصهاينة لم يتلفتوا إليها قطّ.
وإذا كان هؤلاء يعلقون آمالا على القانون الدولي والأمم المتحدة وأجهزتها لإنصاف الفلسطينيين، فقد أظهرت المعركة الحالية وزنها لدى الصهاينة، وكيف يتطاولون على الأمين العام للأمم المتحدة لمجرد أنه حاول قول جزءٍ من الحقيقة بشأن ما يحدث في غزة، أما الذين صدَّعوا رؤوسنا بكرامات التطبيع، وكونه جسرا لمساعدة الفلسطينيين في نيل حقوقهم، فقد جرف “طوفان الأقصى” كل الأوهام التي زرعوها حول حظوتهم لدى هذا الكيان المجرم وسراب السلام الأعرج الذي يطاردونه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!