الرأي

بن غبريط تمتحن في البكالوريا!

محمد حمادي
  • 2001
  • 2
نورية بن غبريط

مع اقتراب موعد البكالوريا يعود الحديث مجدّدا عن الإجراءات الصّارمة التي أقرّتها وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط، لإنجاح هذا الامتحان الذي يعتبر مصيريا بالنسبة إلى جحافل المرشحين الحالمين بولوج الجامعة؛ فشهادة العمر لم تعد مجرّد امتحان بل أضحت كابوسا يطارد بن غبريط، آناء اللّيل وأطراف النهار وكأنها هي من سيمتحن وليس أولئك التلاميذ الذين أرعبهم إضراب الأساتذة طيلة الموسم الدراسي المنقضي، فوجدوا في الدروس الخصوصية بديلا لاستدراك ما فات من دروس ضائعة، ليرتموا في أحضان “سماسرة التعليم”، الذين استثمروا في لهفتهم ورفعوا أسعار خدماتهم!
بن غبريط عبر خرجاتها إلى الولايات كانت تصريحاتها كلّها عن البكالوريا وتحضيراتها، فأعطت انطباعا بأنّها أمام امتحان عسير تريد أن تنجح فيه بأيّ طريقة، لتتجنّب سكاكين النقد التي شحذتها نقابات تتصيّد عثراتها وبعض السياسيين الذين يعارضون مناهجها ونظرياتها في تسيير القطاع، وينظرون إلى إجراءاتها التي فرضتها في البكالوريا بمنظار التوجس والريبة.
المتأمل في الإجراءات المشدّدة التي أقرتها وزيرة التربية لردع الغشاشين في امتحان البكالوريا، يوحي بأنّ البلد أمام حرب ستقرع طبولها في هذا الامتحان الذي غدا مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الأمواج البشرية التي ستغزو بعد أيام مراكز الإجراء ليكرموا أو يهانوا أو يجرّوا إلى المحاكم، في حال سوّلت لهم أنفسهم سلوك نهج الغش من أجل الظفر بشهادة العمر، بعدما استحدثت لجان ولائية لمحاربة الغش يترأسها وكلاء الجمهورية.
لكن كيف تحولت البكالوريا في هذا البلد من مجرّد امتحان إلى حرب نعدّ لها العدة بكل ما أوتينا من حراس وأجهزة تشويش وعمليات تفتيش بوليسية؟ هل ستفلح مثل هذه الإجراءات الصارمة في قطع دابر الغش والغشّاشين؟ أم إن هذا السلوك المشين استوطن الذهنية الجزائرية وأبى أن يبرحها؟
للأسف، فإنّ مظاهر الغش اجتاحت جميع الميادين، وأصبحت تمارس عن سبق الإصرار والترصد، والأبشع من ذلك أنّ كثيرا من الكائنات المريضة نفسيا تحاول تبرير هذه السلوكيات المشينة وتلفها بحجج واهية، على غرار الخوف والضغط ودخول ظروف قاهرة على الخط حرمت هذا المترشح أو ذاك من التحضير الجيد لهذا الامتحان المصيري.
إنها إذا عقلية مجتمع يمارس الغش ويساعد عليه ويتواطأ مع مرتكبيه ويحاول حمايتهم ويختلق لهم الأعذار بدعوى أن كل القطاعات موبوءة بهذا الفيروس. نحن مجتمع مصاب بفقدان الذاكرة، فمواقع التواصل الاجتماعي التي تزدحم بالصور الجميلة عن إتقان العمل واحترام قدسية الامتحانات، التي يتأثر بها الجزائريون ويمنون النفس بأن تسود في بلدهم، هم أوّل من يكفر بها مع أوّل امتحان على أرض الواقع، فيصبح “حاميها حراميها”، في صورة أولئك الأساتذة الذين أوكلت إليهم مهمة حراسة الامتحانات، فكانوا عونا وسندا للغشاشين.
بالرّغم من تراكم عدد السنوات في تنظيم مثل هذه الامتحانات، إلا أنّنا ما زلنا نجتر أخطاء الماضي ونعيد استنساخها في الحاضر وتستمر معنا إلى المستقبل، ففشلت كل المخططات وخابت كل الطرائق التي كان الوزراء المتعاقبون على وزارة حساسة اسمها التربية يظنون أنها ناجعة وكفيلة بقطع دابر الغش، الذي استشرى في كل القطاعات، ليمتد إلى التعليم وما أدراك ما التعليم الذي من المفترض أن يزيح غيوم الجهل من سماء هذا الوطن.

مقالات ذات صلة