-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

النزاهة الأكاديمية… إلى أين؟

النزاهة الأكاديمية… إلى أين؟
p.l

تأسس المركز الدولي للنزاهة الأكاديمية (ICAI) في عام 1992 من قبل دون مكابي Don McCabe، الأستاذ بجامعة روتجرز الأمريكية، وهذا لمكافحة الغش والاحتيال والسرقة الأدبية في المجال الأكاديمي المرتبط بالتعليم العالي. وقد توسعت مهام المركز عبر السنين لتشمل العمل على نشر ثقافة النزاهة داخل المجتمع الأكاديمي في جميع أنحاء العالم. وتتمحور جهوده حول القيم الأساسية الست للنزاهة الأكاديمية التي ينبغي الالتزام بها في مطلق الأحوال، وهي: الصدق والثقة والإنصاف والاحترام والمسؤولية والشجاعة.

أين النزاهة؟

يُعتبر دون مكابي رائدا في باب الانشغال بالنزاهة الأكاديمية حيث أجرى عام 1993 أول دراسة أكاديمية من نوعها حول الغش. وفي هذا السياق، يسعى الخبراء، وعلى رأسهم دون مكابي، إلى وضع القيم الست السابقة الذكر موضع التنفيذ في الحرم الجامعي وفي الأقسام الدراسية وفي الحياة اليومية، وهذا لمكافحة الغش والانتحال وعدم الأمانة الأكاديمية في التعليم العالي.

توجد في إيرلندا وكالة حكومية تدعى “الجودة والمؤهلات الأيرلندية” (QQI) أنشئت لتعزيز الجودة والنزاهة والسمعة في نظام التعليم العالي. وهناك هيئة مماثلة في أستراليا تسمى “الوكالة الأسترالية لجودة ومعايير التعليم العالي” تهدف إلى معالجة عمليات الغش التجاري وحماية الطلبة والمؤهلات ونزاهة أنظمة التعليم في البلاد.

وقد أَنشأت هاتان الوكالتان “شبكة النزاهة الأكاديمية العالمية” (Global Academic Integrity Network) بدعم من اتحاد وكالات جودة التعليم ونزاهته في جميع أنحاء العالم من أجل محاربة ظهور خدمات الغش التي تستهدف الطلبة في المجال الأكاديمي. وانضمت إلى هذه الشبكة 20 هيئة من عديد البلدان، هي إسبانيا وأستراليا وفرنسا والمجر وإيرلندا وإيطاليا ونيوزلندا وليتوانيا وجنوب إفريقيا وأوكرانيا وبريطانيا وزامبيا، فضلا عن 3 هيئات من الاتحاد الأوروبي، هي هيئة “الأخلاق والشفافية والنزاهة في التعليم” و”الرابطة الأوروبية لضمان الجودة في التعليم العالي” و”الشبكة الأوروبية للنزاهة الأكاديمية”. وتعمل الشبكة على الحدّ من عمليات الغش التي تقدر أموالها بمليارات الدولارات حيث ازدهرت خلال السنوات الأخيرة حين أصبح التعلم والتقييم عبر شبكة الإنترنت أكثر انتشارًا.

ويتمثل النشاط الرئيسي لخدمات الغش الذي تهتم به الشبكة في توفير مهام مدفوعة الأجر، بما في ذلك تحرير المقالات والبحوث والإجابات عن أسئلة الامتحانات التي تساهم في رفع علامات الطلبة في اختبارات التقييم الدراسي. بل يتم الآن عرض خدمات لتقديم إجابات عما يرد ضمن الاختبارات في غضون 30 دقيقة، مما يثير الشكوك أكثر فأكثر حول نزاهة الامتحانات التي تُجرى عبر شبكة الإنترنت. وتجد هذه المبادرة دعما من قبل منظمة اليونسكو، كما نالت مباركة العديد من الهيئات الأخرى.

الريادة لإيرلندا

بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس وكالة”الجودة والمؤهلات الأيرلندية” عُقدت قبل أسبوع في العاصمة الإيرلندية ندوة حول النزاهة الأكاديمية. وقد غطتها إعلاميا أسبوعية “أخبار الجامعات عبر العالم” الصادرة بلندن نستقي منها هذه المعلومات. فقد ذكر الخبراء أن من بين ما تقوم به الشبكة هو إبلاغ الطلبة وسلك الموظفين بالمخاطر التي تترتب على الغش والحاجة الماسة إلى الحفاظ على ثقافة النزاهة الأكاديمية في الحرم الجامعي. وأشار خبير من الوكالة الأسترالية خلال الندوة إلى أن عمليات الغش الكبيرة صارت تحمل طابعا دوليا لأن جهات مختلفة أصبحت تعمل بصفة جماعية. ولذلك تحرص الشبكة العالمية على تقديم معلومات استخبارية للقضاء حول من أولئك الذين يقفون وراء عمليات الغش في العالم.

ويذكر خبراء الشبكة أن بعض العاملين في مجال الغش قد وصل بهم الأمر إلى استخدام أساليب الابتزاز فيهددون ضحاياهم بإخبار سلطات جامعاتهم بأنهم قدموا لهم خدمات معينة في مجال الغش. ويرى البعض أن تحقيق النزاهة الأكاديمية يتأتى من إسهام كل فرد في المنظومة الجامعية في حين يلاحظ آخرون أن الطبيعة العالمية لهذا النوع من الغش يتطلب حلا على مستوى المعمورة. ومن هذا المنظور فإن إطلاق “شبكة النزاهة الأكاديمية العالمية” تُعدُّ خطوة بالغة الأهمية في معالجة ومواجهة عمليات الغش عبر الإنترنت التي يتجاوز حجم أضرارها الحدود الجغرافية. فلا يمكننا تعطيل آليات أعمال الغش إلا من خلال التعاون عبر الحدود للاستفادة من جميع الخبرات المتوفرة.

تُعتبر إيرلندا في طليعة الجهود العالمية لمعالجة قضايا خدمات الغش عبر الإنترنت وحماية النزاهة الأكاديمية على المستوى الوطني وحول العالم. لذا تعتمد “شبكة النزاهة الأكاديمية العالمية” على ما تم بهذا الشأن في إيرلندا، بدءًا من تدابيرها التشريعية الوطنية لمعالجة وضعيات أولئك الذين يسهلون عمليات الغش. فعلى سبيل المثال، تم في إيرلندا نشر قائمة من أكثر من 80 موقعًا إلكترونيًا تتيح للطلبة الغش في الدراسة والتقييمات عبر شبكة الإنترنت. ومن ثمّ تحركت الجامعات لمنع الوصول إلى تلك المواقع من خلال شبكات الحرم الجامعي.

وتتميّز إيرلندا في هذا المجال بأن لديها تشريعات تحظر تشغيل أو ترويج ما يسمى بخدمات الغش التعاقدية. ومع ذلك، فإن صلاحياتها محدودة إذ لا يمكنها اتخاذ إجراءات قانونية ضد تلك الخدمات التي تأتي من خارج إيرلندا لعجزها عن محاربة الغش وراء حدودها.ويخوّل القانون لوكالة “الجودة والمؤهلات الأيرلندية” رفع الدعاوى ضد هذا النوع من الغش بموجب التشريع القضائي الصادر في عام 2019 الذي جعل هذه الوكالة المسؤولة عن هذا النشاط. وقد يتلقى المدانون عقوبة تتمثل في دفع غرامة تصل إلى مائة ألف أورو و/أو السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات.

ومن المعلوم أن من يقف وراء عمليات الغش قد وصل بهم الأمر إلى عرض خدماتهم في ملصقات على جدران بعض الجامعات سرعان ما يتم إزالتها من قبل مصالح الجامعات، لكنها تعود للظهور. كما يتم استهداف الطلبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبهذا الصدد، صرح أحد الأساتذة الأمريكيين في الندوة أن هناك الكثير من القضايا المشتركة التي تؤثر على سير مؤسسات التعليم العالي في جميع أنحاء العالم. غير أن ثمّة عددا قليلا من المنتديات التي يتم فيها تبادل الآراء وإجراء مناقشات مكثفة ومستفيضة حول هذه القضايا.

وقد ألحّ هذا الأستاذ على أنه يجب أن تكون هناك آليات أفضل للنظر في التحديات التي تواجه الجامعة في باب الغش المرتبط بالمجال الأكاديمي… وما أكثر متاهات الغش والاحتيال!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!