-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
عن التعاون السينمائي والثقافي بين الجزائر وفرنسا

باريس تراهن على “القوى الناعمة” لمحو عارها في الجزائر

زهية منصر
  • 1850
  • 0
باريس تراهن على “القوى الناعمة” لمحو عارها في الجزائر

فتحت زيارة إمانويل ماكرون إلى الجزائر بابا آخر لدى باريس وهو نقل الصراع من الحلبة الاقتصادية إلى الواجهة الثقافية من خلال تحديد مجالات جديدة للتعاون منها السينما والترجمة والرياضة والفن وريادة الأعمال.

وحسب متابعين فإن ما أفصح عنه الرئيس الفرنسي لا يعدو أن يكون تفكيرا بصوت مرتفع لما سعت باريس إلى ممارسته ودعمه في الخفاء دائما في سياق محاولتها وسعيها لصناعة نخبة هجينة قصد تمييع النقاش حول “حروب الذاكرة” وصناعة جيل جديد سيكف يوما عن المطالبة بالاعتذار لذاكرة الشهداء.

ماكرون جاء إلى الجزائر باحثا عن “قصة حب” تقوم على الثقافة والفن، تصنع رموزها من خليط هجين بين الجزائر وباريس وهذا بهدف صناعة وعي جديد لن يكون فيه مكان لأوجاع الذاكرة التي تقوض مضجع العلاقات الجزائرية الفرنسية في كل مرة.

تعتبر السينما أحد المجالات المهمة في الدعاية وصناعة صورة أو وعي جديد، بل هي إحدى الأدوات المهمة في إستراتيجية القوى الناعمة التي تستخدمها اليوم الدول مثل تركيا، والصين وكوريا التي بدأت تجد منفذا لها في الدول العربية عن طريق صناعة الصورة وتسويق ثقافتها ووجهة نظرها وأنماطها الثقافية عن طريق الأفلام والمسلسلات.

التعاون السينمائي الذي أعلن عنه ماكرون مع الجزائر ليس جديدا، بل هو من صميم إستراتيجية عمل المصالح الفرنسية وأجهزتها في الجزائر مثل المعهد الثقافي الفرنسي بالجزائر الذي يعلن دائما عن مسابقات في دعم ورش كتابة السيناريو وتمويل أعمال الشباب ومساعدتهم لاحقا على صناعة أفلامهم وتسويقها. فعديد المخرجين الجزائريين الشباب الذين ذهبوا لاحقا إلى المهرجانات باسم الجزائر كانت انطلاقتهم من هذا المعهد.

وقعت الجزائر وفرنسا اتفاق إطار للإنتاج المشترك والتعاون السينمائي مع فرنسا سنة 2007، وصدر كمرسوم تحت رقم 08-352 سنة 2008، وجاء هذا الاتفاق- “لتدعيم العلاقات بين الجزائر وفرنسا، خصوصًا في المجال السينمائي”، وقد استندت هذه الشراكة إلى 21 نقطة قانونية كان يفترض أن تكرّس التعاون بين البلدين في هذا المجال.

ولكن وعلى امتداد سنوات من صدور هذا القانون أو الاتفاق ماذا استفادت السينما الجزائرية منه؟ كان يفترض أن تستفيد الطاقات الجزائرية من الخبرة التقنية الفرنسية في مجال التكوين لكن هذا لم يحدث، بل العكس هو الذي كان يحدث دائما إذ يأتي التقنيون الفرنسيون للتصوير هنا وكل ما تفعله الجزائر هو دفع المال تحت شعار الإنتاج المشترك لأفلام لا تفعل أكثر من أنها تسيء إلى الجزائر. فأفلام مثلا “تيمقاد”، أخوات، باب الوادي، وغيرها من الأعمال كانت أفلاما تسيء للجزائر وتعمل على تكريس النظرة الفرنسية. فهي إما أفلام تمجّد الحركى أو تزيف التاريخ أو تعبر عن حنين الأقدام السوداء للجزائر أو تعطي صورة دونية عن الجزائر كبلد متخلف قذر ومتشدّد.

عديد المخرجين الذين أنتجوا أفلامهم تحت شعار التعاون على غرار “مهدي شارف، نذير مخناش، عكاشة تويتة، جميلة صحراوي، جان بيار ليدو، يامينة بن قيقي، مونيا مدور” وغيرهم لم يفعلوا غير تكريس وجهة النظر الفرنسية بأموال جزائرية، بعض هذه الأعمال لم تحترم حتى الجمهور الجزائري وتقدم عرضها الأول مثل “أخوات” ليامينة بن قيقي التي أخذت التمويل من الجزائر لكن الجمهور الجزائري لم يشاهد الفيلم إلى اليوم.

طوال الفترة السابقة تميزت الأعمال التي أنتجت تحت غطاء الإنتاج المشترك بأنها أعمال لمخرجين فرنسيين أو أفلام لمخرجين ينحدرون من أصول جزائرية وفي كلتا الحالتين فإنها مجانبة للحقيقة، أو لنقل قدمت صورة مشوّهة عن الجزائر، فإذا كان المخرج فرنسيا فإنه يقدم نظرة فرنسية وهذا مفروغ منه. وفي حال كان المخرج من أصول جزائرية فإن الدعم الذي يلقاه من قبل المؤسسات الفرنسية يفرض عليه أن يكون جزء من الحوار باللغة الفرنسية وأن يكون السيناريو في إطار معين “الأفلام عادة تتناول العشرية السوداء والتشدد واعتداءات المجاهدين على المدنيين الفرنسيين مع التركيز على الصراعات الهامشية التي لا تخدم موضوع الفيلم”.
ولعل أكبر دليل على أن الأوساط الفرنسية لا تتسامح مع الطرح الذي لا يخدمها، الحملة التي واجهت فيلم “الخارجون عن القانون” لرشيد بوشارب يوم شارك في مهرجان “كان” عام 2010 وخروج الحركى وقدماء الجيش الفرنسي في مظاهرات تنديدا بعرض العمل في المسابقة الرسمية للمهرجان.

لا تزال فرنسا بعد ستين سنة من خروجها من الجزائر ترمي إلى صناعة صورتها التي تحافظ على روايتها في “حرب الجزائر” بما يخدم مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية على المدى الطويل وقد عمدت مؤخرا لطرح سلسلة من الأفلام الوثائقية بعنوان “حروب من أجل الجزائر”، أنتجت، بمناسبة الذكرى 60 للتوقيع على اتفاقيات إيفيان 18 مارس 1962، وهي سلسلة تتضمن شهادات للأعضاء السابقين في منظمة الجيش السري وللحركى وقادة الجيش الفرنسي الذين خدموا في الجزائر إبان سنوات 54 /62 وهي سلسلة تعمل على تكريس صورة الجزائر الفرنسية وهي سلسلة أنتجت من قبل قناة ارتي، حيث قالت “رافاييل برانش” المؤرخة الفرنسية التي ساهمت في إعداد مادة السلسلة لوكالة فرانس برس “أردنا أن نروي الحرب من وجهات نظر عدة لإظهار التعدد في التجارب”، هذا الذي ترمي إليه فرنسا، إنتاج أعمال تكرّس الثنائية التي تغيّب أصحاب الحق وتميّع أي نقاش مستقبلي حول الذاكرة الاستعمارية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!