تباشير 17 أكتوبر.. تأسيس للاعتراف والاعتذار
شعور بالتفاؤل ينتاب المتتبع وهو يرى تعامل النخبة مع “أحداث” 17 أكتوبر 1961، هذا الشعور ليس حالة عاطفية عرضية، بل قناعة صنعتها تقاطعات عدة حقائق وبديهيات، فأولا تواتر ذكريات المجازر المرتكبة واستحضارها يوميا لا يدع مجالا لأي تطبيع يقفز على الذاكرة، بتقطيع الورقة أو حتى طيها، وثانيا، لأن هناك صحوة ذاكرة لدى النخبة في الجزائر، آمنت بها كقضية ونقلتها الى المحافل السياسية والفنية الدولية، وثالثا، لأن تعامل مؤسسات المجتمع المدني والأسرة الإعلامية الفرنسية مع “أحداث” 17 أكتوبر، وباقي “الأحداث”، حمل هذه السنة حرارة غير عادية ولمسة أكثر تعاطفا وإدراكا لضرورة تأريخ ما حدث من وقائع، وذهب الى حد الدعوة إلى الاعتراف بها كمجازر، وهي خطوة شجاعة، تساهم في كسر الطابوهات ورفع حدة الحرج من الماضي الدموي الذي يلاحق الذاكرة الفرنسية، وتؤسس ذات يوم للاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي في حق الجزائريين.
- يوم أمس الأول فقط، سوّق الإعلام الفرنسي “بتحفظ” للمجتمع السياسي الفرنسي اعترافا مستقبليا بجرائم الاستعمار في الجزائر، وهي تنقل تصريح فرانسوا هولند، المرشح الاشتراكي لمقارعة الرئيس الحالي ساركوزي، والفوز بالرئاسات المقبلة، في حوار لـ”جون أفريك”، حين قال “أتمنى أن تقال كل الأمور، نحن مقبلون على الاحتفال في 2012 بالذكرى الـ50 للاستقلال الجزائري، هذا سيكون مناسبة للتذكير بما هو الماضي، التاريخ وآلامه العديدة”، وأضاف “حان الوقت لتقدم فرنسا اعتذراتها عن 132 سنة من الاستعمار في الجزائر”، وهو كلام ينم عن اقتناع ذاتي بالمسألة، بما أنه سبق وأن أعلن عن نفس الموقف خلال زيارته الجزائر في ديسمبر 2010، بل وأكد أنه يجب إدانة الاستعمار.
- وإذا كانت هناك أطراف في فرنسا ترفع صوتها المنادي بالإنصاف عن وعي متزايد، فإن هناك جهات تربط هذا الوعي بمصلحة انتخابية وسياسية تراهن على دور الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا، في حين يتحرك تيار آخر لوقف هذا التوجه بإثارة كل ما من شأنه التشويش على هذا التوجه المسؤول، وخاصة ما تسميه انجازات الاستعمار في الجزائر، أو جنة الجزائر الضائعة، أو مجازر الأفلان في حق الحركى، رغم أن المقاومة بطولة ومكرمة، والخيانة مذمة ولعنة.
- ومن دون شك، فإن مثل هذه الأصوات المطالبة بالاعتراف بجريمة 17 أكتوبر، موقف شجاع وكبير يستحق الإكبار، لأنه “يصدح” في مجتمع سياسي يرفض النظر الى ماضيه الاستعماري الدموي، خاصة وأن بعض صانعيه مازالوا على قيد الحياة، ولأن هذا الصوت الرافض أصبح المهيمن على الإليزيه ومؤسسات الدولة، من خلال ساركوزي، الدخيل على المجتمع الفرنسي وثقافته، وحتى يعرقل أو يلجم أية محاولة واعية ومدركة لدوران عجلة التاريخ، شحذ حرب ذاكرة غير نزيهة، وسارع الى سن قانون يمجد الماضي الاستعماري، ويعاقب كل من أراد تعرية دمويته، والتأكيد بأن الأبناء لا يتحملون مسؤولية أفعال آبائهم، وهو ابن مجند في الجيش الفرنسي عمل في ضواحي سيدي بلعباس، في منطق يتعارض مع ثقافة الدولة، حيث أن ألمانيا اعتذرت عن ماضيها النازي في فرنسا، واعتذرت فيه مع فرنسا عما طال اليهود من ملاحقات، كما اعترفت ايطاليا بجرائمها في ليبيا، وها هو يطالب أردوغان وبتبجح بالاعتراف بما يسمى جرائم الإمبراطورية العثمانية في أرمينيا، والتهديد بإحالة المسألة الى البرلمان الفرنسي!؟
- ومهما طال الزمن، فإن التاريخ والحقيقة سيصدحان ذات يوم...