النكــــــاح يصنع الأولاد فمن يربيهم؟
يعلم الجميع أن النكاح هو الوسيلة الطبيعية لإنجاب الأطفال، يفعلون هذا وهم يرددون حديث الرسول عليه الصلاة والسلام تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة، وتبدأ الآلة في العمل، فتنجب العائلة طفلها الأول الذي عادة ما يكون مدللها، ثم يأتي اخوته وأخواته تباعا كل حسب ما قدر له الله وحسب قدرته، لكن هل يعلم الآباء والأمهات أن مهمتهم لا تنتهي بإنجاب الأولاد بل تمتد إلى تربيتهم؟
يكبر الأولاد وتكبر معهم مشاكلهم وتصبح عملية متابعتهم مهمة شبه مستحيلة، خاصة في مجتمعنا الذي يستقيل فيه الأب من الارتباطات الأسرية مبكرا و يتفرغ لجلب المال كي يعيل الأسرة، أما الأم فتغرق في مهامها الأسرية من زيارات للعمات، الخالات، السهرات والأعراس وتنسى أن لها أولادا يحتاجونها أكثر من حاجتهم للأكل والشرب، أما إذا كانت الأم عاملة فالحال أصعب والمتابعة تصبح شبه منعدمة كون أنه من شبه المستحيل تقسيم الوقت بين العمل والمهام المنزلية الشاقة، فكيف إذا أضفنا الاعتناء بالأطفال ومشاكلهم المزمنة… وبما أن لا مجال للفراغ، نمط الحياة الحديثة تكفل بتربية الأطفال نيابة عن الأمهات والآباء، فأضحى التلفاز بديلا عن قصص الجد والجدة، والفايسبوك وسيلة لخلق علاقات اجتماعية افتراضية وجودها شبه مفقود تحت سقف المنزل العائلي، أما الحضانة فأضحت واجبا لا يمكن التفريط فيه، فيكبر الولد بعيدا عن حنان الأم لغياب الوقت بعد أن حرمته من حليبها خوفا على قوامها.
يخرج الطفل مباشرة من البيت ليلهوا في الشارع أو الحي، هذا المحيط الذي كان من أهم العوامل التي تدعم تربية الأطفال و تقوم سلوكهم، فالجميع كان يحرص على أن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر، خاصة حين كانت العائلة الكبيرة أساسا في مجتمعنا، فتجد العم والجد ينصحان والجار ذي الجنب يعامل أطفال جيرانه كأنهم أطفاله، فيعاتب ويعاقب كل من يخطئ، والويل للطفل إن علم أبوه من الجار بخطئه لأنه سيعاقبه أشد العقاب، أما اليوم فالكل يرفض أن يتدخل الآخر في تربية أولاده حتى أقرب المقربين، فكم من خلاف حدث بين الأخوة بسبب الأولاد، أما علاقة الجار مع الجار صارت بمبدأ “أنا جارك وانت جاري، أنتَ في حالك وأنا في حالي”.
يأتي الآن دور المدرسة بأطوارها الثلاثة، وعكس ما كان موجودا في سبعينات وثمانينات القرن العشرين الأستاذ لم يعد الأب الثاني للطفل، فالآباء صاروا يرفضون أن يقدم الأساتذة ملاحظات عن أخلاق أبنائهم، فهم في نظرهم كاملون مكملون بل ملائكة منزلون، والأساتذة بدورهم ضاقوا ذرعا بالمضايقات التي تلحقهم من كل حدب وصوب، خاصة إن هم حاولوا المساهمة في تقديم نصائح للمتعلمين و المتعلمات، فهم ملزمون بتطبيق برنامج الوصاية وفق سبيل محدد فلا يحق لهم بأي حال من الاحوال أن يتعدوا بالخروج عنه، وأي خروج عن النص يعني العقاب الشديد من السيد المفتش و المدير.
أما المسجد الذي كان المنارة التي تشع في كل حي، والمكان الذي يقصده كل من أذنب أو أخطأ، تخلى عن هذه المكانة وأصبح مجرد دار عبادة يقصده سكان الحي يوم الجمعة لسماع خطبة الجمعة أو جزء منها والمشار إلى مواضيعها من الوصاية بعد أن أصبح جل الأئمة موظفون لا رساليين، وحتى الأولاد والشباب صار ذهابهم إلى المسجد مناسباتيا في العيدين أو ربما في صلاة التراويح، أما الشابات فلا يكدن يعرفن طريقه، فكيف يمكن أن نربي هؤلاء الصغار على تعاليم الدين الحنيف؟
قد يقول البعض، ما همي بالمجتمع، المهم أن أربي أولادي، فأنا أتابعهم وأسهر على أخلاقهم، دينهم ودراستهم، جوابي سيكون بقصة قصيرة حدثت لصديق، شاهد شعر ابنه قد كبر فطلب منه أن يقوم بقصه لكن بالطريقة العادية التي يكون فيها الشعر متساويا خاليا من القزع، الذي يتم فيه حلق بعض الشعر وترك البعض كما يفعل اليوم العديد من شبابنا حتى أصبحوا كالديوك، لكن الطفل رفض وبعد نقاش طويل قال الابن لوالده لو فعلت ذلك لأصبح اسمي في المؤسسة “المعزة “، وهنا أسأل كيف يمكن للوالد أن يتصرف، فإذا أصر على رأيه هناك احتمال أن يصبح الأمر عقد عند الإبن الذي سيكره الدراسة بسبب سخرية زملائه، وإن تنازل فسمح له بتغليب رأيه بحلاقة الشعر كما يشاء، قد يكون الأمر بداية لتنازلات ربما تصل لقبول بأمر واقع يكون فيه للإبن خليلة و للبنت خليل، وهو ما أصبح أمرا عاديا لا ينكره الكثير منا لأنه يوافق العقلية الغربية الداعية للتفتح الذي أصبحت أقدس من الدين عن بعض المسلمين.
أصبحت العائلة اليوم تقوم بدور البنك بالنسبة للأولاد من خلال تمويلها لمصاريفهم والشارع أصبح حيز اختلط فيه الحابل بالنابل والمؤسسات التربوية أفرغت من دورها التربوي، استقال الجميع من واجباته ليمتهنوا هواية توزيع التهم على الآخرين، والضحية مجتمع يسير على طريق الهاوية بفرح وسرور، والطامة أن لا أحد يستشعر خطورة ما نحن فيه وما نحن ذاهبون إليه، امتلاء السجون، دور العجزة وارتفاع معدلات الجريمة بشكل خرافي دليل على فشل مشروع مجتمع تم تدميره بشكل ممنهج بصناديق الطلاق وقوانين تدخل الزوج السجن بعد أي خلاق مع زوجته، مما يعني تفجير العائلة التي هي أساس المجتمع.. أيها السادة أيتها السيدات من السهل أن نصنع الأطفال لكن ما أصعب أن نصنع مجتمعا متكاملا يربيهم بعد أن أصبح الأب مانحا للسائل المنوي و الأم حاضنة له.