-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بُوشَعْشُوعَة ومَالاَكُوفْ والسَّاسِي.. مقاهٍ تاريخية صنعت الفن والسياسة والحرب

فاروق كداش
  • 1203
  • 0
بُوشَعْشُوعَة ومَالاَكُوفْ والسَّاسِي.. مقاهٍ تاريخية صنعت الفن والسياسة والحرب

لم تكن المقاهي قبل الاستقلال مكانا لارتشاف فناجين القهوة والشاي والتدخين فحسب، بل اشتهرت بعضها كأماكن إشعاع ثقافي وصالونات للأدب والشعر، وتميزت القليل منها بكونها ملتقيات لمناقشة الأمور السياسية، ومتنفسا للحديث عن الاستعمار، بعيدا عن عيون وآذان الجواسيس… الشروق العربي، طرقت الأبواب القديمة لمقاه صارت رمزا للثورة والفن والأدب.

قامت المقاهي في عهد الاستعمار بدور ترفيهي كبير، وكان روادها من الموسيقيين والمغنين ومتذوقي الأندلسي والحوزي والشعبي والمالوف، من بينها مقهى العريش الذي يطل على “الخربة” أو “دار الغولة”، بمحاذاة السور الجنوبي الغربي للمدينة سيدي عبد الرحمن. ويعد من بين أقدم المقاهي في العاصمة، إذ يرجع بناؤه إلى العهد العثماني والشاهد الوحيد على قدم وعراقة المقاهي الجزائرية.

أكبر مقهى في العاصمة، كان مقهى “القهوة الكبيرة”، ويتربع وسط ساحة الشهداء، وغير بعيد منه يمكن أخذ قسط من الراحة وارتشاف القهوة في مقهى “القهوة الصغيرة” ومقهى بجاية.

لم تعد هذه المقاهي موجودة بعد أن طالت جدرانها أيادي الاستعمار، إذ تم هدمها بسبب أشغال تهيئة القصبة السفلى.

المقاهي لا تهدم بل تغير المكان

وعلى أنقاض القهوة الكبيرة والصغيرة وبجاية، برزت مقاه أخرى حملت مشعل الفن والأدب، مثل مقهى مالاكوف الذي ارتبط بمالكه الحاج محمد العنقى. وهذا، لفترة طويلة من الزمن.. وكان يرتاده عشاق الشعبي للاستمتاع بأصوات هذا الفن الجميل وصانعي أمجاده، على غرار بوجمعة العنقيس وعليلو وعمر مكرازة والحاج كشكول وحسن السعيد والشيخ منمش والمعلم بن فراشو ومحمد بن علي سفنجة والشيخ السعيدي والشيخ ابن التفاحي ومخيلف بوشعرة.. مالاكوف كان أيضا قبلة للمستشرقين وعشاق الموسيقى الجزائرية من الأوروبيين، من أشهرهم كاميل سان سانس وفرانسيسكو سالفادور دانيال.

وإن كان مالاكوف رمزا للحاج العنقى، فقد كان مقهى الساسي مرتبطا بصاحبه اليهودي، ألفريد لبراطي، الشهير باسم الساسي. وكان هذا الأخير يحيي حفلات تقليدية في ديكور موريسكي بحت. واشتهر مقهى الساسي بالقعدات الفنية، التي كان يحييها الشيخ العربي بن صاري، وفي ما بعد، نجله رضوان بن صاري.

كانت المقاهي مرتبطة بأشهر شيوخ الشعبي، فمقهى لاريجونس كان مسرحا لحفلات الحاج المنور، وشهد “كافي دي سبور”، القريب من جامع كتشاوة، سهرات صاخبة، كان يحييها الحاج المحفوظ البليدي، وكان مقهى أيديال يتشرف بغناء شيخ الشيوخ الحاج محمد العنقى فيه.

خارج أسوار الجزائر بني مزغنة، اشتهرت مقاه لا تقل شأنا عن مالاكوف، مثل مقهى بير مراد رايس وبير خادم ومقهى الحامة، الذي صار إبان الاستعمار مقهى “كافي بلاتان”، الذي كان صالونا أدبيا يلتقي فيه المستشرقون وعشاق الثقافة العربية من الفرنسيين والغربيين بشكل عام، وأيضا المغامرون الذين يستقطبهم جمال الجزائر.

اعتبر كتاب فرنسا ومستشرقوها أن مقاهي العرب ليست إلا مجرد فضاءات للترفيه عن النفس، وأيضا أماكن للبكاء على الأطلال، وقد قال أرنست فيدو عام 1862 في حديثه عن مقهى حيدرة: “هو مقهى يجتمع فيه العرب الأكثر حزنا على وقوع بلادهم تحت سيطرة فرنسا”.. أما الشاعرة والمغامرة “أيزابيل إيبرهارت”، فوصفت مرتادي المقاهي بالبؤساء والشعراء الهائمين وعازفي القمبري الذين لا أصل لهم.

مقاه أخرى، لم يكن لها دور كبير، لكنها كانت تواسي الرجال في محنهم، مثل الطاولات تحتضن همومهم فيتبادلون أطراف الحديث، وينفسون عن كربهم ولو لوقت قصير، مثل مقهى “بوشعشوعة” ومقهى “زنقة سيدي محمد الشريف”.

قهوة ولاتاي يا الفاهم

ارتبطت المقاهي في الجزائر بني مزغنة بمشروبات عدة، مثل قهوة الجزوة والشاي بالنعناع والشاربات وأيضا بمشروب الجزائريين الأول، “حمود بوعلام”، الذي ظهر في ثمانينيات القرن التاسع عشر، ولم تكن المقاهي مكانا عفنا، بل كانت روائح الياسمين تفوح في كل زاوية من زواياه، باعتبار أن النظافة لم تكن حينها من شيم الفرنسيين بل ديدن الجزائريين، رغم فقرهم، بدليل العدد الكبير للحمامات التي كانت قائمة ولا تزال شاهدة على ماض أراد الاستعمار تدنيسه ولم يوفق في مخططه الدنيء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!