-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بومدين: اذهب وأطلق رصاصة.. ثم عُد إليّ!

بومدين: اذهب وأطلق رصاصة.. ثم عُد إليّ!

ما حققته الجزائر باختراق الانقسام الفلسطيني يكتسي أهمية سياسية وقومية كبيرة، ليس فقط بنجاحها في جمع الفصائل الفلسطينية على طاولة الحوار والوصول بها إلى التوقيع على ميثاق مصالحة جديدة بعد 15 عاما من التمزق والاقتتال، بل في إحياء القضية المركزية والدفع بها من جديد إلى واجهة الاهتمام العربي والدولي.

لقد سعت قوى عالمية وإقليمية، خلال السنوات الأخيرة، بما فيها دول عربية متواطئة، إلى دحرجة القضية الفلسطينية وشطبها من الأجندات العربية والدولية، مستغلة وضع التشرذم العربي والانقسام الفصائلي، لتترك الشعب الفلسطيني وحيدا في مواجهة الغطرسة الصهيونية المسنودة من مراكز القرار العالمي.

لذلك، فإن “إعلان الجزائر” يرقى في حدّ ذاته إلى مستوى الإنجاز العربي، لأنّ الاقتراب من القضية الفلسطينية، بالدعم والرعاية والمرافقة التصالحية، في ظل اختلال موازين القوى الدولية، مقابل الهرولة نحو التطبيع والخيانات العلنيّة، يشكل جرأة سياسية كبيرة من القيادة الجزائرية، تعبر عن صدق الارتباط الحضاري والقومي بفلسطين والإرادة الجادة في إسناد حقوقها الثابتة كاملة وغير منقوصة.

إنّ ما أقدم عليه الرئيس عبد المجيد تبون بكل عزم وشجاعة، بالمبادرة إلى لمّ الشمل الفلسطيني، يعيد للجزائر دورها التاريخي والريادي في احتضان الحركة التحريرية الفلسطينية، ويضع جهده المقدّر عاليًا، فلسطينيا وعربيّا ودوليّا، ضمن المواقف التاريخية لقادة الأمة، منذ إنشاء الكيان الصهيوني الغاصب على أنقاض المقدسات العربية والإسلامية.

لقد كانت الجزائر أول داعم ميداني وتأسيسي لحركة التحرير الفلسطينية، وفق ما يوثقه نبيل شعث، في مذكراته “حياتي… من النكبة إلى الثورة”، وهو من أبرز القادة المؤسسين لـ”فتح”، نقلا عن الرئيس الشهيد ياسر عرفات.

وسبق للمجاهد الأسير، مروان البرغوثي، أن كشف عام 2010، أنّ أول مكتب لحركة فتح عبر العالم كان بالجزائر، برئاسة “أبو جهاد”، وأنّها درّبت أولى المجموعات الجهادية على السلاح.

وحين خطط أبو عمار منتصف ستينيات القرن العشرين في تفجير العمل المسلح ضد الاحتلال، توجه نحو قبلة الثوار والأحرار، حيث يذكر نبيل شعث أنه طلب من هواري بومدين (كان وزيرا للدفاع في 1964) دعمهم بالسلاح والتدريب والأموال، لإطلاق الكفاح الفلسطيني، فرّد عليه بوخروبة بالقول: “اذهب وأطلق رصاصة.. ثم عُد إليّ”.

وبعدها مباشرة وفّى الزعيم بومدين بوعده، مثلما يذكر العقيد الطاهر الزبيري، قائد الأركان (1964/1967)، في مذكراته “نصف قرن من الكفاح”، حيث أمره بإصدار الأوامر للنقيب عبد الرحمن بن عطية، مسؤول مخازن الأسلحة الجزائرية في ليبيا وتونس ومصر وسوريا والأردن، (تعود لسنوات الثورة)، ليسلمها لقادة التحرير الفلسطيني.

ولاحقا تستقبل الأكاديمية العسكرية بشرشال 57 متطوعا للتدريب العسكري في أول دفعة من جيش التحرير الفلسطيني.

وبعد عشر سنوات، ستنجح الجزائر، مستثمرة وهجها الثوري والدبلوماسي لصالح الشعب الفلسطيني، في تسجيل اعتراف الأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1974.

وظلت الجزائر متشبثة بموقفها المبدئي الداعم لحركات التحرر، وفي المقدمة منها القضية الإسلامية والعربية الأولى، لتحتضن المجلس الوطني الفلسطيني “التوحيدي”، قبل تتويجه بإعلان دولة فلسطين من قصر المؤتمرات بأرض الشهداء في 15 نوفمبر 1988، ولذلك تعمدت الرئاسة الجزائرية تخصيص نفس القاعة لتوقيع وثيقة المصالحة، في اختيار رمزي لإحياء التاريخ المجيد والدفع بميلاد جديد للقضية الفلسطينية، بعد ما تكالب عليها الأعداء والأشقاء في زمن الردّة وتجارة العبيد الجدد.

من أجل ذلك، يحق للجزائريين اليوم، وكما أكد رئيس الجمهورية، الافتخار بما صنعوه وسيبقى الحدث يومًا تاريخيّا من الأيام الخالدات في سجلّ الجزائر والقضية والأمة قاطبة، أحبّ من أحبّ واستاء من شاء، سواء التزمت الأطراف الفلسطينية بما توافقت عليه أو نقضت عهدها.

وما نجحت الجزائر في وساطتها بين الأشقاء، إلا لكونها صادقة وجادة في انحيازها للشعب الفلسطيني، ومن دون أجندات خاصة ولا متاجرة بالملف في أروقة الكواليس العربية والدولية، وقد شهد إسماعيل هنية، بأنّ “الطاقم الجزائري أدار الحوار قرابة سنة كاملة، متحليًّا بالصبر، ولم يتدخل في فرض أي رؤية من أي جانب كان”.

ولا تزال القيادة الجزائرية مصممة على ضمان تطبيق ما توافق عليه الفلسطينيون، وافتكاك دعم عربي للاتفاق، من خلال طرحها لمخرجات الوثيقة على القمة العربية المقبلة، لإقحام جميع المعنيين من الدول المحورية ذات الصلة بالملف، وهو ما يتجلّى من خلال التنصيص على آلية الإشراف الجزائري العربي.

وقد كانت إرادة الرئيس تبون واضحة منذ ديسمبر الماضي، حينما استقبل محمود عباس في الجزائر، فقد تعهد بالسعي إلى وضع القضية الفلسطينية في صلب أولويات القمة، وها هو يفي بعهده، لتصبح الكرة الآن في مرمى قادة الأنظمة العربية الملتئمين قريبًا.

وإلى ذلك الموعد المرتقب، فإن أبناء المجاهدين وأحفاد الشهداء سيبقون على عهد إمامهم البشير الإبراهيمي القائل “إن فلسطين وديعة محمد صلى الله وعليه وسلم عندنا، وأمانة عمر في ذمتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذها اليهود منا ونحن عصبة إنا إذًا لخاسرون”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!