-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

النشر المجاني بدار جامعة كمبردج

النشر المجاني بدار جامعة كمبردج

تعدّ دار نشر جامعة كمبردج البريطانية قسما غير تعليمي من أقسام وكليات الجامعة. وقد تأسست هذه الجامعة عام 1209، أما دار النشر فيها فدُشِّنت عام 1534، أي قبل نحو 5 قرون. والدار تنشر الأعمال في شكل كتب ومجلات أكاديمية وتربوية، ولها امتدادٌ تجاري ووكالات في أكثر من 40 دولة عبر العالم..

وفاقت منشوراتها 50 ألف عنوان لمؤلفين من مختلف بقاع الأرض، منهم 170 حاصلا على جائزة نوبل. ولعل القارئ يستغرب في كون هذه الدار مؤسسة غير ربحية تحوّل ما لا يقل عن 30%  من أرباحها إلى جامعة كمبردج. وأما عدد المجلات الأكاديمية المحكّمة التي تصدرها في مختلف فنون المعرفة فتجاوز 420 مجلة.

تعقيدات علاقات دور النشر بالمؤلفين  

من المعلوم أن علاقات عالم النشر بالباحثين الذين يرغبون في نشر أعمالهم علاقات بالغة التعقيد لأسباب موضوعية، لكننا نجدها متناقضة أحيانا؛ فالباحث الذي يرسل عمله للنشر في مجلة محكّمة لا يتقاضى أجرا من المجلة على ذلك، بل في كثير من الحالات تطلب منه هذه الأخيرة -مقابل النشر- مبلغا قد يكون بآلاف الدولارات.

يقول الناشر إنه يتحمل عبء أعمال الطباعة والنشر والتوزيع، ويعتبر الباحث “موظفا” في جامعته أو مؤسسته البحثية ويتقاضى راتبه، ولذا لا يستحق أجرا ثانيا، لاسيما أنه غالبا ما تتم ترقيته بعد نشر بحثه. ثم إنه إذا لم يستطع الباحث دفع مستحقات المجلة التي ينشر فيها، فعلى جامعته أن تقوم بذلك لأن سمعتها ستزيد إذا ما نشر المنتسبون إليها بحوثا كثيرة.

ويضيف الناشر بخصوص الخبراء (وهم يُسمَّوْن في المصطلح الأكاديمي “الأقران”) الذين يقيّمون البحوث المعروضة للنشر أنهم هم أيضا “موظفون” يتلقَّون رواتب من الجهات الأكاديمية التي ينتسبون إليها. وعمل التحكيم والتقييم يندرج في صلب الأعمال التي ينبغي أن يقوم بها الباحث لخدمة اختصاصه. وبعد كل ذلك –في رأي الناشر- إذا لم يقم المحكّم وأمثاله بهذه المَهمَّة فسوف لن تنشر أبحاثا بمستوى علمي مقبول لأن المجلات ستكتفي بتقييم بسيط سيجعل البحوث المنشورة غثة وسيتضرر جراء ذلك الباحثون والتقدم العلمي في آن واحد.

هذا هو منطق الناشر. لكن منطق الباحثين يختلف عن هذا التحليل. والخلاصة في كل الأحوال أن الناشر تاجرٌ يسعى بكل الوسائل إلى الربح ولو كان على حساب المتعاملين معه. والواقع خلال السنوات الأخيرة يدل على أن كبار الناشرين في العالم عاثوا استغلالا ويبتزون الباحثين والمكتبات الجامعية ابتزازا بشعًا حتى انتفضت كبريات تلك المكتبات في الدول المتقدمة بسبب المبالغ الضخمة التي تطلبها منها دور النشر مقابل الاشتراك في مجلاتها. وهذه القضية تناولتها العديد من الأقلام في الإعلام الغربي المتخصص.

المبادرة الرائدة لجامعة كمبردج  

وإذا عدنا إلى دار نشر جامعة كمبردج، فإننا نجدها واعية بهذا الوضع، وتسعى إلى إيجاد بعض الحلول لهذه الإشكالية. ومن المشاكل المعروفة أن الباحثين في دول العالم الثالث كثيرا ما يتعذر عليهم النشر في المجلة الأكاديمية لأنهم لا يستطيعون لأسباب مختلفة دفع المبالغ المطلوبة لقاء نشر بحوثهم، كما أن مؤسساتهم لا يمكنها عموما القيام بذلك لنقص التمويل أو لعدم وجود قوانين تسمح بهذه العملية (عملية دفع مقابلٍ لمجلة).

وفي هذا السياق، أقدمت دار جامعة كمبردج عام 2022 على نشر 50% من إجمالي المقالات البحثية التي تصدر في مجلاتها نشرا الولوج إليه مجاني. وتواصل الدار العمل من أجل إتاحة الوصول المفتوح إلى كل البحوث المنشورة في مجلاتها بحلول عام 2025، وذلك لدعم –بوجه خاص- الباحثين العاملين في دول العالم الثالث.

وتلاحظ الدار أن هناك مزايا عديدة للمؤلف وأبحاثه عند نشر الأعمال بالولوج المجاني؛ فذلك يزيد في عدد الاقتباسات من البحوث المعروضة ومن عدد التنزيلات. وقد أدركت الدار قبل غيرها أن الكثير من الباحثين يعانون من نقص التمويل ومن عدم توفر الإمكانات المادية لديهم لدفع ما تطلبه المجلات مقابل نشر بحوثهم. ولذلك جاءت دار نشر جامعة كمبردج بمبادرة جديدة أطلقت عليها اسم “Cambridge Open Equity Initiative” صُمِّمت لدعم هؤلاء الباحثين في البلدان ذات الدخل الضعيف أو المتوسط الذين يرغبون في نشر أعمالهم حيث يُعفون من دفع مبالغ مالية لقاء هذا النشر، كما توضع تلك البحوث مفتوحة مجانا للجميع في منصات الجامعات ومكتباتها.

تضمن هذه المبادرة التمويل الكامل لنشر البحوث (بدون أن يدفع صاحبها رسوم النشر) التي تأتي من بلدان معينة يزيد عددها عن 115 دولة، منها بلدان المغرب العربي الكبير ودول عربية كثيرة ومعظم الدول الإفريقية. والمؤسسة ماضية في توسيع العملية لتضم أكبر عدد ممكن من المجلات الذي بلغ عددها الآن نحو 400 مجلة.

تضمن هذه المبادرة التمويل الكامل لنشر البحوث (بدون أن يدفع صاحبها رسوم النشر) التي تأتي من بلدان معينة يزيد عددها عن 115 دولة، منها بلدان المغرب العربي الكبير ودول عربية كثيرة ومعظم الدول الإفريقية. والمؤسسة ماضية في توسيع العملية لتضم أكبر عدد ممكن من المجلات الذي بلغ عددها الآن نحو 400 مجلة.

ستنطلق العملية اعتبارًا من فاتح جويلية 2023. ولا حاجة للباحث أن يتقدم بأي طلب إعفاء من الدفع إذ سيتم التعرُّفُ تلقائيًا على الباحثين المعنيين بهذا الإعفاء بمجرد قبول بحوثهم للنشر. ومن ثم، فالباحثون قادرون على تقديم أعمالهم للنشر إلى جميع المجلات التي تصدرها الدار دون أي رسوم (عليهم أو على مؤسساتهم). وهذا ما سيجعل أكثر من 5 آلاف مؤسسة جامعية في البلدان ضعيفة الدخل تستفيد من هذا الدعم.

ويدعو أصحابُ هذه المبادرة المؤسساتِ الأكاديمية ودورَ النشر الأخرى في العالم إلى التعاون وتوسيع المبادرة، وستتلقى المؤسسات المساهِمة في المبادرة تقريرًا سنويًّا يوضح تأثير دعمها. ويمكن للباحثين المقيمين في البلدان التي أصدرت دار النشر قائمتها في موقعها التحقق من أهليتهم قريبًا باستخدام برنامج فحص خاص في موقع جامعة كمبردج. ويرى المتتبعون أن هذه المبادرة تنصف الجميع، وتتيح الفرصة للباحثين الذين لهم عوائق إدارية أو مالية للتعريف بأعمالهم.

أما المديرة العامة للشؤون الأكاديمية في دار نشر جامعة كمبريدج فتقول: “نريد نشر أفضل الأبحاث العلمية، من حيث أتت…”، وتضيف أنه “يتعين علينا الحذر من العواقب السيئة غير المقصودة المترتبة على غياب تكافؤ الفرص في نظام التعليم العالي العالمي”. نتمنى أن تتكاثر مثل هذه المبادرات الطيبة التي يستفيد منها كافة الباحثين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!