-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نيشان

النصر… الذي يبقى…

محمد عباس
  • 3304
  • 0
النصر… الذي يبقى…

لفتة كريمة بمناسبة الذكرى الـ48 لعيد النصر، نحو سادس التاريخيين الستة الفقيد بلقاسم كريم رئيس الوفد الجزائري المفاوض، وموقّع اتفاقيات إيفيان باسم جبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 18 مارس 1962. لفتة كريمة من جمعية مشعل الشهيد ويومية المجاهد نحو الفقيد الرمز بحضور حرمه وأبنائه، عبر وقفة تكريم رمزية(*) من أطفال الثورة وأجيال الاستقلال.

وقد تعرف الحضور الكريم، ربما لأول مرة، على حرم الفقيد وإبنه البكر أحمد وابنتيه كريمة وكوثر.

تكلّم نجل الفقيد بالمناسبة ليقول بكلمات وجيزة في غاية البلاغة: إن أفضل تكريم لتضحيات الرواد أمثال كريم ورفاقه، وقوافل الشهداء معهم ـ هو أن نكمل معجزة التحرير ـ التي حققوها بقوة الإيمان وعدالة القضية ـ “بمعجزة التعمير” حتى تكون أجيال الثورة والاستقلال في مستوى الأمانة والوفاء.

إن يوم النصر الذي احتفلنا به الجمعة الماضي (19 مارس) هو عنوان “معجزة التحرير”. لقد كان خاتم ملحمة جيل الثورة الوطنية؛ ملحمة توّجت بنصر مبين… والنصر – أيّ نصر ـ هو كل لا يتجزأ، تساهم في صنعه العوامل الداخلية والخارجية، وتتضافر في نسج لحمته وسداه حرب ثورية، مسندة بجهود سياسية جبارة، وبنشاط دبلوماسي عرف بحنكة فائقة، كيف يواكب حركة التحرر الوطني الإقليمية والجهوية والعالمية.

ومضمون هذا النصر المبين، أن المفاوض الجزائري حقق أهداف بيان فاتح نوفمبر 1954 كاملة. أي استقلال الجزائر التام في ظل وحدة الشعب والوطن، فهو لم يفرّط في أية فئة من مكوّنات شعبنا، ولا أيّ شبر من تراب الجزائر.

طبعا لم يحقق الشعب الجزائري وطلائعه المقاتلة هذا النصر باستسلام العدو، لكنه مع ذلك استطاع أن يستنزف هذا العدو ماديا ومعنويا، ناهيك أنه أوصله إلى حافة الحرب الأهلية، وحول “فرنسا الديمقراطية وحقوق الإنسان” إلى “جمهورية موز”، تهدد مؤسساتها الشرعية الإنقلابات العسكرية التي باتت تهدد بجد الجمهورية الخامسة، بعد أن أطاحت بالجمهورية الرابعة في 13 مايو 1958.

نسمع من حين لآخر أصواتا تشكك في هذا النصر، أو تحاول التقليص منه، وحتى تجزئته! كقول أحدهم في المركز الثقافي ـ قبل نحو عام ونصف ـ إننا لم ننتصر على فرنسا عسكريا! نذكّر هذا الأخ الكريم بالمناسبة، أن النصر كلّ لا يتجزأ، وأكبر دليل على انتصار الثورة الجزائرية انهيار النظام الاستعماري في الفترة ما بين وقف القتال في 19 مارس واستفتاء تقرير المصير في فاتح يوليو 1962، وانسحاب المستوطنين جماعيا وعار الهزيمة والإرهاب يلاحقهم إلى الأبد.

ونسمع من فرنسا أحيانا أصواتا تشكك في مقدرة الشعب الجزائري على الاحتفاظ بنصره، مثل زعم وزير الخارجية كوشنير أخيرا أن العداء للإستعمار الفرنسي شأن معلّق على المجاهدين وسينقرض بانقراضهم! وهذه سبّة للشعب الجزائري وطلائعه جميعا، لأن مضمونها أنه خلال قرابة نصف قرن من الاستقلال لم نحقق بعد ديمومة الدولة! ومن ثمّة يمكن أن تخلع الجزائر جلباب الوطنية والثورة في عقد من الزمن على أبعد تقدير!

مثل هذه التجاوزات من عدوّ الأمس لم يسبق أن سمعناها في عهد الرؤساء السابقين… ومازلنا نذكر كيف انتفض الرئيس اليمين زروال لكرامة الجزائر بنيويورك في خريف 1995، عندما لمس من الرئيس شيراك أنه غير متحمّس لمقابلته!

وتحمل مثل هذه التجاوزات في خباياها مؤشرا خطيرا: إشارة إلى ضعف ما في الجبهة الداخلية ـ التي تحطم عليها بالأمس استعمار في درجة عتو الاستعمار الفرنسي ـ واحتمال وجود ثغرات، يطمع في التسلل من خلالها أعداء وحدة الشعب وسلامة الجزائر الترابية…

وسواء أكانت مثل هذه الهواجس ـ المشروعة ـ مبرّرة أم لا، فإن الاحتفاظ بالنصر الذي تحقق قبل 48 سنة يستوجب التعجيل بأمرين أساسيين:

ـ الأول: التأريخ لهذا النصر. أي كتابة تاريخ الثورة بتدوين رواية المنتصِر؛ علما أن هذه الرواية هي الأصدق والأسلم، مهما أوتي المهزوم من وسائل الدعاية والمال… والإشعاع الدولي. والملاحظ أن سبْق المهزوم في هذا المجال الحيوي وضعنا في حالة دفاع بحكم تأخرنا ذاته.

ـ الثاني: تثمين معجزة النصر والتحرير، كحافز قوي لمعجزة الجهاد الأكبر؛ معجزة التعمير. إن تحقيق المعجزة في هذا المجال لا يمكن بدون:

ـ إقتصاد وطني منتج للثروة بقاطرة قوية، لن تكون غير قاطرة التصنيع القادرة وحدها على التجاوب السريع مع الطموح الجزائري المشروع.

ـ ثقافة وطنية تجدد علاقة نخبنا بركب الإبداع الحضاري.

ـ انتظم التكريم الرمزي صبيحة الأربعاء الماضي. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!