-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بومدين المشروع..أو خيانة.. “حراس المعبد”!

محمد عباس
  • 6023
  • 0
بومدين المشروع..أو خيانة.. “حراس المعبد”!

ترى هل أن تصفية الحسابات مع الموتى مفيد سياسيا؟! وهل هو مقبول أصلا من الناحية الأخلاقية، علما أن الثقافة الشائعة في محيطنا تقول :”أذكروا موتاكم بخير”؟!

مثل هذه الأسئلة تبادرت إلى ذهني في الآونة الأخيرة، بعد أن حاول بعض “السياسيين” الإساءة إلى الرئيس الراحل هواري بومدين في سياق الجدل المثار – عبثا – حول استشهاد الفقيد عميروش.. هذه المحاولة “الخائبة سلفا” ذكرتني بموقف إثنين من كبار قادة الثورة الجزائرية من الرجل، ونعني بهما الفقيد محمد بوضياف وأحمد بن بلة أمدّ اللّه في عمره.

لقد كان لكل من هذين الزعيمين حسابات – متراكمة! – لأن بومدين باختصار حرم الأول من حقه – المشروع – في تبوإ مكانة مرموقة في هرم السلطة في صائفة 1962، وأطاح بالثاني بعد أن أذاقه – لفترة قصيرة – طعم السلطة ونشوتها!

ومع ذلك، بادر بوضياف بتطليق المعارضة، والتنازل عن ريادته “لحزب الثورة الاشتراكية” – ثاني حزب معارض بعد حزب مصالي – بعد أن شاهد الأمواج البشرية المتلاطمة، وهي تودع الرئيس الراحل إلى مثواه الأخير يوم الجمعة 29 ديسمبر 1978.

وتحاشى الرئيس بن بلة بدوره غداة الإفراج عنه مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، أن يذكر بسوء حليفه الذي انقلب عليه وحبسه نحو 14 سنة.

لا شك أن في موقف هذين الزعيمين سموّا روحيا وأخلاقيا، لكن هناك أيضا جانب الحسابات السياسية الذي لا يمكن إغفاله: لقد قدر هذان السياسيان أن تصفية الحساب مع القائد الراحل غير مفيد سياسيا، إن لم يكن العكس هو الصحيح، علما أن شرائح واسعة من المجتمع ماتزال تتعاطف معه إلى يومنا هذا.

طبعا لم يكن الرئيس الراحل محل إجماع، حتى وهو في أعزّ سنوات حكمه ومجده، لكنه مع ذلك لا ينكر إلا حاجد، أنه استطاع – بجده واجتهاده وصرامته وتقشفه – أن يقنع فئات واسعة من المجتمع، بأنه صاحب مشروع بناء وطني لفائدة الأغلبية الساحقة. وتبرز هذه المزية أكثر على ضوء تجارب الرؤساء الذين خلفوه – من بن جديد إلى بوتفليقة – وكلها تجارب لا تحمل برامج ملموسة واضحة، اللهم إن كان التراجع عن منجزات بومدين، “برنامجا” في حد ذاته!

لقد فرض الرئيس الراحل تقشفا صارما على البلاد، لأن همّه الأول والأخير كان الاستثمار ثم الاستثمار، لتمكين الجزائر المستقلة من التجاوب بسرعة، مع الطموحات المشروعة المتولدة عن ثورة التحرير المباركة.

لقد استثمر في قطاعات استراتيجية حيوية: الثروة البشرية، التصنيع، الإعلام الآلي.. كما حافظ على رصيد الثورة الجزائرية وإشعاعها، بما يمكن أن يخدم التطلعات المشروعة لهذه الاستراتيجية المتكاملة.

في ميدان التصنيع مثلا، وضع بومدين حجر الأساس للصناعات الميكانيكية والإلكترونية والكيماوية والكهرومنزلية والصيدلانية.. وهلم جرا.. وأقنع في هذا المجال دولا عظمى بالتعاون النزيه مع الجزائر، مثل ألمانيا في الصناعات الميكانيكية واليابان في الصناعات الإلكترونية..

وبدأ المواطن الجزائري يستهلك منتجات صناعة بلاده، بل بدأ يتطلع – مع حكومته – إلى تصديرها.. على سبيل المثال:

1- أن شاحنات سوناكوم كانت تشارك في رالي باريس- الجزائر – داكار.

2- أن قمصان “شريعة” (قطاع خاص) كانت محل افتخار، لأنها كانت تسوق في بعض العواصم الأوروبية.

3- أن شفرة الحلاقة “سفير” كانت تهرب إلى البلدان المجاورة لأنها كانت أفضل من “جيلات”: بإمكان المستعمل أن يحلق بها ذقنه كذا مرة! هذه مجرد إشارات عابرة لمشروع بومدين الطموح: مشروع استراتيجي، كان سيؤثر – لو تواصل بعده – حتما على موازين القوى في المنطقة، أحب من أحب، وكره من كره..وأذكر في هذا السياق أن زميلا تونسيا بالجامعة كان – أواخر الستينيات – يحسدنا على بومدين، ويتمنى له نفس الوقت أن يستمر في الحكم ثلاثة عقود على الأقل.

ولبومدين أخطاء بدون شك، وهي أخطاء لا يمكن إلا أن تكون كبيرة، حسب همّة الرجل وما كان يريد لشعبه وبلاده. ويمكن أن نكتفي بخطأين جسيمين، ساهما إلى حد كبير في صنع مأساة جزائر اليوم:

❊ بومدين كان رجل دولة، لكن ما لبثت الاعتبارات السلطوية أن جرفته.. لقد أحاط نفسه بشلة من “حراس المعبد”، همّهم الأول والأخير هو الحفاظ على “الكرسي” أو التحفز للقفز عليه!

بومدين كان يحمل مشروعا استراتيجيا طموحا – وخطيرا بمنطق موازين القوى – لكنه لم يحرص على تأمين هذا المشروع – حرصه على تأمين سلطته.. لقد تبيّن بعد وفاته أن عيون “حراس المعبد”، ظلت – طوال عهده – مسمَّرَة في كرسي المرادية، وكأنها لذلك لم تر ولم تسمع – ولم تعِ! شيئا يذكر عن مشروع التنمية الشاملة! والآفاق الواعدة التي يفتحها أمام الجزائر وطنا وشعبا!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!