-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الوطنية الفطرية والوطنية المناسباتية

جمال غول
  • 282
  • 0
الوطنية الفطرية والوطنية المناسباتية
ح.م

تنظم مديريات الشؤون الدينية والأوقاف في إطار التكوين ندوات ولائية يأتيها الأئمة مكرهين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، هذه الندوات التي يجد فيها الأئمة كل شيء إلا التكوين !

يجدون فيها، حال حضور المسؤولين، البروتوكولات التي تركِّز على الشكليات وتقتل الوقت قتلا ثم تعطي المنصة للمسؤولين الذين لا يُحسن أغلبُهم نطق الكلمات نطقا صحيحا فضلا على تركيب الجمل والعبارات، ولا يجد الحاضرون إلا الحوقلة والتسبيح حتى لا يصابوا بالاكتئاب أو الغثيان على أحسن حال .

يعرض فيها أولئك المسؤولون عضلاتهم غير المفتولة ونشاطهم الذي تغلب عليه البهرجة والضوضاء أكثر من الفعل الحقيقي المفيد وهم بذلك يُجسّدون المقولة: “المندبة كبيرة والميت فار.”

يجدون فيها التعليمات التنظيمية المكررة والموزعة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي دون مراعاة لأدنى خصوصية من خصوصيات الإمامة، ويا ليت الوزارة تمتلك الآليات الكفيلة بمتابعة تطبيق تلك التعليمات التي غالبا ما تُطبَّق بشكل أعرج من ولاية إلى أخرى وأحيانا في الولاية الواحدة.

يجدون فيها التوجيهات لتناول موضوعات خاصة ما تعلق منها بالمناسبات الوطنية كثيرا ما يكون الأئمة قد تناولوها قناعة قبل وصول التوجيهات .

كل ذلك على حساب ندوات يُفترض فيها أن تكون فضاءً للنقاش العلمي الحقيقي الذي يتنافس فيه الأئمة على بحث المسائل بحثا علميا بعيدا عن أي توجيه يخلّ بضوابط البحث العلمي،فيكون هذا الفضاء فرصة لتلاقح الأفكار والتدريب على المناقشات وسماع الرأي المخالف والرد عليه دون أن يُفسد ذلك للود قضية .

ندوات يفترض فيها أن تخصص لمناقشة الواقع المعيش من خلال عرض التجارب الناجحة للأئمة في التعليم القرآني وتحصين الشباب ومعالجة الآفات والأمراض القلبية والنفسية الروحية وغيرها ليستفيد منها الحاضرون اختصارا للوقت والجهد والمال.

وفي هذه للأيام تعرف عدة ولايات نزولا مكثفا لإطارات من وزارة الشؤون الدينية لتقديم المحاضرات في التاريخ والمواطنة والوطنية !

وعندما تكون تلك المحاضرات موجهة بالأساس لحراس المحاريب وفرسان المنابر الذين تشربّوا الوطنية من قرآنهم الذي يحفظونه في صدورهم قبل بلوغهم سن التمييز ومن سيرة نبيّهم عليه الصلاة والسلام التي درسوها عن شيوخهم ويدرسونها قبل توظيفهم، فيكون حال أولئك المحاضرين كحال من يبيع ماء زمزم لأهل مكة !

لماذا هذا النزول في هذا الوقت بالذات؟ أليس ذلك محرجا للطرفين؟

ولماذا التركيز على الأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية في أوقات دون أخرى؟ أم أنهم أئمة في زمن دون آخر؟

هل الأئمة بحاجة إلى دروس في التاريخ والوطنية؟ أم هم ناقصو وطنية؟

هل هي أساليب العهد القديم التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم؟ ألا يزال العمل بها ساريا؟ أم أن هناك من يريد أن يكون ملكيا أكثر من الملك؟

هل لأساليب قديمة لم تنجح زمن الإعلام المغلق أن تنجح في زمن الإعلام المفتوح ولو نسبيا؟ أم أن البعض يُفضّل أن “يزيد عليها” كما يقال؟

وهل إذا تيقنا بعدم التغيير قبل تاريخ 22 فيفري، هل سيُفنّد هذا اليقين بعد تاريخ 12 ديسمبر ويكون التغيير المنشود؟

إنه ما لم تُصبح ندوات التكوين للتكوين، وفضاءات البحث العلمي للبحث العلمي، وما لم تكن العضوية في للمجالس العلمية للكفاءة العلمية والمحاضرات للمحاضرين العالمين العاملين فلن يكون لنزول الإطارات تأثيرٌ يُذكر وإن وُجد فسيكون ضعيفا باهتا إن لم يكن له تأثير عكسي ولو كان نزولا صاعقيا .

وما لم تتحوَّل الندوات والملتقيات من مجرد مفرغات للتعليمات وحلبات لعرض العضلات وزردات للبطون والشطحات، فلن يكون الإقبال عليها عن قناعات ولا لتأثيرها تأثير غيث المزن والسماوات .

وما لم يتحول الإمام في نظر بعض المسؤولين اللامسؤولين من مجرد رجل مطافئ في المناسبات والطوارئ -يستعمل حسب هواهم وما يرونه هم دون غيرهم- إلى رجل دولة قائد -غير مقاد- يقود مشروع الإصلاح الواضح المعالم الذي بدأه ابن باديس العالم (رحمه الله) ولا ينقصه اليوم إلا الربط بين تلك المعالم الواضحة، فلن يكون للإمام في المجتمع مردودٌ عامر ولا حصاد وافر يُستغنى به عن المنجل.

وما لم يتحول خطاب الإمام عن الوطنية والمواطنة من مجرد كلام يلوكه لسانه تزلفا لوزير أو والٍ أو مدير أو التزاما بالتعليمات وتُقيةً تَقيه حر المساءلة ونار العقوبات إلى خطاب يتلفظه قلبه قبل لسانه ورقيبه ضميره قبل مديره وباعثه إيمانه وحبه لوطنه وخوفه عليه، فلن يجد الآذانَ الصاغية في المساجد والمصليات وإن أقسم بأغلظ الأيمان والقسمات .

فاتركوا الإمام يمارس وطنيته الفطرية بعيدا عن التعليمات والتزلف والمناسباتية، فليس أجمل ولا أقوى من وطنية فطرية تُنتج مواطنة دائمة غير مناسباتية صاف معدنُها واضح ولاؤها مستقيمٌ خطها ثابتٌ نضالها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!