الجزائر
متاعب في التخزين وسلوكيات احتكارية لابتزاز المواطن

تجار يلقون منتجات فلاحية في العراء لرفع الأسعار

صالح سعودي
  • 4686
  • 14
ح.م

لم يخف الكثير من الجزائريين استياءهم من الطريقة التي يتعامل بها التجار والموزعون الكبار مع الخضر والفواكه، بطريقة تزيد في متاعب المواطن البسيط، الساعي إلى أسعار تكون في المتناول، حيث كشفت بعض الفيديوهات المتداولة إقدام بعض التجار على رمي المحاصيل، مثل المشمش والتفاح والبطاطا والطماطم والتمور وغيرها، وهو الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات حول خلفيات مثل هذه التصرفات.
لم يتوان البعض في التشكيك في نوايا بعض كبار التجار حول سعيهم إلى احتكار اسعار الخضر والفواكه في موسم إنتاجها، بشكل لا يخدم القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، وإذا كان البعض فضل عدم وضع بعض الفيديوهات التي تشير إلى رمي كميات كبيرة من المحاصيل كمرجعية، إلا أن الكثير يؤكد على غياب الجدية وسط شريحة واسعة من التجار الذين يسعون في كل مرة إلى ضمان هامش واسع للربح بأقل جهد على حساب القدرة الشرائية للمواطن، وهذا في عز فترة جني ذلك المنتوج، مثل ما حصل سابقا مع منتوج المشمش، وذهب الأمر أيضا إلى منتوج البطاطا الذي لا يزال البعض يتذكر سيناريو رميه في الغابة بدل توجيهه إلى الأسواق، وذلك بحجة غياب أماكن التخزين، مثلما يحدث للتمور والطماطم وغيرها من المنتجات الفلاحية في حال الوفرة.
وذهب البعض إلى وصف مثل هذه التصرفات بممارسات شبيهة كانت تمارسها الدول الغربية، من خلال رمي كمية كبيرة من القمح في البحر، بغية الحفاظ على مستوى معين للأسعار، وهو السيناريو الذي يبدو حسب البعض مطبقا من طرف بعض الأطراف دون أن يتم مراعاة حاجيات المواطن البسيط، بدليل انه كثير ما تم الوقوف على وفرة الإنتاج، لكن يكون مصيره الرمي بسبب غياب آليات فعالة للتوزيع، في الوقت الذي تبقى أسعار ذلك المنتوج مرتفعة في الأسواق وفي عز فترة جنيه من الحقول.

لوبيات تسيطر على شبكات التوزيع والتسويق

أكد الدكتور نور الصباح عكنوش من كلية العلوم السياسية بجامعة بسكرة أن هذه الظاهرة ليست جديدة، وهي ذات صلة بآليات ضبط السوق بالنسبة للفواكه والخضر، وسيطرة لوبيات على شبكات التوزيع والتسويق، مضيفا أن هيمنة الوسطاء وكبار النافذين على السوق جعل الموضوع يتمظهر بهكذا صورة، وهو لا يرتبط حسب محدثنا بالبرتقال والحمضيات فقط، بل أيضا بالطماطم والتمور ومواد فلاحية أخرى تكشف عن وجود “يد خفية”، بل بمعنى “الفوضى” في تنظيم سوق من المفروض أنها حرة بمعايير العرض والطلب، لكن انتقال الاحتكار حسب محدثنا من الدولة كفاعل أساسي ووحيد إلى قوى أخرى لا صلة لها أصلا بالفلاحة، أنتج خللا مزمنا منذ سنوات، وتراكمت خلالها سلوكيات سلبية “طفيلية” الطابع على حساب النشاط الفلاحي الذي يدعم التنمية وينتج الثروة البديلة للريع، ويرى الدكتور نور الصباح عكنوش أن الحل الإستراتيجي يتمثل في تعزيز آليات الحوكمة الفلاحية عبر المراقبة والمساءلة والمرافقة والحماية للفلاح الحقيقي وللمستهلك من جهة، والتنسيق بين وزارات الفلاحة والتجارة وحتى الداخلية والدواوين ذات الصلة بالقطاع، والإتحاد الوطني للفلاحين وهيآت أخرى بشكل أفقي مستدام من جهة ثانية، لأن الموضوع في نظره بمثابة تحد تنموي ومستقبلي للبلاد والعباد، مؤكدا على ضرورة السير نحو نموذج اقتصادي جديد لا مكان فيه للبورجوازية الكسولة التي لا تعمل وتسعى للربح بأقل جهد، مخترقة كل مجال فيه مال ومادة، ولو على حساب غذاء الجزائريين .
من جانب آخر، أوضح الدكتور سامي مباركي من كلية الاقتصاد والتسيير بجامعة باتنة أن القضية في اعتقاده ليست مرتبطة بالحفاظ على أسعار هذا المحصول الزراعي أو غيره من المحاصيل، بقدر ما هو مرتبط بطبيعة هذا المحصول المعرض للتلف من جهة، وبوفرة المنتوج هذه السنة بعد تجديد القاعدة الزراعية، خاصة في المتيجة، عبر إعادة غرس أشجار البرتقال، مضيفا أن وفرة الإنتاج وزيادة العرض لم تقابلها إستراتيجية داعمة، سواء على المستوى التجاري أو الصناعي، فالمزارع حسب قوله وجد صعوبة في تسويق منتوجه رغم انخفاض الأسعار، وغاب الصناعي الذي يحول هذه الثمار إلى عصائر أو منتجات غذائية أخرى، وهو الأمر الذي سيؤثر حسب محدثنا على الإنتاج الفلاحي مستقبلاً، ما لم تقدم ضمانات للفلاح حول محاصيله الزراعية، سواء السعر الذي يغطي التكاليف ويحقق هامش ربح معقول، ولن يتحقق ذلك في نظر الدكتور سامي مباركي إلا بمرافقة الصناعيين للفلاحين في مختلف مراحل الإنتاج الفلاحي.

مقالات ذات صلة