-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين انتصارنا وهزيمتنا لغة

صالح عوض
  • 6796
  • 2
بين  انتصارنا  وهزيمتنا  لغة

الأمم العظيمة ليست هي تلك التي تنتفش حين انتصارها وتصبح مهابة حين تملكها عناصر القوة وتكون كلماتها قاطعات.. بل هي التي تصمد في النائبات وتصبر على الجسام من التحديات وتتألم بكرامة وتتوجع بصمت..

  • الأمة العظيمة هي التي تواجه الهزيمة وترى من بين شروخ الواقع بصيص الإنتصار فإن انحنت فلكي تجمع من اسباب النهوض مايكفي، ولكنها رغم ذلك كله تحفظ قصيدتها كاملة، ولم يختلط لحن حدائها باي من نعيق البوم وصوت الميئسين.
  • أجل ان لغة هي التي تفصل الانتصار عن الهزيمة.. وهنا تتجلى روعة تلك القصة المعبرة التي جاءت في الاثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل رجلا من المسلمين يتحسس اخبار العدو وقال له: ان رأيتهم أكثر منا قوة وأوفر عدة فأخبرني أنا فقط، وان كنت رأيتنا نحن الأكثر قوة وعدة فأخبرني أمام المسلمين، أو كما قال رسول الله.. وبينما رسول الله جالس بين المسلمين بالمسجد جاء الرجل والناس جميعا ينتظرون بما سينبئهم.. فمال الى رسول الله واخبره بما رأى.. فبش وجه الرسول وتوجه الى الناس قائلا ابشروا بالنصر.
  • أجل، لغة هي التي تفصل الانتصار عن الهزيمة، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال هلك المسلمون فهو أهلكهم.. لأن اللغة هنا تعني البحث عن وسيلة استنفار القوة واستنهاض العزائم، وذلك يعني أن اللغة ليست معزولة عن منظومة الفعل بل هي بدايته المقدسة.
  • ولئن الحياة والتدافع تتجاذبهما قوى الانتصار وهوابط الدعة ولا يكون التقدم مطلقا ولا الهزيمة أبدية، ومن هنا بالضبط كان حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن بشروا وسددوا.. وكان هتاف الوحي بنا أن لاتيأسوا.
  • من هنا بالضبط يصبح على المفكر الملتزم بقضايا امته والمدافع عن كرامتها وسيادتها التحرك دوما كطبيب وفدائي وخادم ومجتهد، فكما أنه عليه ان يفكر في سبل الانتصار، عليه ايضا ان يبحث في امته عن ركائز النهوض، ويشير اليها ويسكن ضمير امته اليقين المنطقي بإمكانية الانتصار‭..‬‮ ‬وهنا‭ ‬تصبح‭ ‬المعرفة‭ ‬مسؤولية‭ ‬والكلمة‭ ‬مسؤولية‭ ‬ويصبح‭ ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬مايعرف‭ ‬يقال،‭ ‬بل‭ ‬يقال‭ ‬ماهو‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬استنهاض‭ ‬الهمة‭ ‬والعزيمة‭.
  • وحتى ننتقل من هذه الخطوة، نعلن أن ليس أية لغة هي المقصوده هنا.. ليست أية لغة كيفما اتفق بل هي لغة ممتلئة وعيا بالواقع من كل جهة ومنفتحة على المستقبل.. انها لغة متشبعة بالتجربة التاريخية للأمة وبرموز انتصاراتها وبتأمل لحظات التحدي التاريخية فيها.. لغة منفتحة‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬خططه‭ ‬وأساليبه‭ ‬النفسية‭ ‬والإعلامية‭..‬‮ ‬وهنا‭ ‬تصبح‭ ‬اللغة‭ ‬محصنة‭ ‬ضد‭ ‬الاختراق‭ ‬وضد‭ ‬الإقصاء‭..‬‮ ‬انها‭ ‬الأقرب‭ ‬للواقع‭ ‬والأقرب‭ ‬للضمير‭ ‬والأقرب‭ ‬للطموح‭ ‬والأمل‭.
  •  ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬ايضا‭ ‬نريد‭ ‬ان‭ ‬نرى‭ ‬واقعنا‭ ‬كما‭ ‬هو‭..‬‮ ‬فليس‭ ‬الأمر‭ ‬سوداويا‭ ‬تماما‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬المثقف‭ ‬المسؤول‭ ‬والمفكر‭ ‬الملتزم‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬فيرى‭ ‬العناصر‭ ‬الإيجابية‭ ‬ويسلط‭ ‬عليها‭ ‬الضوء‭ ‬ويبني‭ ‬عليها‭.
  • المهم هنا التأكيد على ان امتنا رغم كل ما لحق بها خلال القرون الاخيرة من انكسارات وهزائم وما حل بها من مآس وجرائم، الا انها لم تنهار ولم تستسلم ولم تستبدل عناوين هويتها ورموزها.. بل انطلقت كلما لاحت فرصة لتقارع الامبراطوريات العنيفة الشريرة وتسقطها ارضا في معارك طاحنة كما حصل في الجزائر ضد فرنسا وفي العراق وافغانستان ضد الأمريكان وهكذا.. وكانت الامة في هذه المعارك حاضرة بكل رموزها خالد وعمر وسعد وطارق وعلي وابوعبيدة وخمزة.. كما أن شعار الاسلام الخالد الله اكبر كان كلمة السر، لكل قفزات الأمة وصولاتها..  وكانت‭ ‬الشهادة‭ ‬الحرة‭ ‬والوثابة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬بدر‭ ‬واحد‭ ‬والمعارك‭ ‬كلها‭..‬‮ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يصبح‭ ‬المنطقي‭ ‬والواقعي‭ ‬أن‭ ‬يبنى‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الروح‭ ‬التي‭ ‬لاتشيخ‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭.
  • انها اللغة المنتصرة التي تنادي في الانسان ارقى مافيه من همة ومشاعر وانبل مافيه من قيم ومعان.. اللغة التي ترتقي بروحه وتحررها من وهاد السقوط وارتكاسات الهزائم وانحدارات الحضارة.. اللغة التي تصبح نداء الروح.
  • ونريد ان نسأل لمن يحاول الآن ان يقول لنا وماذا ستفعل اللغة؟ نقول له وما البديل عن اللغة في هذه المرحلة؟ البديل هو تكرار لغة الأعداء والمحبطين والمرجفين والذين يريدون إرهاق المجتمع وايصال روحه الى قعر الهزيمة.. وهكذا نستذكر قيمة اللغة في الحروب والمعارك، وكيف كان للغة دور حاسم في تحقيق الانتصار في اكثر من موقعة سيما المواقع الاستراتيجية.. ومن المعلوم ان لغة الهزيمة والمرجفين مرفوضة ومكروهة ومنبوذة ومحرمة، بل ان لغة اليأس تعتبر دربا للكفر حسب التصور الاسلامي.
  •  ‬وهكذا‭ ‬تصبح‭ ‬اللغة‭ ‬تؤدي‭ ‬وظائف‭ ‬متعاكسة‭ ‬فاما‭ ‬لغة‭ ‬تنهض‭ ‬بنا‭ ‬روحيا‭ ‬وتهدينا‭ ‬الى‭ ‬سبيل‭ ‬العزة‭ ‬والانتصار،‭ ‬واما‭ ‬لغة‭ ‬تزيد‭ ‬في‭ ‬استسلامنا‭ ‬وهزيمتنا‭ ‬واحباطنا‭ ‬كي‭ ‬يفعل‭ ‬العدو‭ ‬بنا‭ ‬اكثر‭ ‬مما‭ ‬فعل‭..
  • بين انتصارنا وهزيمتنا لغة.. ولكن لايظنن أحد ان المطلوب هنا هرطقة وهترفة بما ليس فيه علم ولا توازن ولكن المطلوب هنا قراءة للحقيقة من زاوية غير تلك التي يريد العدو ان نرى من خلالها.. لأننا ندرك أن الموضوع الواحد يمكن أن يقرا من أكثر من زاوية والعدو، يحاربنا حربا‭ ‬لارحمة‭ ‬فيها‭ ‬ولايريد‭ ‬لنا‭ ‬ان‭ ‬ننهض‭ ‬من‭ ‬كبوتنا‭ ‬ويعملون‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬الى‭ ‬ايصالنا‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬نستبدل‭ ‬هويتنا‭ ‬وثقافتنا‭ ‬ورسالتنا‭.
  • ان تكبير الأخطاء وابراز المثالب والتشهير بالسقطات هو اسلوب غير مسؤول ولا ينسجم مع روح الامة وطموحها في النهضة، بل هو يسير فيما يراد لشيطنة الأمة واخراجها من سترها، الى ان تصبح تلوك بالمحرم، وكأن لاحرمة لديها ولا حياء.. وهنا نرى كم هو الإسلام العظيم، متميزا‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬نقوم‭ ‬بإشاعة‭ ‬الفاحشة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المؤمنين‭ ‬وضرب‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬المرجفين‭ ‬الذين‭ ‬يطلقون‭ ‬إشاعات‭ ‬الإحباط‭ ‬والإفساد‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.
  •  في مقابل ذلك نتابع الآن عناد الامة وبحثها عن مخرج من تحت هذا الحطام الرهيب ونتحسس فيها روحا واندفاعا، يتطرف حينا ويغالي حينا، لذلك لابد من لغة مضبوطة متوازنة راشدة متفائلة، تقنع المتحمس وتنهض بالمتكاسل وتزيح الوهن عن المحبط وترسم طريقا للنصر القادم.
  • اننا نمتلك كل عناصر النهضة والانتصار، وكل مانحتاجه عملية ترتيب لأفكارنا وأشيائنا وأشخاصنا، وهي عملية ليست صعبة أو ليست مستحيلة، وستجد سبيلها عندما نسلط النور على معاني ضرورية في حياتنا لها علاقة بالكرامة والعزة والحياة الإنسانية السامية.. ولا يفصلنا عن النهوض‭ ‬سوى‭ ‬كلمات‭ ‬والله‭ ‬يتولانا‭ ‬بنصره‮.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • بدون اسم

    السلام عليكم بالاك الله فيك

  • محمد

    بارك الله فيك على هذه الكلمات الطيبة ولكن هذه اللغة تخرج من فم رجل ذو لب يرتكز على قاعدة صلبة من الرجال الصادقين(الجماعة) ,فلنبحث عن هذا النوع من الرجال أوالجماعة.