-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تركيا شكل آخر للصراع الأبعد من ثقافي

صالح عوض
  • 5135
  • 0
تركيا شكل آخر للصراع الأبعد من ثقافي

تثور ضجة هذه الأيام في المحاكم التركية لعزل الحزب الحاكم عن مسرح الحياة السياسية وجعله حزبا محظورا، وبالفعل قدمت دعوى لمحكمة التمييز للنظر في مشروعية وجود هذا الحزب الذي ينظر إليه انه قد خرج عن السياق..  في تركيا تتجمع الثلاث شرعيات بيد حزب العدالة والتنمية الإسلامي (رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الوزراء) وذلك بانتخابات حرة نزيهة أجمع كل المراقبين على صحتها.. الا ان هذا الوضع المثالي لا يترك فرصة ولو هامشية لتحرك حزب العدالة والتنمية خارج ما هو مسطر للسياسة التركية او الحياة المدنية بشكلها العلماني.أدرك قادة الحزب منذ البداية انه لا يكفي ان يكون أكثر من 98 % من سكان تركيا مسلمين ولا يكفي ان يكون الشعب التركي العميق محافظا ومتدينا ولا يكفي فوزهم الكاسح والذي يعبر عن رغبة الشعب في تطبيق الخيار الإسلامي .. كل ذلك لا يكفي لتأهيلهم ان يغيروا في القوانين او السياسات.. فتحركوا اقليميا وداخليا ودوليا في ما هو مسموح به حسب ما هو مرسوم لتركيا عقب الحرب العالمية الاولى التي أودت بالخلافة العثمانية وقادت العلمانية لتحكم بدستور غربي لأول مرة بلدا من بلاد المسلمين او بالاحرى عاصمة الخلافة.عجز الحزب ان يمرر قانونا يعتبر الزنا جريمة يعاقب مقترفها بالحبس عامين.. وثارت الضجة كبيرة عندما قرر البرلمان ان غطاء الرأس حرية شخصية، فكما ان من حرية المرأة ان لا تغطي رأسها فمن حقها ايضا ان تغطيه.. ورغم قفازات الحرير التي يلبسها قادة العدالة والتنمية ورغم النمو الاقتصادي والرفاه الذي يحسه الاتراك في ظل حكمهم الا ان مجرد عدم تصديهم مباشرة للاسلام جعلهم في مرمى العلمانيين المرتبطين باستراتيجيات الغرب والامناء على سياساته في المنطقة.حكومة العدالة والتنمية لم تقطع علاقاتها بإسرائيل او أمريكا او الغرب، بل وقعت صفقات استراتيجية مع اسرائيل ومع أمريكا..لكنها ليست ضمن دائرة التحالف الامريكي الاسرائيلي كما كانت الحكومات السابقة وهذه مسألة في غاية الاهمية..فعندما كانت تركيا طرفا في التحالف الاسرائيلي الامريكي كانت خطرا حقيقيا على سوريا ومهددا مباشرا لها وتدفعها الى كثير من التنازلات لصالح إسرائيل، وكانت كذلك تعطي إسرائيل بلا مقابل. وهي الآن عكس ذلك، إنها لا تتوقف عن مطالبة إسرائيل بإنهاء احتلالها وايقاف جرائمها ضد الفلسطينيين، وهي تعتبر نفسها حليفا للعرب وصديقا مفضلا لسوريا.. كما انها رفضت في ظل حكومة العدالة والتنمية ان تكون أراضيها جبهة إضافية ضد العراق.وهكذا تتضح معالم الازمة انها ليست أزمة ثقافية فحسب بين العلمانية والاسلامية، إنما هي أزمة سياسية بين أتباع الغرب منفذي سياساته وبين من يحاول ان يلتحم بمصير أمته.    

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!