-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انهيار قيم الانتماء في خيوط الشبكة العنكبوتية

انهيار قيم الانتماء في خيوط الشبكة العنكبوتية

كيف تتحوّل الهواجس إلى طاقة تتيح للإنسان الشعور بأنه ليس عبئا على أنظمته أو مستهدفا من قِبلها؟

 جيل مثالي رحل، تآكل، قبرت حركة الحضارة الجديدة إرثه، وجعلت من مثواه الأخير شاهدا لأثر قديم، يعتني به المؤرخون الذين يجدون فيه اكتشافا تاريخيا يستحق البحث والتنقيب، تتناقل خصائصه الأجيال الآتية إنسانا كان يحيا بــ:

• توازن الروح والموضوع.

• الذات والعقل.

• المادي والمحسوس.

• يتحرك، يفكر، ينتج، يتصارع ويتعالى بقيمتي التضحية والإيثار..

العصر الذي ودعناه بالأمس عصر المبادئ والمؤسسة والأمة، ببلوغ عصر “إمبراطورية العولمة” السائر بخطى النمط الاستهلاكي الموحد للأجناس البشرية الخاضعة لهيمنة القطب الواحد.. يرتفع فوق أنقاضه إنسان الشبكة العنكبوتية مجردا من المبادئ.

إن الحقيقة تكمن في وجود مشروع أمريكي للهيمنة، دخل فعلا مراحل طور البناء تدعمه الصهيونية العالمية ووفرت له أدواته الخبيثة، القادرة على التلاعب بعقولنا بخطابٍ ديني طائفي، ويدعو إلى استنزاف العالم العربي وتفتيه..

إنه البحث عن موقع الإنسان المعاصر في ظل المتغيرات الدولية وانبعاث الفكر العولمي الحديث، الذي أحدث انقلابا جذريا على مستوى الحياة البشرية في كوكب الأرض قاطبة، متخلية عن شروطها الأخلاقية الإنسانية ومتجردة عن المبادئ لصالح ثقافة الاستهلاك التي أضحت عنوان الوجود الإنساني الراهن.

مجالات بقاء الإنسان

الجسم السياسي آخذ بالانهيار، فتنهار معه أركان أمة لا يُبقي مجالا للإنسان للتعبير عن قيم الانتماء للأرض والذات وتطبيق القوانين، فهذه المفردات بدأت تتراجع أمام تطورات المجتمع الحديث، طالما امتدت شبكة الاتصالات فتعرض علاقة الإنسان بجسمه السياسي للمزاحمة من قبل كم هائل من الاتصالات المنتشرة خارج هذا الجسم، بشكل تبدو معه الأفكار والسياسة والقيم بعيدة كل البعد عن أي مبدأ منظم لحياة المجتمع.. الذي يحتاج الآن إلى أدوات جديدة في التحكم بمسيرة الحياة.

نحن في طريقنا لبلوغ هذه العصر الجديد.. لكننا لم نملك أيَّ رؤية حضارية تعبِّر عن خصائصنا نتمكن من خلالها إشغال ذلك العصر الذي لا يمنحنا صفة الامتياز في خارطة الإنسانية الحديثة.. الإنسان أشبه بتلك الآلة التي اعتادت التسارع في حركتها من دون توقف لا وقت لها للتفكير أو التأمل.. أضحت مدججة بآلات الاتصال الفضائية التي تختصر في جهازها العالم.. فمن لا يحمل هاتفا محمولا الآن؟!

لم يعد السؤال الراهن.. “من أنت”؟!

الإجابة لم تعد تعني الآخر…

السؤال الراهن الذي يتكرر كل يوم هو “مع من تتحدث؟!”

أو”عَم تتحدث أنت؟!”

ذلك هو السؤال المعاصر المتداول في ظل حركة البشر الهائلة، التي نصاب في زحمتها بصداع لا يرحم.. لم تعد تشغلنا السياسة أو أفكارها، والديمقراطية حلم تجاوزناه قبل أن نبلغه، نشكو من قسوة الطغيان بل انقطاع، لكننا العاجزين الآن في مجابهة طغيان الآلة.. التي شكلت الإنسانية في قالب مغاير لم يخطر على بال أحد.

أين تكمن المعضلة؟

المعضلة التي غفلنا عن التصدي لها.. ونحن نسعى لبناء عصري هي الاستلاب الفعلي لحقوق الإنسان في العالم العربي.. استلاب استمر منذ حقب استعمارية متوارثة، جردت الإنسانية من خصائصها الذاتية، فما عاد لنا ميزان ثابت للحق الإنساني أو تقليد اجتماعي لممارسته، فلا يمكن للإنسان الحديث أن ينهض في عملية البناء وهو مسلوب الإرادة وبطاقةٍ هامشية معطلة.

إن روح العصر بقدر تأسيسها الجذري على قاعدة المعرفة والعلم تتشكل اليوم من نزوع متحرر يُخرج المرء من عزلته ويتيح له تحويل هذا الهاجس المحصور في صدره إلى طاقة إبداع قوة لجوجة ينبغي أن تأخذ مداها في جميع القنوات والصيغ التي تتيح للإنسان أن يشعر أنه لم يعد عبئا على أنظمته المتهالكة أو مستهدَفا من قِبلها.. وأنه ليس طارئا.. إنه لبنة في الأمن الإنساني.

نموذجَا حضارة راهنة

طرفا قانون المواجهة: الصراع والحوار الذي يحكم العلاقة بين النموذج الحضاري الغربي وبين وضعنا الراهن القائم على أنقاض حضارات إنسانية منهارة لم نرث غير مضامينها المعنوية التي لا يمكن إعادة صيغتها كفعل حضاري متجدد..

النموذج الغربي يصادر كل ما هو عامّ وإنساني، ويزيِّنه باعتباره خصوصية تميِّزه، ولم ينقطع عن مصادرة القيم الحضارية والإنسانية ويُفرغها من محتواها..

لكن الازدواجية في النموذج الغربي تفضح ذاتها لأنها تستغلُّ الفارق الكبير في التطوُّر الذي يفصل الغرب عن المجتمعات الأخرى وهو يروج لمضامينه كرمز أحادي لحضارة العصر.. ومرجع مطلق لها.

ولم يخفَ على أحد أن النموذج الغربي ينطوي أساسا على شكل كاذب يحمل في مضامينه قسوة همجية تدفعه باتجاهين متناقضين:

الأول: شفافية إنسانية ظاهرة شكلا.

ثانيا: ممارسة البطش والسيطرة والاستبداد والاستغلال والاستعلاء.

عمق الخلل أخلاقي

ذلك هو عمق الخلل الأخلاقي داخل التجربة الغربية التي جعلت من التقدم المادي وسيلة لنسف الخصائص الإنسانية وضرب القيم المعنوية والروحية في العلاقات البشرية.

إن الاتجاه الغربي نحو استخدام التقدم التكنولوجي كورقة ضغط على العالم، يعبِّر عن انسجامه مع نموذجه الحضاري الذي يجعل من الإنسان مجرد آلة يتحكم هو بحركتها ودورانها تبعا لأهوائه ومصالحه واتجاهاته.

يقول المفكر الأوروبي جان ماري جوينو: “لقد عرف العالم الامبريالي كيف يمارس العنف في مسافة بمزيج من ادِّعاء سذاجة الإنسان الطيب والوحشية الضارية، وباقترابنا من صور ما حدث نجد الموتى العراقيين الذين لم يعد يظهر عنهم سوى إحصاءات متلبسة، ونجد الحرب وكأنها لعبة من ألعاب الفيديو، فلم نكن حتى بحاجة لأن نبغضها، ونجد حكوماتنا المعنية مكرسة لتعبئة الرأي العام الغربي خلال كل فترة صراع، فنحن لم يكن لدينا استعداد للضحية ولا للكراهية، وللمرة الأولى في تاريخ الحروب نجد القادة العسكريين الذين استوعبوا درس فيتنام يولون أهمية كبيرة لتنظيم الرأي العام الشعبي والمدركات الجماعية التي لديه عن المعارك.

ويؤكد “جان ماري جوينو” الخلل الأخلاقي في الحضارة الغربية حين يشير إلى أنه تم خوض هذه الحرب كما لو أنها عملية لاستعادة النظام بواسطة المحترفين الذين مكنهم التفوق التقني الهائل من تحجيم ضمائرهم إلى حدود دنيا وسحق “الأعداء” وعقابهم.. ويختم بسؤال على قدر كبير من المنطق هو: هل سيكون ذلك هو نهجنا المستمر فيما بعد؟!

أخلاقيات القوة الغاشمة

إن الحقيقة تكمن في وجود مشروع أمريكي للهيمنة، دخل فعلا مراحل طور البناء تدعمه الصهيونية العالمية ووفرت له أدواته الخبيثة، القادرة على التلاعب بعقولنا بخطابٍ ديني طائفي، ويدعو إلى استنزاف العالم العربي وتفتيه..

ويستخدم هذا المشروع أحدث الوسائل المعاصرة في تنفيذه وترويجه، وهو ينطلق من أن منطق القوة هو الأساس في دفع العالم للخوف واليأس والاستسلام.. وهذا ما يجعل الوعي بحقيقة التوجُّهات الأمريكية يشكل نقطة البداية الصحيحة لرفع مستوى مواجهتها عبر التأكد على الإيمان بالقيم والثقة بالنفس ووضع الإمكانات المتاحة في طريقها الصحيح..

لعل ذلك من شأنه إرباك السياسة الأمريكية وكشف تناقضاتها وإثبات فشلها، وشلّ عمل أدواتها المتلحفة بعباءات دينية.

والذي يجري هو إرهابٌ تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية ضد كل من يسعى إلى بلورة رؤية نقدية معارضة لمحاولات الهيمنة الأمريكية على العالم وسياسة عربدة القوة والقمع الأخلاق الأمريكية المزدوجة التي تشجع وتدعم الإرهاب الصهيوني وإرهاب الدول التي لا تدور في فلكها.. ثم تعتبر مواجهة الاحتلال وممارسات القوة الغاشمة إرهابا!

الانقلاب الأخلاقي

إنه الانقلاب الأخلاقي الذي انفجر مع سريان مرض العولمة المعاصر العابر بإنسانيته كل القارات والمحيطات، في غياب حصانة المجتمعات ومناعتها.. مرض تعدُّ الثقافة الاستهلاكية أبرز خصائصها التي تحيا في ظل التجرد من المبادئ والتخلي عن القيم الأخلاقية التي يرتقي بسلمها التربوي الإنساني..

وهنا يتحتم طرح الأسئلة الجوهرية حول الإنسان من جديد.. الإنسان من هو؟

الحيوان الأكثر تطوّرا على وجه الأرض

الحيوان الناطق

الحيوان المُدرِك

الحيوان الذي يدفن موتاه

أم هو المخلوق الوحيد القادر على إحداث تراكم متواصل من المعرفة التي يعتمدها في بناء حضارة؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • عبد الله المهاجر

    بسم الله
    - الحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ,, لما انتشرت الانترنت في الجزائر ,, كان رفاقي يبحثون في الانترنت عن المواقع اللاأخلاقية أو التعارف مع البنات ,,أما أنا فكنت أفكر كيف أخترق أجهزة شبكات مخابرات العدو واختراق حواسيبهم ,كان عمري 16 أو 17 سنة ,,ذاك الزمن لم يكن العالم يعرف عن اختراق الأجهزة .. والتجسس أي شيء ..كون أن الانترنت انتشرت في العالم والناس في العالم منبهرين بهذا الشيء الجديد
    ولقد صنعت تاريخ في ذلك باءذن الله تعالى .ولقد نجوت من القتل على يد المغضوب عليهم .

  • علي

    نحن وتراثنا العربي الإسلامي بيننا علاقة حب قوية جدا مثل الحبيب الذي تركته حبيبته . ولكن هو بقي يجري وراءها امله قوي ان تعود اليه.واتخذت لها حبيبا اخر . وهو مازال يجري وراءها لم ينقطع امله فيها . وتزوجت وهو مازال يجري وراءها وينتظر على امل عودتها اليه.وانجبت الأطفال مع زوجها الجديد وكبر الأطفال ودخلوا المدرسة وتخرجوا واصبحوا أطباء ومهندسين وهو مازال ينتظر عودتها اليه لم ينقطع امله .وشاخت المراة أصبحت عجوزا شيخة اكلت عليها السنون وشاخ هو معها ولكن مازال يجري وراءها وامله كبير جدا ان تعود اليه..