تعبنا من الأعياد !
وزير المجاهدين محمد الشريف عباس تحدّث في لقاء الصحافة عبر التلفزيون فقال ناصحا الشعب: “لا بد على الجزائريين أن يجعلوا من الخامس جويلية المقبل عيدا ثالثا، يُضاف إلى عيديّ الفطر والأضحى، فيُلبسون صغارهم الثياب الجديدة، يصِلون أرحامهم ويزورون المقابر”!
طبعا الوزير اكتفى بالملابس الجديدة والحلويات دون الحديث عن الذبائح وتوزيع اللحوم، طالما أن هذا الشعب تفرّق في معظمه ما بين مذبوح ومسلوخ ومنزلة ثالثة ما بين المنزلتين!
ومع أننا لا نشكّك في نية الوزير ولا في رغبته بمشاهدة الجزائريين، كل الجزائريين، يحتفلون بالذكرى الخمسين لاسترجاع الاستقلال، إلا أننا نشكك كثيرا في قدرة الشعب على تنفيذ رغبة معاليه، خصوصا أن معظم أرباب العائلات بالكاد يتدبرون ما يقضون به حاجتهم في العيدين، ومعظمه يأتي بالقروض والحشومات!
الجزائريون الذين تطلب منهم يا معالي الوزير أن يشتروا ألبسة جديدة لأطفالهم ويصنعون لهم الحلويات، باتوا يُميّزون ما بين الطفل وأخيه، ويلجؤون إلى القرعة من أجل تدريس أحدهما مقابل تشغيل الآخر لتوفير لقمة العيش وتفادي التسول!
الجزائريون الذين تريدهم أن يجعلوا من الخامس جويلية المقبل عيدا ثالثا يشبه العيدين الصغير والكبير، لم يستطيعوا توفير ثمن البطاطا بالأمس القريب، وليس فقط اللحوم التي باتت من أحلام اليقظة في الوقت الذي ما تزال فيه الحكومة تعتقد أن مشكلة الخرفان المستوردة تتلخص فقط في جنسيتها فيتنازع المجلس الحكومي الموقر ما بين جلب خرفان اسبانية أو سودانية شقيقة!!
الجزائريون ما زالوا يقتاتون من المزابل، في الوقت الذي يطلب فيه صندوق النقد الدولي من حكومتهم أن تقرضه المال، وقد لا نستغرب غدا لو أن الاتحاد الأوروبي طالبنا مثلا بالتدخل لنجدة الاسبان واليونان!!
الجزائريون الذين ينتظرون بالساعات في طوابير قفة رمضان، لا يعرفون من الأعياد سوى الفطر الذي يشترون ملابسه من الشيفون، والأضحى الذي يُسكتون به جوع أطفالهم بشحمة من هنا أو هناك!
هؤلاء جميعا ليسوا بأقل وطنية من معالي الوزير وبقية زملائه في الجهاز التنفيذي، وهم سعداء جدا بمرور خمسين عاما على استرجاع الاستقلال، لكنهم في الوقت ذاته حزينون على تلك العقود الخمسة، كيف مرّت، حيث أشبعتهم ظلما وتمييزا وتسريحا من العمل، وترهيبا وتقتيلا؟!
من سيقضي اليوم الخامس من شهر جويلية المقبل في بيته، ليس خائنا ولا عميلا، ومن لم يستجب لنداء الحكومة بجعل ذلك اليوم عيدا ثالثا، لن يكون جاحدا لدم الشهداء ولا خسيسا، لكنه “واحد” من الأغلبية المقهورة، من يحبون الوطن على طريقتهم دون مهرجانات ولا احتفالات ضخمة ولا ألعاب نارية.. فقد لعبنا كثيرا، أو بالأحرى “لعبوا” بنا كثيرا، حتى أعيانا اللعب ونسينا الأعياد!