-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تبون والحَراك.. اليد الممدودة لبناء الجزائر الجديدة

تبون والحَراك.. اليد الممدودة لبناء الجزائر الجديدة
الشروق أونلاين

لستُ من جيل تبون ولا من رجاله ولست مفوضا ولا مؤهَّلا للحكم له أو عليه، وإنما أريد أن أكتب ما أعتقد أنه أقلّ ما يجب من الإنصاف للرجل الذي ناله كثيرٌ من الإجحاف ومسَّه كثير من الإسفاف من قبل من يعدّونه جزءا من العصابة أو من يرون عهدته امتدادا للعهدة الخامسة، أو ممن يتلطفون قليلا فيعدُّونه من الحرس القديم الذي لا يصلح لإدارة العهد الجديد. لا يهمُّني ماضي الرجل وإنما يهمُّني حاضرُه وتوجهه نحو المستقبل وتهمني أكثر التعهدات التي أطلقها والتي التزم بتنفيذها في أول ندوة صحفية عقدها بقصر المؤتمرات بالجزائر العاصمة بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية، ندوة قال فيها ما يجب أن يقال على طريقة السياسي المحنك ورجل الدولة المتمرس.

ما شد انتباهي ولفت نظري في هذه الندوة حرصه على تعزيز ثقافة التغيير وديمقراطية حرية التعبير التي هي -كما قال- ثمرة من ثمار الحَراك الشعبي الذي وصفه بأنه “حَراك مبارك”، وأبدى استعداده للحوار المباشر معه أو من خلال من يمثله بـ”يدٍ ممدودة من أجل بناء الجزائر الجديدة”.

من الطبيعي في ظل الاحتقان السياسي القائم أن تختلف المواقف بشأن الدعوة إلى الحوار بين السلطة والحَراك الشعبي، بين من يعدّها مجرد مادة للاستهلاك السياسي والإعلامي، ومن يعدّها استجابة شرطية وظرفية ستزول مع مرور الوقت، ومن يعدّها دعوة متأخرة في الوقت بدل الضائع بالنظر إلى حجم الهوة المتفاقمة بين السلطة والحراك الشعبي، ومن يعدّها دعوة عديمة الجدوى بعد القطيعة المستحكمة بين الطرفين والتي تعمَّقت بفعل إصرار السلطة ومن يتفق معها في الرؤية على الانتخابات وإصرار الحراك الشعبي على رفض أي انتخابات في ظل بقاء ما يسميه رموز النظام البائد.

إن اختلاف المواقف ظاهرةٌ طبيعية تحدث في أرقى الديمقراطيات العالمية، ولكن في اعتقادي أنه حينما يتعلق الأمر بمستقبل الوطن فإننا ملزَمون بالتنازل عن مواقفنا وصياغة موقف واحد يحفظ وحدة الشعب ووحدة الوطن. ليس فيما قاله الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون بشأن الحراك الشعبي ما يدعو إلى الريبة، بل على العكس من ذلك إنه رسالة تطمين من أجل استعادة الثقة المفقودة بين الحاكم والمحكوم التي هي من مخلفات النظام السابق الذي كرّس رؤية سياسية أحادية تتخذ من الديمقراطية الشكلية وسيلة لاستمالة المعارضة للقبول بقواعد اللعبة السياسية.

لا سبيل لاستعادة الثقة المفقودة إلا بالحوار الذي هو قدرنا جميعا شئنا أم أبينا وخاصة في ظل تصاعد مظاهر الانزلاق والاختراق التي يسعى من يرعونها ويتولون كبرها إلى تأزيم الوضع السياسي من خلال تعطيل أو تخوين كل مبادرة للبحث عن الحلول ووقف سياسة الاتجاه نحو المجهول التي تستهدف الحراك الشعبي بالدرجة الأولى. إن الدعوة إلى حوار وطني مباشر مع الحراك الشعبي تصرٌّفٌ سياسي راشد لا يمكننا إلا أن نثمِّنها بغضِّ النظر عن مصدرها، فقد جاوز الحراك الشعبي شهره التاسع وأفصح عن كل مكنونه وعن كل مطالبه، وتوشك أن ترحل كل الباءات التي طالب برحيلها، ولكننا ننتظر أيضا أن ترحل مع الباءات كل اللاءات التي كانت عائقا من عوائق الحوار بين السلطة القائمة والحراك الشعبي. لقد التزم عبد المجيد تبون بتأسيس جزائر جديدة ونظام جديد لا يكون امتدادا للعهدة الخامسة، وينبغي سياسيا وأخلاقيا أن تقابَل هذه الالتزامات بقرينة البراءة لا أن يسارع “الرافضة الجُدد” لرفضها بالمرة ولأول وهلة مفوِّتين علينا هذه المرة، كما في كل مرة، فرصة تحقيق الإجماع الوطني. لقد التزم الرجل بإحداث التغيير وبإحداث القطيعة في الممارسة السياسية وقدم ضمانات والضامن مؤتمن، ولذلك من واجبنا أن نشد أزره لا أن نؤلب أو ننقلب عليه، لقد حان الوقت للانتقال من ساحة الاحتجاج إلى طاولة الحوار من أجل تجنيب البلاد مغبة الانسداد الذي يراهن عليه أباطرة الفساد دعما للفوضى الهدامة، إلى متى يبقى كل طرف متوجسا من الآخر رافضا له؟ وإلى متى نظل نبدع في تأطير المسيرات في حين نعجز أو نعرض عن كل مبادرة لإعادة اللحمة وإنهاء الأزمة وإعادة بناء مؤسسات الدولة؟

كتبتُ في جريدة “الشروق اليومي” منذ مدة وأكرره هذه المرة بأن الحَراك الشعبي عصيٌّ على الاختراق، وهذه حقيقة، لأن هذا الحراك يمتلك من وسائل المناعة والحصانة ما يسمح له بالحفاظ على سلمية مسلكه ووطنية توجّهه، ومع ذلك ينبغي أن يظل هذا الحراك يقظا ضد كل محاولات الاختراق التي تأتي من جهة “الماك” التي تحاول ركوب موجته لتحقيق مطالب مشبوهة أقلّ ما يقال عنها إنها تستهدف الوحدة الوطنية بالاستثمار في المناطقية والعرقية التي يرفضها الشعب الجزائري بكل مكوناته العربية والأمازيغية.

إن الحوار بين السلطة والحَراك الشعبي كما جاء على لسان الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون قد أضحى ضرورة ملحّة لا تقبل الانتظار وخاصة بعد مشاهد العنف التي لا يرضاها كل جزائري غيور على وطنه. إنه لا سبيل لوقف هذه المشاهد إلا بحوار وطني يعزز جبهة الوطنيين ويقوِّض جبهة المتآمرين.

إن الحوار بين السلطة والحراك الشعبي أضحى ضرورة ملحة من أجل قطع الطريق على المتسلقين الذين يخادعون الرأي العام الوطني والدولي بمعارك وهمية في الجزائر لا وجود لها في الواقع من أجل تبرير الاستنجاد بالقوى الخارجية لإنقاذ ما يسمونه “الأقلية المضطهَدة” وهي أجندة غريبة لا تمتُّ بصلة إلى مطالب الحراك الشعبي الذي قام منذ الجمعة الأولى لإسقاط النظام وليس لإسقاط الدولة ولتعزيز الديمقراطية وليس لخدمة النزعة الانفصالية.

إن دعوة الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون الحراك الشعبي إلى الحوار المباشر ينبغي أن تجد من فواعل الحراك الشعبي ومن الشباب على وجه الخصوص من يحتضنها فقد التزم الرجل أمام الرأي العام الوطني بتغيير النظام وتمكين الشباب من تولي مناصب المسؤولية التي كانت محرَّمة عليهم طيلة عشرينية كاملة في ظل سيطرة الحرس القديم وفكرة الشرعية الثورية التي لم تكن في الحقيقة إلا مبررا للإقصاء السياسي والاجتماعي الذي يتناقض مع نصوص الدستور وقوانين الدولة، وأعجب في هذا الصدد من أصحاب الأحكام المسبقة الذين يسارعون إلى رفض الدعوة إلى الحوار ابتداءً حتى قبل أن يطلعوا على فحواها بدعوى أن “رفض النظام يقتضي رفض كل ما يخرج من تحت عباءته”، وهذا الموقف غاية في التطرُّف لا يزيد في نظري إلا في تعميق الأزمة وتأجيل البحث عن الحلول وإطالة سياسة الاتجاه نحو المجهول.

أختم هذا المقال بما جاء في بيانات بعض الأحزاب السياسية حتى الراديكالية منها المعروفة برفضها لمبادرات السلطة، إذ أبدت هذه الأحزاب قبولها بالحوار كمبدأ لمعالجة الخلافات القائمة، فقد دعت جبهة القوى الاشتراكية إلى “حوار جادّ وإطلاق سراح موقوفي الحراك واحترام حريات التعبير والتظاهر والاجتماع”، وحذرت في الوقت نفسه من محاولة تنظيم “حوار مزيف في مؤتمر غير سيادي يهدف إلى المصادقة على خارطة طريق محددة سلفا وموضوعة على المقاس مسبقا”.

أتمنى أن تقبل كل الأطراف بفكرة الجلوس إلى طاولة الحوار وعندها لكل حادث حديث؛ إذ ينبغي أن تُدرس الطلبات والاقتراحات أولا بأول وتُتوَّج بوثيقة حوارية جامعة تكون منطلقا لبناء الجزائر الجديدة التي بشر بها الرئيس عبد المجيد تبون والتي نتمنى تحقُّقها في أقرب فرصة وأول سانحة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • ربيع برمضان

    تبون لا يغدو اكبر من مرحلة تثبيت اركان الدولة المحلحل بسبب الحراك و الفشلالاخلاقي الكبير على مستوى السلطة ...من يعول عليه في تشيد اركان متينة لجمهورية جديدة الكل يتطلع اليها ..اقول له اعد النظر فبماذا سيبنيها ..بالكاشيريست الذين دعموه او بالخبزيست الذين قفزوا من سفينة بوتفليقه او الانتهازيين و اضجاب الولاءات الشخصية الذين حطموا الجزاءر بسبب مصالحهم الصيقة ....نريد وجه
    جديد لا اكثر

  • جزائري

    هناك نوع من الاشخاص لا يعملون شيىءا يفيد احدا فوق هذه الارض. الشيىء الوحيد اللذي يفعلونه وربما لا بجيدونه هو الهدرة بالزاف blabla ووضع العصا في عجلة كل ما يتحرك. الحجة كلام فارغ حرية التعبيرَ! يعني يريد ان يمضي حياته لا يفعل شيىءا الا الكلام ويا له من كلام . البلد بحاجة للسواعد اما الكلام فلسنا بحاجة له لانه مقزز وجالب للتقيؤ.