-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تحف وأوان اكتسحت الأسواق من جديد

النحاس يعود بقوة في زمن البلاستيك والألمنيوم

وهيبة سليماني
  • 4179
  • 0
النحاس يعود بقوة في زمن البلاستيك والألمنيوم
أرشيف

رغم الانتشار المذهل لأحدث التحف والأواني المصنوعة من المعادن المختلفة، في الأسواق الجزائرية، وطغيان الصيحات الجديدة، إلاّ أن النحاس اقتحم ببريقه وألوانه ونقوشه، الفضاءات التجارية، وأحيى اهتماما شعبيا قديما، ليعيد بذلك كل ما هو تقليدي عريق إلى منافسة كل ما هو عصري جديد..
“البقراج”، “العشاوات”، “المحبس” الدلو النحاسي الخاص بحمام العروسة، الصينيات المنقوشة، والمهراس، والفوانيس التقليدية، و”الطاسة”، “الوضاية”، أوان احتفظت بها بعض البيوت الجزائرية كقطع تذكارية لسنوات طويلة، لكنها عادت بقوة إلى الأسواق فاستقطبت الكثيرين بقيمتها الجمالية، في زمن البلاستيك والألمنيوم.

وحرفة النحاس، عرفت في السنوات الأخيرة تراجعا ملحوظا، حيث لم يعد أغلب الجزائريين يولون اهتماما بالأواني والتحف النحاسية، التي هدّدها الزوال إلى درجة هجرة الكثير من الحرفيين لهذه الصناعة، واستمرارها في مناطق معدودة منها مدينة قسنطينة التي حافظت عليها والغريب اليوم، أن النحاس اقتحم سوق الأواني العصرية، وجذب إليه مرتادي هذه الأسواق رغم غلائه!

نحاس القصبة.. سوق تنتعش وأياد حرفية تبعث فيها الهمة
ولأن قصبة العاصمة الحي العتيق، لا يزال يحتضن الكبار من الحرفيين الذين بدؤوا صناعة التحف النحاسية ونقشها منذ الخمسينيات والستينيات، فإن عودة موضة أواني النحاس وتحفه المختلفة إلى بيوت الجزائريين، بعث همة ونشاطا لدى بعض هؤلاء، وأوّلهم عمي أحمد الذي يملك محلا في المنطقة لصناعة كل ما هو نحاسي.
ومن خلال جولة استطلاعية قادت “الشروق”، إلى سوق القصبة وساحة الشهداء، فإن النحاس تربع على طاولة الباعة الفوضويين، وزين مداخل محلات بيعه القديمة، وبرزت إلى الواجهة أوان تم الاستغناء عنها في فترة ما، ولم يعد يعرفها بعض الجزائريين، مثل “الوضاية” أو ما يسمى في بعض المناطق الوسطى الجزائرية، بـ”الغسيل” أي ذلك الإبريق الذي يوضع على غطاء إناء لديه مقبضين، ويحوي نقشا جميلا، ويطلق البعض على هذا الإبريق تسمية “البقراج”.
وكما ظهرت في الأسواق موضة قديمة مثل “الطاسات” بألوانها النحاسية الفضية والذهبية والحمراء، ودلاء الحمام، والمهراس، والصينيات الخاصة بالزينة، الكبيرة التي يصل سعر بعضها إلى 12 مليون سنتيم.
ودخلت “الشروق”، محلا للبائع يوسف قديورة، حيث أكّد لنا المدعو كمال، أنّ تجارة النّحاس انتعشت في الآونة الأخيرة، خاصة بعد تلاشي فيروس كورونا، رغم أنّ غلاء هذا المعدن وتدني المستوى المعيشي، لا يشجّع فئة واسعة على شرائه.
وقال ذات البائع، إن الغلاء لا يتعلق بوزن التحفة أو الأواني، ولكن بنقش وطريقة صناعة مثل هذه الأشياء، موضحا أن سعر الكيلوغرام من النحاس، لا يقل عن 300 دج للكيلوغرام.
وتبين من خلال جولتنا، مدى التهافت للتفرج ومعرفة أسعار التحف والأواني الجميلة البراقة التي عرضت في ناحية من سلم إسمنتي يؤدي إلى أعلى القصبة، وإلى أحد أزقتها العتيقة، حيث أبهرت دلاء الحمامات، و”العشاوات” التي هي عبارة عن صحن كبير عليه غطاء أشبه بقرطاس منقوش، والفوانيس والصينيات، المارة الذين يتوقفون ليتأملوا جمالها ونقوشها.
وعن الأسعار، فإن كل ما هو جميل ولامع أصفر يستحق أن يدفع فيه مبلغا ماليا معتبرا، حيث بلغ ثمن إبريق الشاي من الحجم الكبير 5100دج وهو من المعدن النحاسي الذهبي، أمّا الفضي فيباع بعضه بـ 4900دج.
والمهراس الصغير الأصفر فبـلغ 2950 دج، والكبير بـ4900دج، والصينيات كبيرو الحجم بـ34500دج، ووصل بعضها إلى 12 مليون سنتيم، وتجاوز سعر “الوضاية” المليون سنتيم، أما الفوانيس فيتجاوز سعرها أحيانا 7000دج.
ويضم محل قديورة تحفا قديمة تم شراؤها من عائلات كانت تحتفظ بها منذ عهد الاستعمار أو إبان فترة الاستقلال، حيث يبيع عمارية نحاسية منقوشة، وهي التي تحمل عليها العروسة “عبارة عن أريكة تتميز بمقابض جانبية”.
ويبدو أنّ ما يعرف بـ”العشاوات” أصبحت موضة جديدة في أعراس وأفراح الجزائريين، ومن بين الأواني النحاسية الراقية المطلوبة اليوم، رغم انتشار الألمينيوم والبلاستيك، والسيلوفان والزجاج، حيث رصدت في سوق ساحة الشهداء، وخاصة في محل يوسف قديورة، مدى اهتمام النساء المتسوّقات بتلك النماذج من “العشاوات”، حيث قالت إحدى السيدات، إنها معجبة بواحدة يقدر سعرها بـ7800دج، وهي ذهبية تحمل لمسة عصرية.

إقبال على ورشات تلميع أوان نحاسية وشراء تحف قديمة
ولم يتوقف الاهتمام الجديد بالنحاس عند شراء الأواني والتحف ذات الصنع الحديث، بل تفطنت الكثير من العائلات الجزائرية إلى أهمية ما تملك من نحاس قديم، وتحف يشهد على صمودها الزمن، وانتعش في مقابل ذلك سوق الخردة للنحاس، ومحلات بيع كل ما هو نحاسي عتيق.
ولجأ بعض التجار ممن يملكون محلات لبيع الأواني والتحف النحاسية، لشراء أخرى قديمة بوزن الكيلوغرام، حيث قال جمال واحد من باعة النحاس، إنه يستقبل زبائن يبيعون له تحفا نحاسية، إلا أنه يشتريها بـ 300دج للكيلوغرام، وهم، حسبه، لا يعرفون قيمتها، حيث يعاود بيعها بأسعار باهظة بعد تلميعها.
وقال تاجر آخر في النحاس القديم، إن الاهتمام الشعبي بالتحف النحاسية التقليدية، أعاد إلى بعض العائلات الاحتفاظ بما تملك من هذه التحف، وتفطنت إلى فكرة تلميعها، واستعمالها والتزيين بها في واجهة ديكور البيوت.
ولعل عمي سعيد الذي بدأ سنة 1963، وهو طفل في 13سنة، حرفة النحاس التي ورثها عن والده، شاهد على مدى الاهتمام المتجدد بالنحاس من طرف الجزائريين، حيث لا يزال يستقبل زبائن في ورشته بالقصبة، يقصدونه لتلميع أوان وتحف نحاسية تقليدية قديمة.
وتمتلئ ورشته بأنواع التحف النحاسية الضاربة في عمق التاريخ، منها “عشاوات”، و”مهاريس”، وفوانيس، وحتى مطفأة أعقاب السجائر، والفوانيس والصينيات.
ولا يزال عمّي أحمد بالقصبة، رغم بلوغه سن الثمانين، يجاهد لتبقى حرفة صناعة النحاس موجودة، رغم تغير ملامح السوق الجزائرية وموجة الغلاء، فمنذ 70 سنة بدأ الحرفة، ولا يزال يتمسك بها في ورشته، فالطلب زاد على أوان وتحف نحاسية، ما بعث فيه نشاطا حيويا.

رواج أواني النحاس الأحمر للطبخ
وتعرف سوق الأواني، ظهور ملاعق وقدور وصحون، ومقال، مصنوعة من النحاس الأحمر وتباع بأسعار مرتفعة، لكنها باتت محل إقبال بعض الزبائن كون أن مادة النحاسية تملك لمسة جمالية وهي صحية.
ولم تخل حتى طاولات الباعة الفوضويين، من هذه الأواني وهي ذات الصنع الصيني، والمحلي، والأوربي، لكنها رائجة بحكم نوعيتها، وجاذبيتها.
وبهذا يصبح سوق النحاس مميزا عن غيره، فبين النوعية والجمالية، هناك زبائن مميزين، يتمتعون بالرخاء والغنى، يفضلون كل ما هو نحاسي، لتزيين بيوتهم، والابتعاد في المقابل عن معادن مضرة بالصحة.

حماية المستهلك تحذّر من الغش في النحاس
وفي سياق حماية المالموضوع، حذّر المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لستهلك، فادي تميم، من شراء أوان وتحف نحاسية مغشوشة، في ظل غياب ثقافة والمعرفة الجيدة بهذا المعدن، خاصة أن أغلب التعاملات التجارية تفتقر لوصل البيع.
وأكد المتحدث أن هناك منصات تواصل اجتماعي عبر الانترنت، تتداول بيع أوان وتحف النحاس القديمة، دون رقابة، ولا متابعة، ويتم من خلال بعضها النصب والاحتيال على المستهلك الجزائري، لاسيما الذي لا يملك معرفة كافية بمعدن النحاس.
ويرى فادي تميم أنّ سوق بيع النحاس، غير مؤطر، وخاصة فيما يتعلق بالأشياء القديمة، والتحف الأثرية التي لا يجب أن يتلاعب بها خارج القانون، مطالبا بتشجيع حرفة صناعة النحاس التي تعرف حالة من الركود بعد هجرة الكثير من أصحابها.
وقال فادي، إن التحف القديمة تباع بأثمان غالية، وإن بعض المحتالين يبيعون بعض الأواني والتحف على أنها نحاسية مستغلين منصات التواصل الاجتماعي، وهو غش يقع ضحيته المستهلك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!