-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مؤرخون يتهمونه بالتضليل وهو يعتذر

برّأ لوبان من تعذيب الجزائريين.. ستورا في قلب الجدل

محمد مسلم
  • 3484
  • 0
برّأ لوبان من تعذيب الجزائريين.. ستورا في قلب الجدل
أرشيف
المؤرخ الفرنسي، بنجامان ستورا

خلفت تصريحات صادرة عن المؤرخ الفرنسي، بنجامان ستورا، أعطت الانطباع بأنه حاول من خلالها تبرئة النائب والمظلي السابق في جيش الاحتلال الفرنسي، جون ماري لوبان، من التعذيب في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية، استنكارا واسعا لدى مؤرخين ومختصين فرنسيين، استغربوا أن يصدر كلام من ذلك القبيل، من “قامة علمية” مثل ستورا.
المثير في القضية هو أن بنجامان ستورا، الذي كلف من قبل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بإعداد تقرير حول ذاكرة “الاستعمار الفرنسي للجزائر”، نفى في برنامج إذاعي على قناة “فرانس إنتر” الإذاعية يوم 27 فبراير المنصرم، أن يكون جون ماري لوبان، قد تورط في التعذيب خلال الثورة التحريرية في الجزائر.
ومما قاله بنجامان ستورا في القناة الإذاعية الفرنسية: “في حدود علمي، لوبان غادر الجزائر في الوقت الذي بدأت فيه معركة الجزائر”، وهو التصريح الذي لم يمر مرور الكرام على المؤرخين والمختصين، لأن لوبان ذاته صرح في سنة 1962 بلسانه قائلا: “ليس لدي ما أخفيه. لقد عذبت لأنه كان علي فعل ذلك”. كما دعا هو بنفسه للتعذيب من أجل الحصول على المعلومات من الجزائريين في حربهم ضد جيش الاحتلال.
ما صدر عن ماري لوبان، الذي أصبح فيما بعد زعيم اليمين المتطرف في فرنسا بتأسيسه حزب “الجبهة الوطنية”، كان أمرا طبيعيا بالنظر لمواقفه السياسية المعلنة، غير أن غير الطبيعي هو التصريح الذي صدر على لسان بنجامان ستورا، الذي يعتبر في نظرهم قامة علمية ومرجعا في الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وفي العلاقات الثنائية بعد الاستقلال.
ويعتبر مؤسس “الجبهة الوطنية” وزعيم اليمين المتطرف، من أشد أنصار “الجزائر الفرنسية”، ولذلك عندما اندلعت الثورة التحريرية وهددت الوجود الفرنسي في الجزائر، سارع لوبان وكان يومها نائبا في البرلمان الفرنسي، إلى التطوع للعمل في الجيش الفرنسي ضمن فرقة المظليين، وذلك بالرغم من أنه لم يكن مجندا ولا متعاقدا، ما أعطى لخطوته تلك بعدا إيديولوجيا وسياسيا.
ما قاله بنجامان ستورا أحدث استنفارا لدى مؤرخين فرنسيين مختصين في الاستعمار في الجزائر، على غرار كل من فابريس ريسيبوتي وأندريه لويز، اللذين عبرا عن استهجانهما لمحاولة إعادة الاعتبار لمجرم حرب، مثل جون ماري لوبان، لم يتورع في الإقرار إراديا بما قام به خلال الحرب الفرنسية على الجزائر.
المؤرخ فابريس ريسيبوتي سارع إلى التعبير عن موقفه مما قاله ستورا، ليغرد قائلا: “إلى أن يثبت العكس. لوبان تورط في التعذيب. هذا ما يؤكده الأرشيف والشهادات في حالته. جدل لا يطاق”. كما أعاد ريسيبوتي نشر تغريدة للمؤرخ أندري لويز جاء فيها: “في هذا الكتاب المرجعي عن الحرب في الجزائر، فإن المدخل المخصص لجون ماري لوبان (من طرف Alain Ruscio) لا لبس فيه فيما يتعلق بأنشطته كمعذب. وهو تباين مفيد مع أخطاء بنيامين ستورا الكبيرة في الفيلم الوثائقي الصوتي”.
من جهته، المؤرخ أندري لويز غرّد بدوره منتقدا بنجامان ستورا على تصريحه بخصوص جون ماري لوبان: “لا ينبغي أن يكون من الصعب إدراك أن المرء كان مخطئًا وتصحيح الخطأ بحسن نية، بدلاً من اللجوء إلى الحجج المضللة حول “نقص المصادر المكتوبة” وما إلى ذلك”، فيما تمت الدعوة إلى تصحيح ما جاء في “فرانس إنتر” على لسان بنجامان ستورا.
وبالنسبة إلى “فلورانس بوجي” الصحافية التي عملت مطولا على قضية التعذيب في الجزائر لسنوات في صحيفة “لوموند”، فإن ما صدر على لسان بنجامان ستورا يعتبر “عارا”، كما جاء في الصحيفة ذاتها: “لوبان يجد نفسه قد تبرأ من الاتهام مرتين. من ناحية ما قاله بنجامين ستورا، ومن ناحية أخرى من طرف فيليب كولين (صحفي فرانس إنتر)، الذي ابتلع الثعبان ببراءة. لقد شارك لوبان وبنشاط! في معركة الجزائر”.
ومعلوم أن فلورونس بوجي الصحافية بيومية “لوموند” الفرنسية أنجزت تحقيقا في عام 2002، تطرقت من خلاله إلى تورط لوبان في التعذيب في الجزائر، غير أن لوبان اعتبر ذلك مجرد “مكيدة قذرة” وباشر إجراءات قانونية ضد الصحيفة، غير أن العدالة الفرنسية أنصفت الصحيفة بعد الاستئناف.
وأمام الغضب الذي فجرته تصريحات ستورا على أمواج إذاعة “فرانس أنتر”، اضطر معد الوثائقي فيليب كولين ليخرج بتوضيح جاء فيه: “في الحلقة الثانية من سلسلتنا المخصصة لجان ماري لوبان ، وبالاتفاق مع المؤرخ بنيامين ستورا، قررنا توضيح وجهة نظره حول جان ماري لوبان والتعذيب في الجزائر. لقد استخدمنا في البداية صيغة “ربما لم يمارس جان ماري لوبان التعذيب في الجزائر” ولكننا اخترنا أخيرًا استخدام الكلمات التالية لنكون أكثر وضوحًا: “لا يمكننا إثبات أن جان ماري لوبان قد عذب في الجزائر ولكن ذلك يبقى ممكنا”.
ومع ذلك، فإن الصحفية فلورنس بوجي لم تعجبها هذه الملاحظة، وقالت وفق ما جاء في الصحيفة ذاتها: “لقد قاموا بأدنى حد من الخدمة! يثبت فيليب كولين نفسه بهذه الطريقة. البودكاست لا يزال على الإنترنت. ليس بهذه الطريقة يمكن إصلاح الضرر”.
أما بنجامان ستورا فرد على هذا الجدل الذي أقحم نفسه فيه: “الشيء المهم بالنسبة إليّ، ألا أقول ما إذا كان جان ماري لوبان قد عذب أم لا. ما أثار اهتمامي هو اختلاق رواية عن نفسه خلال الحرب الجزائرية، وكيف اختلق شخصية لجذب زبائنه الانتخابيين من اليمين المتطرف. ربما أرتكب خطأ، كان يجب علي أن أقول إن لوبان قام بالتعذيب، كما قال الشهود لفلورنس بوجي. فعلت ذلك بحسن نية، كمؤرخ لم ير سجلات مكتوبة”. وأضاف: “لقد تحدثت مطولاً مع فلورنسا (بوجي) وأخبرتها أنني ارتكبت خطأ: لقد عذب لوبان في الجزائر، ولم أكن أعرف قرار المحكمة”.
من جانبه، تحدث فيليب كولين معد الوثائقي عبر الهاتف ومع فلورنس بوجي ومع بنجامان ستورا، بعد تعديل البودكاست: “لا يمكننا إثبات أن جان ماري لوبان مارس التعذيب في الجزائر ولكنه احتمال. على أي حال، برر جان ماري لوبان التعذيب. لذلك يمكن اعتباره جلادًا في نظر الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب”. ويضيف أن مقالات فلورنس بوجي التي نشرت في لوموند تم وضع رابطها على الموقع، للتأكيد على صحة ما كتبت في تحقيقاتها عن الجلاد لوبان.
وتطرح هذه التطورات جملة من التساؤلات حول موقف السلطات الجزائرية من ترؤس بنجامان ستورا للجنة المختلطة المكلفة بكتابة التاريخ في إطار تسوية قضية الذاكرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!