الرأي

بوتفليقة والغنوشي.. هل ينقذ الرئيس صديقه؟

تتسارع الأحداث السياسيّة في تونس بشكل يثير القلق والتوجّس الفعلي على مستقبل البلد وأمن المنطقة ككلّ، لأنّ مهد “الربيع العربي” الذي مثّل إلى وقت قريب نموذج النجاح في التغيير الآمن، ما فتئ يواجه مؤامرات “الثورة المضادّة” وعرّابيها في الداخل والخارج.
لقد نجحت النخبة التونسيّة في تفويت الفرصة مؤقتا على المتربّصين بثورتها، عبر التنازلات وبناء توافق وطني للمرحلة الانتقالية، كانت الجزائر طرفا داعمًا فيه، لإدراكها أنّ أمْنها القومي وتأمين مصالحها العليا مرتبط بدفع الاستقرار في الجارة الشرقيّة، لاسيما مع انفلات الأوضاع في المنطقة بعد سقوط نظام القذافي وتنامي الحركات الإرهابيّة في الساحل الإفريقي.
لكن القوى الليبراليّة المحليّة والمراكز الإقليمية المعادية لتطلعات الشعوب لم تألُ جهدًا لإجهاض تجربة “النهضة” في الحكم، ثمّ تقويض توافقها مع حزب الرئيس الباجي قايد السبسي، وليْت الأمر توقّف هنا، لأنّ قواعد اللعبة عند هؤلاء تحكمها المصالح السياسيّة والاعتبارات الإيديولوجية، بل تعدّى ذلك إلى خوض معركة وجوديّة ضدّ حركة النهضة، لإنهاء حضورها القانوني والتنظيمي، طالما أنّ قطع الطريق أمامها عبر صناديق الانتخاب غير مضمون النتائج.
قد يقول البعض إن هذا التشاؤم تهويل مفرط لحقيقة الخلاف السياسي القائم في تونس هذه الأيام بين شريكي السلطة، لكنّ خرجة الرئيس السبسي الأخيرة، خلال اجتماع مجلس الأمن القومي، بزعمه أنّ “العالم أجمع يعلم بالجهاز السري لحركة النهضة؟!”، ينمّ عن نوايا سيّئة ومبيّتة تجاه حزب الغنوشي، قد يتجاوز منطق الابتزاز والتشويه والإرباك على عتبات الاستحقاق الانتخابي، إلى تدشين مسار قضائي متحيّز لضرب الحركة، وما المانع من حلّها نهائيّا، قبل الزجّ برجالاتها مجدّدا في زنزانات السجون، إذا كانت السياسة متجرّدة من الأخلاق والعدالة وخاضعة لموازين القوى؟!
هكذا بين عشيّة وضحاها تحوّلت “النهضة” من حزب حاكم قبل سنوات قليلة، ثمّ شريك أول للرئيس في السلطة إلى حركة “إرهابية”، تمارس الاغتيالات السياسيّة في تونس وخارجها، حتّى أنها تجرّأت على التخطيط لتصفية الرئيس فرانسوا هولاند!
ربّما لا يفيد كثيرا الوقوف عند دعاوى السبسي المهتزّة في حقّ حليفه السابق، ويكفي أنّ الرجل قد ورّط نفسه بالوصاية التنفيذيّة على القضاء، بعد ما تبنّى رواية “هيئة دفاع”، بدل ترْك العدالة تأخذ مجراها.
لكنّ الذي يهمّنا أساسًا هو موقف الجزائر ودورها فيما يجري هناك من تفاعلات خطيرة، ستشكل حتما تهديدا مُحدَقا ببلادنا، فهل تبقى في موقع الشاهد المتفرّج حتى تشبّ النيران على حدودها؟ أم تبادر بقوّة لكبح جماح إمارات ومملكات “البترودولار”، التي باتت تعبث بالمنطقة في لعبة قذرة، لتنفيذ أجندات ضيّقة، لا تخدم سوى مصالحها السلطويّة، على حساب أحلام الشعوب وأمن الأوطان.
الوضع السياسي للسلطة في الجزائر معقّد، والسياق الرئاسي يصعّب من مأموريتها في الدفاع عن مصالحنا الإستراتيجيّة، لكنّ تداعيات المشهد التونسي، في حال نجاح السيناريو الخليجي لا قدّر الله، ستكون مدمّرة للمنطقة، ما يقتضي الإقدام الجزائري لترتيب الأوراق قبل فوات الأوان.
هي ليست دعوة للتدخل في شؤون الغير، بيد أنّ صيانة الأمن الوطني، فضلاً عن تعزيز الاستقرار لدى الأشقاء، يستوجب من الجزائر استكمال جهدها في دعم الانتقال الديمقراطي الهادئ، مثلما ساهم الرئيس بوتفليقة شخصيّا في رعاية التوافقات السابقة، عوض فتح مصير المنطقة على المجهول، فهل ينقذ الرئيس صديقه الغنوشي من مخالب المغامرات الطائشة؟

مقالات ذات صلة