-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
فرنسا تنشد العودة إلى مالي عبر بوابة "الناتو"

النفوذ الجزائري يلاحق المناورات الإسبانية في مالي!

محمد مسلم
  • 1969
  • 0
النفوذ الجزائري يلاحق المناورات الإسبانية في مالي!
أرشيف

بدأت ملامح سياسة المحاور تتجلى في سباق المواقف والمصالح بين الجزائر وخصومها الإقليميين، وعلى رأسهم إسبانيا، في المنطقة الممتدة من حوض المتوسط الغربي إلى منطقة الساحل، مدفوعة بالتوجه الجديد للدبلوماسية الجزائرية القائمة على مواجهة التحدي بتحد آخر أكبر منه.

خلال القمة الأخيرة للحلف الأطلسي التي احتضنتها العاصمة الإسبانية مدريد، مارست حكومة هذا البلد، برئاسة بيدرو سانشيز، ووزير خارجيته خوسي مانويل ألباريس، ضغوطا على نظرائها “الأطلسيين”، من أجل الموافقة على دور عسكري لـ”الناتو” في مالي، بداعي محاصرة ظاهرة الهجرة غير الشرعية في مهدها.

وبغض النظر عما إذا كان الطرف الإسباني يستهدف من وراء ذلك المطلب، محاربة ظاهرة الهجرة غير الشرعية في منابعها، فإنه بالمقابل أساء إلى سيادة دولة ذات سيادة ممثلة في مالي، كما أزعج الجزائر أيضا من خلال الدعوة إلى الزج بقوات عسكرية غربية في دولة متاخمة لحدودها الجنوبية، التي لطالما كان غياب الاستقرار فيها مبعث قلق لدول الجوار جميعا.

“التطاول الإسباني” على مالي لم يمر من دون أن يخلف ارتدادات على العلاقة بين باماكو ومدريد، فقد تم استدعاء السفير الإسباني من قبل وزارة الخارجية المالية، على خلفية تصريحات لـ”ألباريس” قال فيها إن تدخل حلف شمال الأطلسي عسكريا في مالي “لا يمكن استبعاده”.

وقال وزير الخارجية المالي، عبد الله ديوب، في مقابلة خص بها التلفزيون الرسمي “استدعينا سفير إسبانيا إلى وزارة الخارجية لإبلاغه احتجاجنا الشديد على هذه التصريحات”، التي وصفها بـ”غير المقبولة وغير الودية والخطرة” لأنها تنطوي على “ميل إلى التشجيع على شن عدوان ضد بلد سيد ومستقل”.

كلام وزير خارجية مالي كان على قدر كبير من الحجية والمصداقية، وهو يرد على المسؤولين الإسبان ومن ورائهم قادة الحلف الأطلسي، الذين لعبوا على “بعبع” الإرهاب لتبرير التدخل العسكري في منطقة الساحل، عندما قال: “على الوزير (يقصد ألباريس) أن يتذكر أن انعدام الأمن حاليا واتساع رقعة الإرهاب في منطقة الساحل، مرتبطان خصوصا بتدخل الحلف الأطلسي في ليبيا الذي لا نزال ندفع ثمن تداعياته”.

الجهة المستهدفة وإن لم تذكر في “مناورة” الحكومة الإسبانية، هي الجزائر لعدة اعتبارات، كون هذه الدعوة تتنافى تماما مع المواقف الجزائرية المعلنة والخفية بشأن الأزمة في مالي. وبالعودة إلى تصريحات المسؤولين الجزائريين، نجد أنها كلها تدعو إلى الحلول السلمية وقد أنجزت لأجل ذلك مهمة برعاية الأمم المتحدة، تمكنت من خلالها جمع الفرقاء في مالي على طاولة واحدة وإقناعهم بالتوقيع على ما بات يعرف “اتفاق الجزائر” في العام 2015، الذي حاولت فرنسا تهديمه من خلال تدخلها العسكري في هذا البلد في العام 2013.
ومن هذا المنطلق، يرجح أن إسبانيا قامت بتلك المناورة بإيعاز من فرنسا، التي اضطرت إلى سحب جنودها من مالي، تحت ضغط سلطات باماكو، التي وقفت على ممارسات خطيرة بدعم وتدريب منظمات إرهابية في شمال مالي، نسبت للجيش الفرنسي، كما جاء على لسان رئيس الحكومة الانتقالية في مالي شوغيل مايغا، الذي تحدث في أكتوبر 2021 عن توفر حكومته على أدلة دامغة تدين باريس، التي تحاول إعادة قواتها العسكرية عبر البوابة الأطلسية، بعدما أخرجت من نافذة عملياتها الفاشلة “سيرفال” و”برخان” وفق سياسيين وإعلاميين فرنسيين.

ويتضح من خلال هذا السجال، اصطفاف جزائري مالي، في مواجهة اصطفاف باريس مدريد، ويمكن تلمس هذين المحورين من خلال التقارب الحاصل في مواقف العاصمتين الإفريقيتين، من الدولتين الأوروبيتين، إذ تبدو باماكو وكأنها على خطى الجزائر في التعاطي مع الاستفزازات القامة من الشمال.

فالجزائر كانت المبادرة باستدعاء سفيرها في باريس على خلفية تصريحات مسيئة (تتعلق بالذاكرة) من قبل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وكان ذلك في أكتوبر 2021، وهو الشهر ذاته من السنة ذاتها التي استدعت فيها مالي السفير الفرنسي في باماكو للاحتجاج على تصريحات ماكرون دعا فيها إلى “عودة الدولة” في مالي.

والغريب في الأمر أن ما فعلته كل من الجزائر ومالي مع فرنسا تكرر مع إسبانيا، فقد استدعي السفير الجزائري من مدريد في مارس 2022، احتجاجا على انقلاب موقف هذه الأخيرة المفاجئ من القضية الصحراوية لصالح نظام المخزن المغربي، قبل أن يأتي الدور على مالي التي استدعت بدورها سفير إسبانيا في باماكو الجمعة المنصرم، بعد مطالبة وزير خارجية إسبانيا بتدخل الحلف الأطلسي عسكريا في هذا البلد الإفريقي.

ويتحدث مراقبون عن بداية تبلور دور جزائري ثائر ضد محاولات الوصاية الأوروبية على دول القارة السمراء، وتتضح هذه المقاربة من حالة “التمرد” التي تطبع مواقف العديد من الدول الإفريقية ضد الوجود الفرنسي، والتي بدأت من جمهورية إفريقيا الوسطى، قبل أن تمتد إلى مالي ثم تشاد وبوركينافاسو، متماهية مع التصريح الذي أدلى بها وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة من مالي عندما قال إنه يرغب في “تذكير من يريد أن يسمعنا بأن إفريقيا مهد للإنسانية وقبر للاحتلال”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!