الرأي

بعبع معاداة السامية!

ح.م

يبدو أن مشجب معاداة السامية أصبح يُستخدم ضد كل من ينتقد أو يرفض ما يرتكبه الصهاينة في فلسطين من قتل وتهجير وحصار وتدنيس للمقدسات، وقد دأبت “الشروق” على مدار العقدين الماضيين على فضح هذه الممارسات والتخندق مع الفلسطينيين في نضالهم لطرد المحتلين وهو أقلّ من الواجب، بل هو ردّ لجزء من الدين الذي في رقابنا.
أما وضع اليهود في الجزائر الذي تباكى عليه تقرير الخارجية الأمريكية فليست “الشروق” مسؤولة عنه، بل الأمر يتعلق بالمزاج العام في الجزائر الذي لا يتقبل اليهود لأسبابٍ تاريخية تعود إلى أيام الاحتلال الفرنسي للجزائر، حين استخدمت الإدارة الفرنسية يهود الجزائر ضد مواطنيهم وأطلقت أيديهم في نهب أملاك الجزائريين والتنكيل بهم، وكتبُ التاريخ تعجُّ بالأمثلة عن أعمال اليهودي “بكري” من ابتزازٍ وظلم.
وفي هذا السياق؛ يقول شيخ المؤرخين أبو القاسم سعد الله “أظهرت الطائفة اليهودية في الجزائر ميلا واضحا إلى الفرنسيين كما أظهر لهم هؤلاء عطفا أوضح وأصبحوا عندهم من ذوي الحظوة والجاه”، وقد ظل الوضع على هذا الحال إلى أن اندلعت الثورة التحريرية التي لا تذكر المصادر والشهادات التاريخية مساهمة لليهود فيها داخليا أو خارجيا، وبعد الاستقلال اختار اليهود وطنهم الجديد فرنسا، وهاجروا مع المعمّرين، وانتهى تواجدهم الرسمي في الجزائر.
ثم تأتي الخارجية الأمريكية وتحاول افتعال قضية تسمى “اليهود في الجزائر” وتوجه سهام النقد لجريدة “الشروق”، لأن بعض الرسوم الكاريكاتورية فُهمت على أنها “إساءة لليهود”، وكأنهم جنسٌ فوق البشر، لا يمكن أن نتناولهم ولو بطريقة رمزية في رسم كاريكاتوري، بينما لا يفعل الأمريكيون شيئا إزاء الإساءات المتكررة في حق المسلمين في أمريكا نفسها وحرق المصحف والفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، والاعتداءات المتكررة على المساجد والمحجبات كلها أمثلة على ذلك.
عندما تكون تقارير الخارجية الأمريكية، موضوعية وعادلة، وتضع ما يسمى بـ”معاداة السامية” في نفس درجة معاداة الإسلام أو معاداة المسيحية يمكن أن يكون لهذه التقارير صدى مقبولٌ عند الجميع، أمَّا أن تضع اليهود وحدهم في درجة ملائكية وتصدر تقارير سوداء ضد كل من تسوّل له نفسه تناول اليهود بالنقد كغيرهم من الطوائف وأتباع الأديان، فهذا سلوكٌ لا يمكن القبول به حتى ولو صدر من بلد العم سام.

مقالات ذات صلة