-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

النجاشي وأهلُ غزة

النجاشي وأهلُ غزة

من أبرز التعليقات التي دوَّنها ناشطون بشأن خطوة جنوب إفريقيا التي جرَّت الاحتلال الإسرائيلي إلى محكمة العدل الدولية بتهمة ممارسة الإبادة الجماعية في غزة، أن البعض استدعى حادثة النجاشي في السنة الخامسة للبعثة النبوية، والذي لجأ إليه الصحابة الذين تعرّضوا للظلم وخذلتهم قبائلُ العرب ولم يجدوا النصرة إلا من ملك الحبشة الذي آواهم ونصرهم.
قد يستغرب بعض القراء هذا الإسقاط بين ما وقع خلال السنوات الأولى لبعثة النبي، صلى الله عليه وسلم، وما يجري في غزة حاليا، لكن الأكيد أن حادثة النجاشي الذي آوى المظلومين في مكة ورفض طردهم وتسليمهم لسادة قريش رغم البُعد الجغرافي وحداثة عهد رسالة الإسلام، تشبه إلى حدٍّ بعيد ما قامت به سلطات جنوب إفريقيا مع فلسطينيي غزة الذين يُقتَلون ويُجوَّعون على مرآى من العالم، وسط خذلان من القريب قبل البعيد.
هذا البلد الإفريقي الذي جعل البعض يستحضر مواقف النجاشي، لم يكن قراره بجرّ الكيان الصهيوني إلى محكمة العدل الدولية “طفرة” في مواقفه تجاه القضية الفلسطينية؛ فمراجعة مسيرة دبلوماسيته منذ سقوط نظام “الأبارتايد” تجعل أي متابع يتأكّد أن هذا الدعم من ثوابت سياسته الخارجية، كما أنه احتجّ على عدوان غزة في أيامه الأولى بطرد دبلوماسيي تل أبيب وسحب بعثته الديبلوماسية منها، وقبلها، خاض رفقة الجزائر معركة دبلوماسية داخل أروقة الاتحاد الإفريقي لمنع منح صفة العضو الملاحظ للكيان.
وهناك مؤشراتٌ أخرى صاحبت هذه المحاكمة أظهرت صدق مسعى بريتوريا بعيدا عن الاستغلال السياسي لمأساة الفلسطينيين، ففريقُ الدفاع الجنوب إفريقي الذي تولّى المرافعة عن القضية ركّز، وبذكاء، كما قال خبراء قانون، على إظهار نيّة جريمة الإبادة الجماعية وتنفيذها على الأرض، ليس من خلال ما تم بثُّه من صور وبيانات للجانب الفلسطيني، ولكن استنادا إلى تصريحات قادة الكيان أنفسهم.
والأهمّ في هذه الخطوة من جنوب إفريقيا، أنه رغم الضغوط التي مورست على قادتها، إلّا أنَّ رئيسها سيريل رامافوزا قال إنه “لم يشعر قط بالفخر الذي يشعر به اليوم”، بعد نجاح بلاده في جرِّ الاحتلال الإسرائيلي إلى محكمة العدل الدولية، بشكل يعكس الدعم المبدئي للقضية الفلسطينية، في الوقت الذي سارعت دولة عربية وإسلامية إلى الانخراط في تحالفٍ دولي ضد الحوثيين في اليمن انتقاما من شنِّهم حصارا بحريا على دولة الكيان نصرة لأهل غزة.
هذه التصريحات والمواقف من سلطات جنوب إفريقيا تؤكد أن قادة هذا البلد الإفريقي بقوا أوفياء لنهج الراحل نيلسون مانديلا، كما أنهم على استعداد لدفع أيِّ ثمن مقابل الثبات على سياستهم الخارجية الداعمة لفلسطين، والتي من المؤكد أن الصهيونية العالمية وأذرعها في كل مكان لن تغفرها لهم.
ويبدو أن مسلسل الانتقام من بريتوريا بدأ فعلا؛ فقبل ساعات من انطلاق محاكمة العدل الدولية، خسرت جنوب إفريقيا انتخابات رئاسة مجلس حقوق الإنسان الأممي أمام دولة لها سِجلٌّ أسود في هذا الميدان، كما أنها أهم حليف للصهاينة في القارة الإفريقية، وصاحبَ ذلك صدور مقال في مجلة فرنسية محسوبة على مخابرات هذه الدولة بالذات، يتهم جنوب إفريقيا بأنها “توفِّر ملاذا لتمويل الإرهاب ممثلا في داعش والقاعدة وحماس وحزب الله”، في إشارة واضحة إلى أن حملة شيْطَنة هذا البلد الإفريقي بسبب مواقفه المشرِّفة قد بدأت فعلا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!