-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انتصارات الإسلام لماذا؟ وكيف؟

التهامي مجوري
  • 3189
  • 3
انتصارات الإسلام لماذا؟ وكيف؟

يذكر كتَّاب السيرة والتاريخ الإسلامي، أن شهر رمضان، هو شهر انتصارات الإسلام والمسلمين، ويذكرون كشواهد على ذلك، المعارك التي خاضها المسلمون في تاريخهم وانتصروا فيها، ابتداء من غزوة بدر الكبرى التي وقعت في رمضان، وانتهاء بحرب 1973 التي خاضها العرب مجتمعون ضد الكيان الصهيوني، وكل متكلم عن هذه الانتصارات، يذكر المعارك التي خاضتها الأمة ضد أعدائها، إلى اليوم الذي هو فيه.

بدا لي من خلال قراءاتي في هذا الموضوع، في أكثر من مناسبة، وعند أكثر من كاتب، أن ما حققه المسلمون من انتصارات في تاريخهم الطويل، لم يكن إلا انتصارات عسكرية، أما ما عدا ذلك فلا يذكر إلا عرضا، وكأن الدنيا كلها عبارة عن “ثكنة كبيرة”، لا يعد منتصرا فيها، إلا من دخلها بمنطق الثكنة، ومارس مبادئها ومناهجها في الحياة العسكرية القتالية، وأكاد أجزم هنا، أن ظاهرة الاستبداد، التي صحبت حركة المجتمع الإسلامي، منذ القضاء على الخلافة الراشدة، عبارة عن نتيجة لهذا المنحى في التفكير، وأن دعوى انتصار الإسلام بالسيف، التي هي من طروحات المستشرقين، ليست من صنع غيرنا، وإنما هي نتاج لهذا المنطق، وتسويقا لها بطريقة غير مباشرة، وإلا ما معنى ألاّ يدوّن ويسوّق من السيرة إلا جملة المغازي ووقائع الفتوحات، رغم أن السيرة النبوية هي كل حياة النبي صلى الله عليه وسلم، أي 23 سنة من الوقائع والأقوال والأفعال، من البعثة إلى الوفاة؛ لأن هذه الحياة هي قصة الإسلام الكاملة، بانتصاراتها وإخفاقاتها، وهي المعبر الحقيقي عن الإنسان المسلم، بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وطريقة تفاعله مع الطبيعة والواقع البشري. وهذا التفاعل الذي دام 23 سنة، كم حجم المعارك فيه؟ وكم حجم الانتصارات العسكرية؟ وماذا تمثل تلك الانتصارات، بالنسبة لانتصارات الإسلام والمسلمين عموما، وفي جميع المجالات؟

لا شك أن كل ما يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم، بما في ذلك العلاقة التي بينها، وبين القرآن الكريم، الذي نزل في فترات متقطعة ومتنوعة، ولكن الذي ينقص ترتيب كل ذلك، الحديث وفق وروده، متى؟ وأين؟ ومع من؟ وهل كان له مناسبة؟ ثم الجمع بينه وبين والقرآن وفق ترتيب النزول وورود الحديث، تلك هي السيرة الكاملة  .  

أظن أن قراءتنا لتاريخنا بهذا المنطق، سوف تهز الكثير من الثوابت المزعجة، في ثقافتنا الإسلامية، ذلك أن انتصارات الإسلام، لم تكن عسكرية وحسب؛ بل لا تمثل فيها الانتصارات العسكرية، إلا نسبة ضئيلة جدا، لا تتجاوز الـ10 بالمائة، وهذه العشرة بالمائة، ليست على مستوى واحد. فلو افترضنا أن كل غزوة خاضها المسلمون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وتعدادها 28 غزوة، دامت شهرا مثلا، يكون الناتج، 23 سنة مقسمة على 28 شهرا، وحصيلتها حوالي غزوتين كل سنة تقريبا. ثم إن هذه الغزوات لم ينتصر فيها المسلمون كلها، وإنما منها غزوات هزم فيها المسلمون، لخلل ما وقع للمسلمين، مثل غزوتي احد وحنين، والتي انتصروا فيها لم تحسم كلها عسكريا، وإنما كان بعضها سلما، مثل فتح مكة، رغم أن استعداد جيش المسلمين كان لخوض حرب، ومع ذلك اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن تفتح مكة سلما، وذلك ما وقع، فقد فتحت مكة برحمة من الله وحلم من الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي أنزل الناس منازلهم الاجتماعية التي كانوا عليها في الجاهلية رحمة بهم ورأفة، وذلك انتصارا لقيم الاسلام وفضائل البشر، وليس استسلاما وخضوعا ومداهنة لأهل الشرك من أعداء الإسلام.

والانتصار لقيم الإسلام على نهج النبي صلى الله عليه وسلم، يكشف لنا على أن الانتصارات الحقيقية التي يحققها المسلم هي الانتصارات التي تعيد قضايا الحق والعدل والحرية والخير إلى نصابها، سواء في إطار الفرد أو الجماعة، وفي إطار الأسرة أو المجتمع، وفي إطار الدولة أو الإنسانية، تلك هي انتصارات الإسلام كما فهمتها من قيم الإسلام نفسه، ويمكن إيجازها فيما يلي

 

رسالة التوحيد

أول انتصار للإسلام والمسلمين، يكمن في تحمل هذه الرسالة العظيمة، التي كانت تتجاذبها ثلاث ثقافات رئيسية تبنتها البشرية يومها، وهي الثقافة اليهودية، والثقافة النصرانية، والثقافات الوثنية المتنوعة، من عبدة النار والحجر والكواكب والبشر.

وهذه الثقافات في مجملها، قد جسدت طبيعة دينية في حياة الناس غير سوية، بحيث استبعدت الله وشرائعه من الموضوع، فأصبح الناس يعبدون الله وفق مناهج وضعوها هم لأنفسهم وفق أهوائهم، فمنهم المتشدد ومهنهم المائع والمنحل ومنهم المقلد الخاضع لقوى الناس والطبيعة.

ورسالة التوحيد كما جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، جاءت لتحرر الإنسان من كل تلك الضغوط الفاسدة، بحيث يتحول الخضوع من خضوع لأشخاص وأشياء وأهواء، إلى خضوع لله سبحانه وتعالى، وهذه أول قفزة يمكن أن تحسب انتصارا للإنسانية وليس انتصارا للإسلام وحسب، انتصارا متوجا بشعار لم يكن من قبل هو (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، لقد رفعت الوصاية عن الناس، ولم يحفظ رفعها إلا التوحيد وقيمه

 

ثقافة المسلمين

الانتصار الثاني هو الثقافة التي شقت طريقها في حياة الناس، وهي أن عقيدة التوحيد، قررت أن تعتمد بمنهجها “الخير والأبقى” في الحياة، سواء كان هذا الخير والأبقى من سنِّ رسالة التوحيد أو من الثقافات الأخرى التي وجدها الإسلام وأقرها باعتبارها من الخير والأبقى، الذي ينبغي أن يدوم ويعمم الكرة الأرضية، مع رسالة التوحيد، ولا يبقى عند أصحابه لا ينتفع به غيرهم، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق“.

 

الشهادة والدعوة والبلاغ

في العادة أن الاصطفاء الإلهي للناس، يكون لمن يكلف بمهمة –الشهادة والدعوة والبلاغ-، أي أن يختار الشخص أو المجموعة للقيام بهذه المهام، مثلما كان واقع بني إسرائيل، الذين فضلهم الله على كثير من العالمين، فأخلوا وخانوا وخدعوا، أما في رسالة الإسلام فإن الاختيار لم يقف عند من يتوفر فيه الشرط فحسب، وإنما لمن يتوفر فيه، ومن يستمر على القيام به، لتحقيق مقاصده.

فبالنسبة للشهادة، جعل الله هذه الأمة معصومة بمجموعها لا تجتمع على ضلال ولا على فساد ولا على معصية، فيها الضالين والفاسدين والعصاة، ولكنها لا تجتمع على ذلك، حيث يبقى دائما سوادها هو الأصل، لأنها الشاهدة على الناس، مثلما كان الرسول شهيدا عليه، لما تحمل من معاني العدل والسماحة وضمان الحريات وسائر الفضائل الإنسانية السامية (وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)، والوسطية هنا ليست شيئا بين أمرين كما يبدو، وإنما هي قيمة ثقافية وأخلاقية تعني الأفضل والأحس، ولذلك كانت قيمة الدعوة إلى الخير؛ والخير لا حد له اتساعا وطولا وعرضا وعمقا وكمّا وعددا…إلخ، فما من وضع وحال وقضية وفكرة وقول وفعل، إلا ويوجد ما هو خير منه، والخير والأفضل هو المطلوب دائما (ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون). أما البلاغ فهو من لوازم عالمية وكونية رسالة الإسلام، وهذا اكبر انتصار للإسلام، حيث أنه يتجدد بتجدد حاجات الناس وطموحاتهم وميولاتهم، وذلك بفضل البلاغ، الذي يعد من أهم ما يقوم به المسلمون؛ لأنه متعلق ببقاء الإسلام والاستجابة لحاجات الناس. وهذه القضية لم تتوقف لحظة منذ 15 قرنا، ومهما كانت أوضاع المسلمين ومستوياتهم ومكانتهم في هذه الحياة.. فقد أصيب المسلمون بكل أدوات الفقر والجهل والانحراف، ومع ذلك بقيت الشهادة والدعوة والبلاغ، قائمة يسري مفعولها في البشرية. لقد مر على المسلمين ردحا من الزمن كانت بلادهم كلها مستعمرة ومع ذلك كانت دعوة الإسلام تسري في بلاد الغرب التي استعمرتها؛ بل وتستشري في أوساط نخبه وعلمائه.

   

المنهجية العلمية

الانتصار الرابع للإسلام والمسلمين، هو الإضافة التي جاء بها في مجال التفكير المنهجي. يقول المفكر الخليجي الدكتور جاسم سلطان، “كانت البشرية في منهجيتها الفكرية تجيب عن السؤال كيف؟ وبعد قرون أضاف الإغريق البحث في الإجابة عن لماذا؟” وهنا توقفت الفلسفة عن الإجابة عن تساؤلات الإنسان عند كيف ولماذا؟، ولم تتجاوز هذه الثنائية، إلا بمجيء الإسلام بإضافته المنهجية الراقية، وهي أن الإجابة عن سؤال كيف ولماذا؟ غير كافية؛ لأن الجواب يفرض سؤالا آخرا، وهو لماذا كيف –كانت بهذه الكيفية-؟ ولماذا لماذا –كان هذا التعليل-؟ أي أن الجواب ينبغي أن يكون مبنيا على معيارا للتحليل والتعليل، ومستندا إلى شواهد وأدلة.

فجاء الإسلام بالإضافة في هذا المجال، وسنّ الدليل والبرهان (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقية)، و(لا تقفوا ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا). فأصبحت منهجية تجيب عن كيف ولماذا بناء على برهان وشواهد وأدلة، وبعد سقوط حضارة الإسلام وقعت ردة في هذا المجال، فاقتصرت حضارة الغرب التي تحكم العالم اليوم، على الإجابة عن كيف بالشواهد أما لماذا فبقي الأمر بشأنها معلقا، والأصوات المنادية في الغرب بأخلقة العلوم والنظم، صدى لتلك الحاجة التي كانت عند المسلمين واختفت اليوم

 

الانتصارات التكنولوجية

أما في الجانب التكنولوجي، فشأنها شأن كل حضارة وارثة، فقد كانت للمسلمين إضافات، حققوا بها قفزات نوعية، في جميع المجالات، في الكيمياء والطب والفلك وعلم الرياضيات والطيران…إلخ، وقد عمت تلك الإضافات العالم، بمضامينها وأسماء أصحابها، كبصريات ابن الهيثم وكيمياء جابر ابن حيان وطيران العباس بن فرناس.

ويرى الباحثون من أهل الاختصاص في تاريخ العلوم، أن تكنولوجيا عالمنا اليوم هي نتاج تلك القواعد التكنولوجية ألتي أضافها المسلمون، بل إن سرعة وتيرتها بفضل ذلك النوع المضاف العلوم التكنولوجية.

ولكن ما يلاحظ على الإضافات الإسلامية أنها لم تتجاوز الإضافات التي تنفع الإنسان، أي أن التطور العلمي، لم يكن مطلقا على عواهنه، وبمعزل عن الأخلاق وأبعادها، ولذلك كانت الإضافات تبدو وكأنها بطيئة؛ لأن التطور الإجتماعي أبطأ من التطور التكنولوجي، وليكون العلم خادما للإنسان، ينبغي أن تكون اجتهادات العلم على جبهتين، الجبهة الإجتماعية وتطويرها، وفق العلوم الإنسانية، وتطوير العلوم التكنولوجية، وفق حاجة الإنسان –المتخلف والمتطور في نفس الوقت-، على عكس التطور العلمي الحديث، الذي تجاوز الإنسان وحاجاته، بحيث أضحى يتطور وفق حاجة العلم، وليس وفق حاجة الإنسان، حتى غدا العلم اليوم خطرا على الإنسان.       

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • بدون اسم

    و علم البرمجيات أساسه علم الخوارزميات التي هي مشتقة من اسم العالم الرياضي المسلم "الخوارزمي"...و اليوم هناك مسلم جزائري من مدينة المغير -الدكتور بلقاسم حبة- لديه ما يفوق عن 657 براءة اختراع في مجال الحوسبة والإنترنت في أمريكا خلال 2012.

  • حمورابي بوسعادة

    وجاءت بريطانيا العظمى وطليعتها الإنجليز - سيدة البحار كما يزعم سياسيوها - وفي نفس السنة بأسطول كبير إلى الجزائر، وفتحوا أفواه 300 مدفع ألقت ما فيها من 34,000 قذيفة، وارتدوا يجرون أذيال الخيبة ...ولم ينتهوا وأعادوا الكرة في عام 1824 فلم يغنموا الا مرارة الهزيمة والخيبة . أنظروا يا عباد الله الي هذا الصمود والمواقف المشرفة التي يؤيد أن لكل أمة تاريخها، ولكل منها صفحات عن هذا التاريخ منسية ،يمكنها أن تلجأ إليها كلما داهمتها المدلهمات ، أو أرادت أن تنبعث من جديد وتضع نفسها في السكة الصحيحة "..

  • حمورابي بوسعادة

    من تاريخ الجزائر ما يستهان به
    " أروع ما كتب في تاريخ الجزائر أن هذا الشعب عاش حقبة زمنية طويلة من التاريخ جعل الجزائر سيدة البحار بدون منازع ، حاول فيه الهولنديون والبنادقة وفرسان مالطا والجنويون والنابوليون أن يقهروا الأسطول الجزائري، ولكنهم باءوا بالفشل وعجزوا وارتدوا خائبين... لما أرسلت فرنسا أسطولا ضخما يتكون من 60 سفينة حربية تحمل علي متنها 7000 جندي عام 1661 فكان مآله الفشل الذريع !. وأقحمت الولايات المتحدة نفسها في هكذا صراع عام 1815 فلم تكن هذه الدولة القوية أحسن حظا من غيرها. يتبع