-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بن‭ ‬لادن‭ ‬وأزمة‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية

عابد شارف
  • 3887
  • 0
بن‭ ‬لادن‭ ‬وأزمة‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية

أمضت أمريكا عشر سنوات من تاريخها لتصنع إسما، بن لادن، ثم قضت عشرية كاملة وهي تبحث عن طريقة للتحكم فيه، قبل أن تدخل عشرية ثالثة عملت كل ما في وسعها للبحث عنه بهدف قتله.

  • ويحصر هذا الملخص تاريخ قائد تنظيم القاعدة وعلاقته المعقدة مع أمريكا، في تلك المرحلة التي‭ ‬كان‭ ‬التيار‭ ‬الديني‭ ‬الراديكالي‭ ‬يشكل‭ ‬تهديدا‭ ‬على‭ ‬البلدان‭ ‬الإسلامية‭ ‬وشبحا‭ ‬يمنعها‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭.‬
  • وكانت الخسائر المرتبطة باسم أسامة بن لادن وبالتيار السياسي الذي ينتمي إليه كبيرة جدا. وقد أدت أعمال بن لادن بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلى احتلال بلدين، وخلفت مئات الآلاف من القتلى، كما أدت إلى تدمير التركيبة الاجتماعية للبلدان الإسلامية، ومنعتها من دخول عهد‭ ‬التعددية‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الإسلامية‭ ‬ستؤدي‭ ‬حتما‭ ‬إلى‭ ‬دكتاتورية‭ ‬التيار‭ ‬الديني‭.‬
  • لكن ما يحدث اليوم يوحي أن هناك تغيير جذري في هذه المعادلة، فقد جاء اغتيال بن لادن مع حدوث ثورات في بلدان إسلامية متعددة دون أن يؤدي ذلك إلى استيلاء الراديكاليين من التيار الديني على السلطة. وسواء تعلق الأمر بمصر أو تونس أو اليمن أو سوريا اليوم، فإن التيار الديني‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬وقعت،‭ ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬يدّعيه‭ ‬قادة‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬بتنظيماته‭ ‬المتعددة،‭ ‬فإن‭ ‬وزنه‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التغيير‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يذكر‭.‬
  • لكن لا يكفي أن نسجل اختفاء بن لادن للقول إن العالم تغيّر، وأن البلدان الإسلامية ستجد أمامها طريقا سهلا نحو الحرية. وإذا كنا نشير إلى الدور الأساسي الذي لعبته المخابرات الأمريكية في صنع بن لادن وفرضه على الساحة السياسية، فإن ذلك لا يمكن أن ينسينا أن المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬تشكل‭ ‬أرضا‭ ‬خصبة‭ ‬لبروز‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬الذين‭ ‬كادوا‭ ‬يسيطرون‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الإعلامية‭ ‬منذ‭ ‬ثلاث‭ ‬عشريات‭.‬
  • ويبقى العالم الإسلامي يعاني من هذا الوضع، فهو منقسم بين فئة، ولو قليلة، ترفض دخول العالم المعاصر وتحلم بالعودة إلى ماض تعتبره مثاليا، وفئات أخرى تريد دخول العالم المعاصر لكنها لم تجد المفاتيح التي تسمح لها بالدخول في المغامرة. ويكاد العالم الإسلامي يغرق في هذه المعركة التقليدية بين الماضي والمستقبل، بين ما هو عصري جديد وما هو بالي قديم، بين الشجاعة التي تدفع إلى المغامرة من أجل دخول عالم جديد، والنزعة المعاكسة التي تدفع إلى التمسك بالماضي. معركة بين بن لادن وشباب الحرية والفايسبوك…
  • ومن هذا المنطلق، فإن موت بن لادن يطرح تساؤلات جديدة: ما العمل حتى لا يعود بن لادن آخر ليقف حجر عثرة أمام التجربة الديمقراطية التي ستخوضها البلدان الإسلامية عاجلا أم آجلا؟ ما العمل حتى لا يتحول شبح خلفاء بن لادن إلى حجة يستعملها أمثال بن علي والقذافي للبقاء في السلطة إلى الأبد؟ وما العمل حتى نمنع الغرب من أن يصنع لنا بن لادن جديدا بعد أن صنع لنا في الماضي أبطالا آخرين مثل الخميني وصدام حسين وغيرهما من التماثيل التي دمّرها الغرب في نهاية الأمر؟
  • وإذا كان دور أمريكا واضحا في صنع هذه الرموز المتتالية لهزائمنا، فإنه من الصعب أن ننسى الواقع ومسؤولية المجتمعات الإسلامية في هذه الظاهرة: إن أناسا من أمثال بن لادن وصدام حسين ليسوا من صنع أمريكا فقط، بل هم أساسا ينبعون من مجتمعات تعيش أزمة حادة ولا تعرف كيف‭ ‬تخرج‭ ‬منها،‭ ‬فتختار‭ ‬حلولا‭ ‬انتحارية‭ ‬عدمية،‭ ‬لإقامة‭ ‬نظام‭ ‬متسلط‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬الوطنية‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬فإن‭ ‬تلك‭ ‬الحلول‭ ‬تعمق‭ ‬الأزمة‭ ‬وتضع‭ ‬البلاد‭ ‬أمام‭ ‬مأزق‭ ‬خطير‭.‬
  • وتبقى نقطة أساسية تدفع إلى التفاؤل، وهي أن الثورات العربية الجديدة أكدت أن المجتمعات الإسلامية بدأت تبتعد عن الحلول الخاطئة التي يرمز إليها بن لادن وصدام وغيرهما. وقد بدأ ريح الحرية يفرض نفسه في كل البلدان الإسلامية، مما يؤكد أن ثقافة التسلط باسم الوطنية أو‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬الاشتراكية‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الإيديولوجيات‭ ‬قد‭ ‬تجاوزها‭ ‬الزمن‭.‬
  • لكن هذا التطور الإيجابي في تعامل المجتمعات الإسلامية مع الحرية ليس كافيا ليضمن الحلول الحقيقية لأزمة تلك المجتمعات. وتؤكد تجارب الماضي أن الحذر يبقى سيد الموقف: من كان يفكر يوما أن الجيل الذي حرر كل هذه البلدان العربية والإفريقية سيتحول يوما إلى سلطة مستبدة‭ ‬تقهر‭ ‬شعبها؟‮.‬ 
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!