الرأي

الندم وحده.. ليس كافيا!

قادة بن عمار
  • 2870
  • 8
أسوشيتد برس
نقل جثة ملفوفة بالبلاستيك إلى شاحنة تبريد من قبل العاملين الطبيين الذين يرتدون معدات الحماية الشخصية بسبب مخاوف كوفيد-19 في مستشفى بروكلين في نيويورك يوم الثلاثاء 31 مارس 2020

يعتقد البعض أن التغيير الوحيد الذي سيحصل في عالم ما بعد كورونا، يتعلق بالصحة وبميزانيتها وطريقة عملها وظروف مستخدميها، لكن الواقع يقول إن التغيير الحقيقي يجب أن يشمل قطاعات أخرى ويمتد إلى مجالات أوسع، مجالات أظهرت لنا “كورونا” عيوبها المستترة، وذكّرتنا بمساوئها المتراكمة، بل وكشفت لنا حقيقتها الموجعة والمخفية.

التغيير الحقيقي يجب أن يطال اهتمام الدولة بالبحث العلمي، وبالتربية والتعليم، حيث لا مجال مرة أخرى لإهمال المدرسة أو ترك الجامعة لمصيرها، فقد دفعنا الثمن غاليا بسبب إقصاء العلماء وإهانة العقول، مقابل إعلاء صوت التفاهة وصناعة نجوم من فراغ، نجوم ملأوا الدنيا ضجيجا، واحتلوا الإعلام، وشغلوا الناس بما يليق ولا يليق!

ولولا كثرة هؤلاء، وتزايد نشاط هذه الصناعة التافهة، لما حصل لاعب كرة قدم مثلا على الملايين مقابل فشل باحث جامعي مرموق في توفير سكن لائق أو الحصول على أجر محترم أو التطلع لمكانة رفيعة؟!

ثم كيف تحوّل منصب نائب برلماني في البلاد إلى أعلى رفعة وأقوى نفوذا من مناصب علمية حقيقية، على غرار طبيب جراح أو دكتور في الجامعة مثلا؟!

كيف قبلِنا أن يتم فرش البساط الأحمر لبعض المغنيين التافهين مقابل سدّ الأبواب في وجوه الباحثين والمخترعين ومختلف الموهوبين؟

إنها وظيفة الإعلام أيضا، فقد تحوّل هذا الأخير من ناقل للمعلومة وصانع للرأي العام، إلى ناقل للكذب وصانع للتزوير في معظمه، حيث فسح الطريق للخرافة، ونشر الوهم والأباطيل للأسف!

كما تسبب هذا الإعلام في قلب الحقائق، وخلخلة سلم القيم، عامدا إلى خلط الأولويات، فعبث بالعلم والعلماء، وأقصى المحترمين وهمش الكفاءات.

والآن بعد ما بتنا نملك شجاعة الاعتراف، حيث انتشرت هذه الثقافة مؤخرا بكثرة لدى صناع القرار ومختلف فئات الشعب عموما، والفضل يرجع لـ”كورونا” وما فعلته بنا، هل نملك أيضا شجاعة التغيير، أم أن الأمر سيقتصر على إبداء مشاعر الندم والأسف دون إحداث ثورة في الذهنيات والممارسات؟ أي أننا سنبقى مجرد ردة فعل سريعة لا فائدة منها، ومجرد رجع صدى مؤقت لما نعيشه من أزمة، ثم حين تجد هذه الأخيرة طريقها نحو الحل، تعود “ريمة لعادتها القديمة”، ونرجع للمربع الأول، في انتظار أزمة جديدة ووباء آخر، لكننا حينها، لن ننجح في العثور على مجرد وقت للتأسف والتحسر، لأنّ طعم الندم سيكون مختلفا وأثره سيغدو ثقيلا ونتائجه لن يتحملها أحد.

مقالات ذات صلة