اليمين زروال ورئاسيات 2014
تطرح، هذه الأيام، مسألة عودة السيد اليمين زروال إلى الحكم، في انتخابات 2014، على أساس أنه لا يوجد أي رجل يمكنه أن يحقق التوافق بين التيارات المختلفة في الجزائر غيره، حسب تصريح للعقيد المتقاعد والخبير في الشؤون الإستراتيجية السيد محمد شفيق لجريدة سويسرية.
هذا الطرح يذكرني بسؤال طرح علي من طرف قناة تلفزيونية منذ حوالي سنة، عندما أشيع بأن الرئيس السابق حل بالعاصمة حيث استقبل من طرف جنرال نافذ في جهاز الأمن قام باصطحابه إلى رئاسة الجمهورية التي بقي بها بضع ساعات قبل أن يغادرها عائدا إلى مقر سكنه بباتنة، سؤال القناة التلفزيونية كان حول إمكانية عودة زروال إلى الحكم ثانية، وكان جوابي هو أنه لفهم عقلية اليمين زروال يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أصل الرجل فهو (شاوي) أي أمازيغي، وبالتالي فهو يختلف بطريقة تفكيره ومواقفه عن كل الحكام العرب الذين لم يسبق لأحد منهم أن استقال حتى عندما يوصل بلده إلى الهاوية. لما ندرك عقلية زروال سندرك ببساطة بأن الرجل لن يعود إلى الحكم سوى في حالة واحدة وهي عندما تكون الجزائر في خطر وتحتاج إليه هو بالذات لإنقاذها؛ ولأن الجزائر اليوم ليست في الوضع الذي أشرت إليه وبالتالي فالسيد اليمين زروال لن يعود إلى رئاسة الجمهورية.
هكذا قلت للقناة التلفزيونية قبل حوالي سنة. اليوم، نلاحظ بأن الجزائر معرضة لأخطار كثيرة سواء على حدودها الملتهبة كلها أو في الداخل حيث الوضع الاجتماعي في حالة غليان دائم، لكن هذا الوضع، في نظري لا يبرر أبدا الاستنجاد بالرئيس السابق لإنقاذ الوطن من الغرق.
صحيح أن اليمين زروال يحظى باحترام كبير لدى شريحة واسعة من المواطنين الجزائريين، كما أنه عرف، أثناء توليه شؤون الحكم، بالانضباط في حياته الخاصة وبالتحكم في أفراد عائلته فلم يقرب أو يعين أي واحد منهم في أي منصب ولا مد يده للمال العام. زروال معروف، منذ كان في الجيش، بنظافة اليد وبالنزاهة وبالاحترام الذي يوليه للذين يعملون معه، مهما كانت رتبهم. هو نموذج للقائد المخلص لوطنه ولمهنته والذي لا يساوم في ما تعلق بالمبادئ وبالرجولة والنيف. باختصار: هو يمثل “الرجلة الجزائرية” في كل تجلياتها.
لقد أدى الرجل ما عليه تجاه البلد في أصعب الظروف وأقساها وسعى بكل ما استطاع لإعادة الأمن والاستقرار للجزائر، فهو صاحب الحوار وهو من أسس للاستقرار، ولما غادر الحكم كان كل المدركين لحقيقة الوضع الأمني يقولون أن الإرهاب أصبح وراءنا.
هذا هو زروال، لكن كل هذا لا يبرر، في نظري، العودة إلى التاريخ للبحث عن رئيس للجزائر. مع بداية ما سمي بالربيع العربي قلت، في ندوة شاركت فيها بمركز الشعب للدراسات الإستراتيجية، أن الجزائر لا تحتاج إلى زعيم لأن زمن الزعماء قد ولى وأن الوقت هو وقت المسيرين. الجزائر تحتاج اليوم لرئيس جامعي كفء له خبرة واسعة في التسيير: تسيير الرجال أولا وتسيير المال العام ثانيا. رجل نظيف ونزيه لا يخشى أي أحد أو أية جهة، ويسعى لإقامة دولة القانون التي لا يظلم فيها الناس ولا تؤكل حقوقهم بالباطل ولا يعتدي فيها قوي على ضعيف أو يمد فيها المسؤول يده للمال العام. هذا كل ما يريده الشعب الجزائري اليوم، لأن في هذه الدولة يتحقق العدل في توزيع الثروة وفي تولية الأكثر كفاءة ونشاطا المناصب الحكومية. قد يرى البعض في مثل هذا الكلام نوعا من الطوباوية وأنه غير ممكن التحقيق وأن الفساد قد عم ولا أحد باستطاعته إنقاذ البلد مما هي فيه. إنه اليأس في كل تجلياته. هناك شعوب مرت بنفس الوضعية التي تعرفها الجزائر اليوم وعانت من نفس مظاهر الفساد لكنها تمكنت من الخروج من عنق الزجاجة بفضل رجال أوفياء وصادقين ولا يولون أهمية للمادة بل كل سعادتهم كانت في خدمة شعوبهم.
إن الفترة جد حساسة وأي خطأ أو سوء تقدير قد يعصف بالبلد أو يعرضه لأخطار كبيرة، لذلك فإن أفضل ما يمكن أن يقدمه كل من له سلطة في “صناعة الرؤساء” هو أن يجعل من 2014 سنة انتقال السلطة، بصفة حرة وديمقراطية، من جيل الثورة إلى جيل ما بعد الثورة وأن يسهر الجميع على أن يتم ذلك بكل نزاهة وشفافية.
من أجل الجزائر، يجب أن تكون انتخابات 2014 أول انتخابات حرة ونزيهة لأن العودة إلى الدرج معناه حرمان جيلين متتاليين من حقهما في تسيير أمور البلد. لقد تولى جيل الثورة، باسم الشرعية الثورية، تسيير الجزائر لمدة نصف قرن فأفقدها، خاصة منذ 1980، الكثير من ثرواتها وتوازنها وتماسكها ورهن حاضرها ومستقبلها وبالتالي على من تبقى من هذا الجيل أن يدرك بأن نصف قرن من الزمن هي فترة جد طويلة خاصة وأن الزمن، في وقتنا هذا، أصبحت له قيمة إستراتيجية، وأن الشعوب السعيدة هي تلك التي أدركت قيمة الزمن فسارعت للاستفادة من كل دقيقة تمر في البناء والبحث والتعلم.
العودة إلى رجال سابقين، مهما كانت قيمتهم، هو إنقاص من قيمة كل أبناء الجزائر من الجيل الذي ولد مع بداية الأربعينيات وعاش طفولته مع انطلاق الثورة التحريرية والجيل الذي تلاه والذي ولد مع السنوات الأولى لاستعادة السيادة الوطنية والذي بلغ الخمسين من العمر دون أن يحلم يوما بتولي أمور البلد.