النزاهة هي فعل الشيء الصحيح
لطالما جعلني أولادي الثلاثة فخورا بهم، لكن أكثر اللحظات فخرا بالنسبة لي كأب، كانت عندما رفض أحد أولادي وظيفة، على الرغم من أنه كان عاطلا عن العمل، كان ذلك بُعيد تخرجه من الجامعة، وقد كانت الوظيفة في شركة متعددة الجنسيات تعمل في مجال الخدمات المالية، كان الراتب مغريا، وكان سيستفيد من التدريب والتأهيل المهنيين، وكان سيعمل في مكان جميل في الخارج.
فلماذا رفض ابني الوظيفة إذا؟
لأنه اكتشف، بعد بحث واسع على الأنترنت، أن مبادئ الشركة كان مشكوكا فيها، كان العمل يتمثل في بيع منتجات مالية مشبوهة لزبائن أجانب، وكان مقر الشركة موجود خارج المملكة المتحدة لتفادي القوانين البريطانية الصارمة في مجال بيع المنتجات المالية. قرر ابني رفض الوظيفة في سبيل تمسُّكه بقيمه، ليتحصل بعدها على وظيفة أحسن.
كنت فخورا لأن القرار كان قرار ابني الشخصي، وهو الذي كان على مسافة 10000 كم بعيدا عن منزل العائلة، وبعيدا عن سيطرة الوالدين ومراقبتهما.
قال الكاتب البريطاني سي أس لويس (CS Lewis)، “إن النزاهة هي فعل الشيء الصحيح حتى ولو لم يكن أحدٌ يراقبك”؛ فذلك يعدُّ احتراما للنفس واحتراما للآخرين. فضيلة النزاهة هي قيمة أساسية من قيم الخدمة العامة البريطانية. ويعني ذلك الالتزامات بالخدمة العمومية على حساب المصالح الشخصية. أما القيم الأخرى للخدمة العمومية البريطانية فتتمثل في:
– الصدق: قول الحقيقة والوضوح.
– الموضوعية: إعطاء النصائح واتخاذ القرارات بناء على التحليل الدقيق للأدلة.
– الحياد: التصرف وفقا لجوهر القضية وخدمة الحكومات على اختلاف انتماءاتها السياسية.
وبصفتي موظفا في القطاع الحكومي، أنا فخور بالتزامي بهذه القيم، المنشورة في قانون الخدمة العامة البريطانية.
غير أنه ومن خلال تجربتي الخاصة تبين لي أن هذه القيم ليست حكرا على الخدمة العامة البريطانية، بل يتميز كل الأشخاص الطيبين في كل بلد ومن كل الثقافات بالنزاهة والصدق واحترام الآخر والالتزام بالحقيقة.
وأعتقد أن هذه القيم كانت وراء رفض الناس القويّ حول العالم للأعمال التي تقوِّض النظام العالمي القائم على القواعد والأحكام، على غرار نمط السلوك غير الشرعي للكرملين – فمنذ 2014، قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم، وتدخلت في دونباس، وأسقطت طائرة الرحلة MH17، وقامت بمحاولة انقلاب في مونتينيقرو (الجبل الأسود)، وبعملية اختراق في بوندستاغ، وتدخلت في الانتخابات، وعلى خلفية الاتفاقيات الدولية الخاصة بحظر الأسلحة الكيميائية، عبَّر الناس عن اشمئزازهم حيال استعمال الأسلحة الكيماوية في كل من سوريا والمملكة المتحدة.
يرفض الناس المعلومات المضللة التي تنشرها الحكومة الروسية عن هذه الأحداث وذلك احتراما للحق، فقد قدَّمت الحكومة الروسية، على سبيل المثال، أكثر من 30 رواية كاذبة بعد هجوم ساليسبوري بالمملكة المتحدة.
لقد كنت فخورا بابني الذي اختار اختيارا حكيما، وأنا فخور كذلك بعملي كسفير في بلدٍ عقد العزم أن يقف مع الحق وأن يدافع عن القوانين الدولية التي تقوم عليها الديمقراطية.