الرأي

بعد صفعة السودان.. المجد للأصبع الأزرق

حسان زهار
  • 3721
  • 15
ح.م

الكوارث التي تحدثها المراحل الانتقالية لا ينكرها إلا أصحاب الأجندات الخاصة، فقد رأينا الدماء التي سفكتها في الجزائر في 92، ونرى الخيانة والتطبيع التي تنتجها اليوم في السودان.

الفاجعة التي أحدثها لقاء رئيس المجلس السيادي الانتقالي في السودان، مع نتنياهو في أوغندا، كان نتيجة حتمية لهذا الهرج الانتقالي، الذي دافعت عنه بشدة ما يسمى بقوى البديل الديمقراطي عندنا في الجزائر، مسنودة ببعض المعارضات التابعة، وظلت بسبب ذلك تثمن النموذج السوداني في الانتقال إلى الهاوية.

ما حذرنا منه منذ البداية يقع اليوم بتفاصيله، فما يسمى بتحالف “الحرية والتغيير” السوداني، ذو المسحة اليسارية، كان أشبه ما يكون في تحركاته وتوجهاته بما يسمى عندنا بقوى البديل الديمقراطي، وكلاهما كان يرفض الانتخابات، لأنها لا تخدم مصالحه، ويعلن عداوته لثوابت الشعبين العربيين في الجزائر والسودان، غير أن الفرق بين الحالتين، أن السودان المفكك والمهلهل خضع للابتزاز الخليجي والأمريكي، تمهيدا لموقعة أوغندا والتطبيع مع اليهود، بينما وجدت القوى المتآمرة على الجزائر، جيشا صلبا بقيادة قائد كبير في منزلة الراحل القايد صالح، رفض المساومات وأصر على العودة للشعب في انتخابات رئاسية.

وبالنتيجة، انحدر السودان إلى الهاوية، وقد تقاسم العسكر وتحالفت الحرية وتغيير السلطة، فكان نتيجة ذلك وثيقة دستورية انتقالية ممسوخة، هللت لها بعض النخب التي اخترقت الحراك الجزائري، والتي كان من أهم بنودها إطلاق العنان لسطوة الأقليات الإثنية والعرقية، ومعاداة ثوابت الأمة، ومحاربة الاسلام باسم الحداثة، بينما كان بندها السري الأكبر هو التطبيع مع “إسرائيل”.

الأمر كان واضحا وجليا منذ البداية، فالذين حركوا اللعبة في السودان، تزامنا مع الحراك الجزائري، عملوا وفق المنطق الانقلابي على مؤسسات الدولة، ومحو آثار النظام السابق كلية انطلاقا من الأفكار الثأرية، التي تكنها القوى الشيوعية للإسلام السياسي، فجاءت الوثيقة الدستورية، ومعها مجمل المرحلة الانتقالية، ليس بهدف محو آثار الفساد الذي خلفته مرحلة عمر البشير، وإنما لكي تنقلب على كل القيم التي كان يؤمن بها السودان، وعلى رأسها القضية الفلسطينية نفسها.

وقتها، عندما كانت الوثيقة الدستورية الانتقالية في السودان، تكتب برعاية أمريكية، وتناقش بنودها وكالة الاستخبارات الأمريكية بالتشاور مع “الموساد” ومنظمة “أمان” الصهيونية، كنا هنا في الجزائر نحذر من الوقوع في نفس هذا المطب الخطير، غير أن قوى أخرى للأسف، كانت ولا زالت إلى اليوم، تدعي الثورية والوقوف في مقدمة الحراك الشعبي، تدعو كما فعل الأفافاس “الجيش الجزائري إلى استلهام التجربة السودانية”، بل إن منهم من قدموا التبريكات لانتصار السودانيين وتمنوا للجزائر أن تلتحق بذات المسار العظيم.

هؤلاء يخرسون اليوم، فلا نسمع لهم حسا ولا همسا في الموضوع، وقد لطمهم عبد الفتاح البرهان لطمة فضحتهم على رؤوس الأشهاد، فلقد والله كانوا يطرحون هذا الحل السوداني كما لو أنه حل مثالي، سيخرج السودان الشقيق من تخلفه، ويدخله عصر الحريات والديمقراطية، بل ويدخله عصر الحداثة من الأبواب الواسعة، وإذ بالجنرال البرهان، يفاجئ الجميع اليوم، في معرض تبريره للفضيحة، أن الحداثة لا تمر إلا عبر البوابة الاسرائيلية، فلا يجد رئيس الحكومة الانتقالية “حمدوك” المدني سوى الترحيب بهذا التبرير الرائع.

كانت النتيجة أن الحداثة التي خططت لها القوى “الانتقالية الشيطانية”، الرافضة للانتخابات ومشاركة الشعب في إدارة المرحلة، هي حداثة فتح بيوت الدعارة في بلد كانت تحكمه الشريعة الإسلامية، وحداثة البارات والخمارات والتمرد على كل ما له علاقة بالدين.

وكأني بقوى البديل الديمقراطي، التي كشفت مؤخرا حقيقتها، وهي تتحالف تكتيكيا مع الاسلاميين في الشارع، في انتظار ذبحهم استراتيجيا في المنعرج، هي نفسها التي تدير المرحبة الانتقالية اليوم في السودان، وتتأهب للسقوط في الحضن الاسرائيلي، لتقع معها الجزائر كلها، بلد المليون ونصف المليون شهيد، وبلد الشعار الخالد “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، في عار التطبيع الذي لا تمحوه السنين.

لكن، شاء ربك، أن تخرج الملايين، رغم التخويف والتخوين، إلى صناديق الاقتراع يوم 12/12، لتغمس أصابعها في اللون الأزرق، حتى لا يسقط الوطن في بركة الدماء الحمراء، ولا في عار التطبيع الأسود.

لو لم يكن لهذا الأصبع الأزرق، غير هذه الفضيلة لكفته، فالمجد له حين يشهد أن لا إله إلا الله، والمجد له حين يبصم على كرامة الوطن ووحدته.

مقالات ذات صلة