الرأي

بحث في فائدة “العقلاء”!

ح.م

لا يمكن للبلاد أن تبقى متسمّرة في مكانها من دون أي حركة، رافضة أي حلّ يصلها، ورافضة أي عنصر مقترح للحل، من طرف بعض المحسوبين على الحراك. لا هي قدّمت حلولا ولا اقترحت عناصرها. وإذا كانت العصابة قد عاثت في الأرض فسادا لعدة عقود، فإن الفراغ سيكون أخطر على الأمة، التي اكتشفت فجأة بأنها لم تتقدم خطوة واحدة منذ الاستقلال، عندما حكمها رؤساء خارج الشرعية ووزراء من دون مستوى علمي وسياسي وأخلاقي، وأحزاب كان همها هو البحث عن كيفية التهام الثروات، وليس صيانتها، ولا نقول خلقها.

القول بأن فلان أوعلان كانوا رفقة العصابة أو عينتهم العصابة، سيجعلنا نبحث عن إبرة في صحراء قاحلة، لأن الذين تم تعيينهم في عشرات الآلاف من المناصب على مدار عشرين سنة، لا يمكن أن نضعهم جميعا على الهامش، ومن أفراد الشعب، الملايين من الذين أعطوا أصواتهم للرئيس المخلوع، وآلاف من رؤساء الأقسام والمستشفيات من عيّنهم وزير الصحة الذي عينه الرئيس السابق، والآلاف من المديرين ومديري التربية من عينتهم الوزيرة السابقة للتعليم التي عينها عبد العزيز بوتفليقة، بل إن المئات من القضاة، عينهم وزير العدل السابق الذي هو رهن المتابعة القضائية وممنوع من السفر.

لقد منح الحراك الشعبي في أول مسيراته الحرية للناس، وبنى لنفسه أرضية صلبة أساسها قبول الآخر، فكانت كل الأطياف تلتقي وتعيش أجمل لحظات العمر في مسيرات الجمعة، فكان الجميع يتبادلون الحلوى والماء والابتسامات، وبقي الأمل في أن نخرج من الأزمة بسرعة، خاصة أن الفضاء الأزرق كان يقدم نماذج من جزائريين مصممين على أن ينتقلوا بسرعة، من الركود ومن زمن الغبار الذي عيشنا فيه النظام السابق، إلى زمن الوحدة والحركة. ولكن العثرات الكثيرة التي زلزلت المسيرة في الفترة الأخيرة، أعادتنا إلى نقطة الصفر، وعشّش الخوف في قلوب الناس في أن لا نجني من ثمار الحراك الشعبي، سوى مزيد من الآلام.

من أخطاء ما بعد الثورة الجزائرية أن الذين أعلنوها هم من صمموا على قيادة البلاد بعد الاستقلال، ومنهم من كان سببا في الأزمة التي عصفت بالبلاد، ونخشى أن يصرّ كل من سار في الحراك الشعبي ودوّن صورته على الفايس بوك، على أن يحصل على منصب مهم في الدولة، على طريقة الأسرة الثورية التي دوّنت اسمها على بطاقات العضوية من مجاهدين وأبناء شهداء، وقررت أن تبقى مدى الحياة بأبنائها وأحفادها حاكمة وحتى مالكة.

فشل الحوار وعدم قبول كل الاقتراحات بعد مرور قرابة ستة أشهر، هو مؤشر سلبي لا علاقة له بالإصرار على النجاح، وكل الثورات التي دخلت في هذا الجدل العقيم وصلت إلى طريق مسدود، لأن الحراك الجزائري حقق ما لم نكن نحلم به، ومن المؤلم أن نحقق كل هذه الإنجازات، ونجد أنفسنا في نقطة الصفر !

مقالات ذات صلة