-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الوالي والوليّة!

الوالي والوليّة!
ح.م

حادثة والي مستغانم، عبد السميع سعيدوني، في زيارته التفقدية الأخيرة لإحدى ورشات البناء بالولاية، تلفها في تقديرنا ملابساتٌ غامضة قد تحجب حقيقة ما جرى، إذ ظهر الرجل متوترا ومنزعجا جدا من وتيرة الإنجاز والمتابعة من طرف مرؤوسيه، ولذلك جاءت تصرفاته منفعلة في الميدان، بدءا بالمهندس الذي خُيّل إليه أنه يرتدي بدلة عسكريّة، ثم مع السيّدة التي ترجّته حاجتها للسكن فنهرها أمام الملأ.

طريقة الدعاية التي استهدفت الوالي سريعا على شبكات التواصل الاجتماعي ثم ظهور فيديوهات مضادّة تدافع عنه، توحي أن الواقعة قد تعكس صراع مصالح ولوبيّات دخلت على الخط لتأجيج الوضع والاصطياد في المياه العكرة.

وبالتنبيه إلى ضرورة توخّي التأنّي في مثل هذه المواقف الملتبسة، فإنّنا لا ندافع عن الوالي، بل نحذر من الوقوع في معارك الوكالة لصالح جماعات الضغط المحلي، ومع ذلك ندين بشدّة طريقة تعامل سعيدوني مع المعنيين مهما كانت الظروف التي وجد فيها نفسه، فهو مسؤول في خدمة المواطنين، وبهذه الصفة السامية يمثل الدولة في الإقليم الجغرافي المحلّي.

إنّ تسبيق التحذير من الخطأ في حق الوالي إلى أن تتبيّن الأمور، لا يمنع من تعرية الواقع المأساوي في علاقات مسؤولي الدولة بالمواطنين ومشاكلهم في مختلف المستويات والقطاعات إلا من رحم ربّك، وقد اختزل شريط مناطق الظل المنكوبة، المعروض مؤخرا خلال لقاء الحكومة بولاتها، توصيف المرارة المحجوبة عبثا عن الإعلام والرأي العام في عصر “القرية الصغيرة” والتكنولوجيا الرقمية.

إنّ الوالي، وعلى غرار مسؤولي الإدارات التنفيذية القطاعيّة، تتخطّفه جماعات المال والأعمال بمجرد أن تطأ قدماه تراب المدينة، إذ تقرّبه إليها زلفى، حتى إذا وقع في حبالها أحكمت عليه الغلق، ثم جعلت منه خادما لها من دون الشعب، يأتمر بأمرها وينتهي بقولها، والويل له إن أنكر عليها فعلا أو ردّ لها طلبًا.

خطأ الكثير من هؤلاء المسؤولين أنهم خالطوا الفاسدين، حتّى وضعوا أنفسهم تحت تصرفهم، فصاروا رهن إشارتهم، بعدما أغدقوا عليهم بالمزايا والهدايا والرشاوى، ومن حاول التعفف أو أبدى الامتناع تحركت ضدّه شبكات المصالح، عن طريق المجتمع المدني المزيف والمستفيد، ونوائب الشعب، إذ يسعى كل منهم لدى الجهات الوصية للتخلص منه، ويجدون في الإعلام المتواطئ أحيانا منبرًا لتمرير الوشاية الكاذبة، بواسطة التقارير المغلوطة حتى تتم الإطاحة بالمسؤول المنبوذ وليس بالضرورة الفاشل.

ما تبثّه القنوات الخاصة ومواقع التواصل الاجتماعي من حالات اجتماعية تتفطر لها القلوب أسى وحسرة في جزائر الاستقلال، ما هو سوى نتيجة طبيعية للحجر الإداري الذي يعانيه المسؤول المحلي، عندما تحيط به بطانة السوء والفساد، فيصبح أسيرًا عندها لا يبرح مجالسها وزخرفها وملاهيها.

عندما يغرق الوالي أو المسؤول التنفيذي في مغريات الحاشية، من المال إلى تدليك الحمَّام، مرورا بكل ما تشتهيه الأنفس من مأكول ومشروب ومركوب، لن يكون في مقدوره معاينة أحوال الرعيّة ومعاناة الساكنة وتخلّف المناطق النائية، فهو لا يراها ولا يسمع عنها شيئا، وحدود إدراكه لخفايا المدينة لا تتجاوز الصالونات والمرافق العامّة في أحسن الأحوال، خاصّة إن كان من هواة الأضواء والأرائك الأثيرة.

لا ينكر أحدٌ أنّ الدولة قد خصصت آلاف الملايير في سياستها العمومية للتنمية المحليّة وتعمير المناطق المعزولة وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية لسكانها، لكن الواقع لا يترجم أبدا حجم الإنفاق العام الطائل، وما تزال الصورة بائسة في كثير من جهات القطر، والسبب هو أنّ المال العام ذهب هدرًا بين أرباب الفساد الوطني والمحلّي، عوض أن ينتفع منه المواطن في ترقية الحياة والرفاهيّة.

لو تُفتح ملفات الفساد المحلّي في كل ولاية وبلدية فلن تسع سجون العالم المتورطين فيها من مختلف الأطراف، وذلك من مؤشرات التواطؤ بين المسؤولين والمقاولين والممونين على حساب المواطن المقهور والمقبور في مناطق الظلّ، ولن يتحرر هؤلاء من ربقة الفاسدين، إلا بخروجهم من دوائر اللوبيّات وجماعات الضغط، قبل أن تفترسهم الأنياب القاتلة، إلى رحاب الولاية وأهلها، للتعرّف على مشاكلها اليومية وحاجياتها الملحّة، لأداء الأمانة الثقيلة وتخليد اسمهم في سجل رجالات الدولة النزيهين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • محمد

    ما لا يجب السكوت عنه هو طغيان حكامنا مهما كانت دائرتهم.كل من يرتقي إلى وظيفة يسخرها لفرض رأيه بأية وسيلة ولو كانت خارج الآداب مما يؤدي به إلى الطغيان.وقد توسعت هذه الظاهرة بتواجد وسائل الإعلام التي يبحث أصحابها على استفزاز الملإ لاكتساب مجال أوسع فيستغلها الباحثون عن الظهور لإظهار فعاليتهم.تلك هي النتائج العاكسة للديماغوجية.من ميزات الدول الحضارية الحفاظ على نوع من البيرقراطية الكفيلة بتطبيق القانون للوصول إلى الموضوعية البعيدة عن شخصنة القرارات.لذلك يجب تقليص خرجات المسؤولين الشعبوية وتوظيف المفتشين لمتابعة الخدمات التابعة للإدارة واتخاذ القرارات الموضوعية من خلال الملفات الجامعة لكل الوثائق

  • أعمر الشاوي

    الجمهورية الجديدة التي كرستها الإنتخابات التي فرضتها قيادة الأركان على الشعب . من الواضح أن هذا الوالي وراؤه قيادة من الجنرالات حتى رئيس الجمهورية لم يستطع معاقبته لأنه لو كان والي بسيط مات كان ليقوم بهذا التصرف الجبان . نتائج الإنتخابات بلدالت تظهر جليا.