بين البغدادي والسّيستاني!
كل المعطيات تشير إلى أن العراق مقبل على حرب طائفية لم يشهد لها التاريخ مثيلا، في ظل حالة التأجيج التي أعقبت ثورة العشائر في المناطق السنية المتحالفة مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”داعش” وبقايا حزب البعث.
فالمالكي الذي أسّس نظاما طائفيا في أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق لم يجد حلا وهو يرى جنوده وضباطه يفرون من ساحات المعارك إلا المرجعية الدينية الشيعية لتكون في نصرته بإصدار فتوى تدعو أبناء الطائفة الشيعية لحمل السلاح والجهاد ضد الطائفة السنية، تحت مبرر حرب الإرهاب.
والغريب أنّ السّيستاني الذي “طأطأ” رأسه للاحتلال الأمريكي، وسمح باغتصاب بلده وتدمير جيشه، ولم يصدر عنه ما يشير إلى رفض الواقع الذي فرضه الأمريكان، تحوّل الآن إلى بطل قومي يقود شعبه لمواجهة بعبع القاعدة وإرهابيي داعش الذين هزموا جيشا كامل التعداد والعتاد !!
وبالمقابل لا تتورع عصابات “داعش” التي استغلت حالة الانقسام الواضحة بين الشّيعة والسّنة، لتعود بقوة وترتكب الموبقات في حق المدنيين والعسكريين الأسرى، حيث تم إعدامهم بطريقة بشعة لا تمت إلى الإسلام بصلة، وهو السلوك الذي شوّه ثورة العشائر ضد المالكي ورسّخ الانطباع لدى العالم أجمع بأن الأمر يتعلق بسيطرة جماعات جهادية متطرفة على شمال العراق، ولا يتعلق بثورة عشائرية سببها التّوجه الطّائفي للحكومة العراقية.
سيضيع العراق بين متطرفي الشيعة الذين سارعوا إلى تلبية نداء السيستاني وحملوا السلاح جماعيا في مشاهد “درامية”، وشرعوا في أعمال تصفية عرقية تستهدف السّنّة ورموزهم، وبين متطرّفي السّنة في تنظيم داعش الذي استعار أدبيات من القرون الماضية ومضى في عمليات القتل، لدرجة أن العديد يكاد يجزم بأن هذا التنظيم يعمل لصالح النظامين السوري والعراقي الطائفيين، لأنّه يبيّض صورتهما أمام العالم ويقدمهما في شكل أنظمة مدنية تحارب قوى الشّر والظلامية.
إن أي محاولة لمساعدة العراق في هذه المرحلة التاريخية الحساسة لا ينبغي أن تكون بالتحيّز لطرف على حساب الآخر، وهو أمر بدأت بوادره في الأوساط الخليجية، لأن الحرب الطائفية إذا استمرت وتوسعت في العراق ستصل مستويات غاية في الخطورة، يكون ما يحدث في سوريا معها مجرد لعب أطفال!!
إذا لم تتحرك الأصوات المعتدلة في العالم الإسلامي وتضع حدا للفتنة الطائفية في هذا البلد، فإن الحديث عن العراق يكون شيئا من الماضي، في ظل هذه المواجهة المفتوحة بين السيستاني والبغدادي.