-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬لتصفية‭ ‬الاستعمار

تحرّرت‭ ‬الشعوب‭ ‬ولم‭ ‬تتحرر

بشير مصيطفى
  • 10575
  • 10
تحرّرت‭ ‬الشعوب‭ ‬ولم‭ ‬تتحرر

اختتمت بالجزائر، أول أمس الثلاثاء، أعمال المؤتمر الدولي المخلد للذكرى الخمسين لقرار الأمم المتحدة 1514 المتعلق بتصفية الاستعمار وتقرير مصير الشعوب المستعمرة.

  • وتوج المؤتمر أعماله بـ”بيان الجزائر”، الذي يحثّ المنظمة الأممية على وضع إجراءات عملية لاستكمال عملية تصفية الاستعمار التي شرع فيها قبل صدور القرار المذكور بعشرات السنوات، عندما أبدت الشعوب المستعمَرة مقاومة ضد الاحتلال، تفاوت صداها من قطر إلى آخر. فماذا يعني أن يرافع المجتمعون في الجزائر من أجل استكمال عملية تصفية الاستعمار؟ وهل ظل الاحتلال الأجنبي محتفظا‭ ‬بمفهومه‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬حتى‭ ‬يحتفظ‭ ‬القرار‭ ‬الأممي‭ ‬1514‭ ‬بنفس‭ ‬الجدوى‭ ‬والأبعاد؟
  •  
  • الاستعمار‭ ‬الجديد
  •   مرّت خمسون سنة على مصادقة الأمم المتحدة على قرار يقضي بتصفية الاستعمار العام 1960 دون أن تتمكن الدول المستعمرة من التخلص نهائيا من فكرة “الاستعمار”، حيث رحلت الجيوش وبقيت الفكرة تقتات من الأوضاع التاريخية التي صاحبت عمليات الاستقلال ومن تلك الأوضاع التبعية للمحتل على صعيد الاقتصاد، تكوين النخب، مستوى الوعي، الثقافة واللغة. ولا تكاد تجد دولة مستعمرة واحدة تحررت دون أن تتحول سريعا الى ساحة استخدام الدولة المحتلة ولو رفعت جل الدول المحررة شعار “عدم الانحياز” و”السيادة”، وهكذا انضمّت الدول المحتلة فرنسيا في إفريقيا الى نادي “الفرانكفونية” وأسلمت أسواقها للشركات الفرنسية وإدارتها للتشريع الفرنسي ولولا بقية من مقاومة ثقافية وفكرية لتحولت إلى قاعدة خلفية للدولة الفرنسية المحتلة. ونفس الشيء بالنسبة للدول المحتلة بريطانيا والتي انضمت الى محفل “الكومنولث” وشكلت امتدادا للفكرة “الانجليزية” فيما له علاقة بالاستثمار وتأسيس الشركات والتبادل التجاري والتشريع. وربما حققت الدول المحتلة إبان مرحلة استقلال الشعوب منفعة تفوق تلك التي حققتها أثناء الاحتلال مما يفسر سرعة النمو في قطاعات الصناعة والتجارة وميزة التفوق في تراكم رأس المال لديها عندما ساعدت أوضاع الشعوب المستعمرة تلك الدول على تطبيق “التبادل غير المتكافئ” ومن ثمة في إطلاق أسواق جديدة لم تكن معروفة من قبل هي أسواق الدول المستقلة المناسبة لأوضاع النمو ولكنها في نفس الوقت مرتبطة بالسوق الرأسمالية عبر بوابة التصدير والاستيراد،‭ ‬أي‭ ‬التجارة‭ ‬الخارجية،‭ ‬وعبر‭ ‬بوابة‭ ‬الثقافة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬اللغة‭ ‬وتكوين‭ ‬النخب‮. ‬وإذا‭ ‬شئنا‭ ‬مثالا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬فلتكن‭ ‬الحالة‭ ‬الافريقية‭.‬
  •  
  • إفريقيا‭ ‬تحررت‭ ‬ولكن‭…‬
  •   يشكل النهب المنظم لخيرات الدول الافريقية المستقلة – وعلى رأسها الماس والذهب ومختلف المعادن والنفط والكاكاو – من قبل الشركات متعددة الجنسيات موضوعا تاريخيا للأفارقة يتصل مباشرة بموضوع الاستعمار دون أن تتمكن الحكومات الجديدة من تفكيكه في منظومة الاستقلال والتحرر بشكل عملي أو على الأقل الحد من الاستغلال الرأسمالي لمناجم الحجر الكريم في كل من سيراليون والكونجو وانغولا وافريقيا الوسطى لصالح المحتل القديم. ونفس الشيء بالنسبة للحديد في غينيا، حيث السيطرة الكاملة لشركة رجل الأعمال الاسرائيلي “شتاينمتس”، ومشروعات السيطرة على حقول النفط في كل من تشاد وغرب السودان – دارفور – وجوبا ودلتا النيجر في نيجيريا، إضافة إلى ما حققته ولاتزال تحققه الشركات الفرنسية والاسبانية والايطالية من أرباح رأسمالية جراء استغلالها لحقول النفط والفوسفات والأسماك والمرجان في كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا وجراء تبادلها التجاري مع تلك الدول المستقلة على قاعدة مقايضة المادة الأولية منخفضة السعر بمواد مشتقة وسلع صناعية عالية الكلفة، حيث يزيد متوسط أسعار الاستيراد في الدول المصدرة للخام عن متوسط أسعار التصدير بخمس مرات في أحسن ظروف التبادل‮. ‬
  • وتذهب التقارير الى أن حجم الأموال التي هربتها الشركات الرأسمالية من الداخل الإفريقي زادت عن 850 مليار دولار ـ التقرير العالمي للنزاهة المالية، أفريل 2010 ـ خلال فترة استقلال تلك الدول وهو رقم يفوق ما كانت تجنيه الدول المستعمرة من احتلالها لإفريقيا خلال مرحلة‭ ‬الاحتلال‮. ‬
  •  
  • الثقافة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬وفكرة‭ ‬النمو
  •   تحررت شعوب كثيرة من نير الاستعمار، لأن بعضها قاوم الاحتلال بذهنية التحرر والاستقلال السياسي، وبعضها استفاد من الشرعية الدولية في إطار القرار الأممي الشهير 1514 القاضي بتصفية الاستعمار، ولكن لا ذهنية التحررالسياسي ولا القرار الأممي تمكنا من مقاومة الامتداد الاستعماري في حقول الثقافة واللغة والسلوك الاجتماعي والوعي النخبوي، وسرعان ما كشفت مرحلة الاستقلال لكثير من الشعوب عن عدم اكتمال منظومة التحرر كلية من التبعية للمستعمر سواء تعلق الأمر بالقرار الثقافي أو القرار الاقتصادي، وتحولت لغة المستعمر من اللغة التقنية ـ أسوة ببقية اللغات ـ إلى أداة للتواصل الاداري والاقتصادي والنخبوي وحتى العلمي مما أثر سلبا على اتجاهات التقدم وأفرغ التنمية من جزء مهم من مدلولها الاجتماعي، وحول الدولة المستقلة الى دولة محتلة ثقافيا ولغويا، في حين أن وضعيتها كدولة مستقلة لا تمكنها من جني مكاسب التقدم لدى الدول المحتلة لها تاريخيا، وبالتالي وقعت جل الدول المتحررة حديثا في فخ التبعية الثقافية واللغوية الذي حرمها من مزايا الاستقلال كوضع بإمكانه أن يحرك الامكانات الاجتماعية الكامنة في ثقافة المجتمع وفي لغته أيضا، وفي دولة افريقية استقلت بعد صدور القرار الأممي 1514 تم وقف العمل بقانون يفرض على الادارة استعمال اللغة الوطنية بدل لغة الدولة المحتلة تاريخيا دون أن تتمكن الفئة التي قادت عمليات التحرر السياسي من مقاومة ذلك. ولهذا لم تتقدم دولة واحدة استقلت حديثا على الرغم من امكاناتها المادية والطبيعية،‭ ‬عدا‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تحرّرت‭ ‬ثقافة‭ ‬ولغة‭ ‬مثل‭ ‬اليابان‭ ‬والفيتنام‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬امكاناتها‭ ‬المادية‭ ‬المتواضعة‭ ‬عند‭ ‬الاستقلال‮. ‬
  •   حقيقة، تحتاج مرحلة استقلال الدول المستعمرة استكمال التحرر تحت غطاء تمكين الشعوب المستقلة حديثا من تقرير مصيرها بشكل كامل أي دعم فكرة “الاستقلال” بفكرة “التحرر” من بقايا الاستعمار وحينها فقط يتحقق شرط التنمية والتقدم، مادام هذا الأخير يحمل مدلولا اجتماعيا‭ ‬ومعنويا،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬مدلوله‭ ‬التقني‭ ‬والمادي‮. ‬فهل‭ ‬يلقى‭ ‬‮”‬بيان‭ ‬الجزائر‮”‬،‭ ‬الداعي‭ ‬إلى‭ ‬استكمال‭ ‬إجراءات‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬الاستعمار،‭ ‬الصدى‭ ‬المناسب؟‮.‬‭ ‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
10
  • عينان

    الله يحفظ قلمك يا أستاذ وأبقاك في خدمة المصلحة الوطنية

  • ميلود قرداح

    " ان تحرير العقول لاساس لتحرير الابدان و اصل له.
    و محال ان يتحرر بدن يحمل عقلا عبدا "
    الشيخ البشير الابراهيمي

  • MOHAMED

    مقال جميل جدا وواقعي
    لكن عندي طلب للشعب الجزائري شعب الشهداء و هو مساندة اخوانكم المغاربة لاسترجاع سبتة ومليلية والجزر التي ما زال يحتلها المستعمر الاسباني وعدم الانسياق وراء السياسيين اللذين يساعدون اسبانيا في تقسيم المغرب عن صحرائه
    123 يعيش الشعب الجزائري

  • youcef hariti

    نعم لم تتحرر الدول التي مازالت تستعمل لغة المحتل الغاصب ونشكر أستاذنا مصيطفى على ما ينشره من تحاليل ممتازة والمطلوب من القراء أن يفهموا الأفكار قبل الكلمات وشكرا للشروق على هذه الفرص الذهبية

  • KRAIYAM

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
    إن هذا الموضوع جدير بالقراءة و خاصة ما بين سطوره من لفتات لمن ألقى اليصر بعناية . و الواقع الذي نعيشه يفرض على الدول التي نالت استقلالها مؤخرا تباعية الدول التي كانت قد استعمرتها في يوم من الأيام اقتصاديا و ثقافيا و حتى سياسيا في بعض الأمور المصيرية . إنه لمن دواعي الأسف لهذه الوضعية التي آلت إليها .

  • الطاهر-سعيدة

    وفي دولة افريقية استقلت بعد صدور القرار الأممي 1514 تم وقف العمل بقانون يفرض على الادارة استعمال اللغة الوطنية بدل لغة الدولة المحتلة تاريخيا دون أن تتمكن الفئة التي قادت عمليات التحرر السياسي من مقاومة ذلك. !!!!!!
    وفي نفس الدولة أقيم المؤتمر الدولي المخلد للذكرى الخمسين لقرار الأمم المتحدة 1514 المتعلق بتصفية الاستعمار وتقرير مصير الشعوب المستعمرة.!!!!!....وجرت الأعمال بلغة المستعمر...وشر البلية ما يضحك

  • omar

    يعتبر المقال من اهم المفتيح التي تساعد المجتمع على
    1_ تحديد اختياراته الاستراتجية
    2_ وتبقي المسؤلية تاريخية لدى اصحاب القرار السياسي و الاقتصادي
    ونشكر الاستاد على ماقدمه من اسهمات في هدا المجال

  • nadine

    مقال يستحق القراءة حقا وفيه من الأفكار الجريئة ما يجعله يستحق أن يكون وثيقة في موضوع تقرير المصير خاصة أنه تناول حدثا هاما جرى في الجزائر ولكن الاعلام تجاهل ذلك

  • mouloud

    شكرا الدكتور ‬مصيطفى وبارك الله فيك على كل كلمة في هذا المقال .
    نعم هذا المؤتمر في رأيي هو في الإتجاه الصحيح لكن للأسف جاء متأخرا كثيرا كثيرا وكان من الأجدر على الجزائر أن تعقد مثل هذه المؤتمرات أقل شيء مرتين كل سنة وذلك منذ عام الإستقلال 1962 لأن الجزائر كانت رائدة التحرر في العالم في تلك الفترة .
    ثانيا:أن يكون الطرح جريء وصريح كما جاء في مقالك ياأستاذ ، أي أنه يجب إستكال الإستقلال والتحرر تقافيا ولغويا ونقضي على سرطان تبعية المحتل القديم حتى لنأكل الحشيش لنعيش، عندها تنفجر الطاقات الكامنة لدى هذه الشعوب المقهورة بالتبعية لتتحرر ماديا وإقتصديا.
    وصدق رسول الله (ص) الذي قال (عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر).

  • allal

    tres bonne analyse...article merite d etre diffuse largement