-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تعليم الإنجليزية في الابتدائي إجراء هام قرّرته الدولة

تعليم الإنجليزية في الابتدائي إجراء هام قرّرته الدولة

إن إدراج قرار تعليم اللغة الإنجليزية في الابتدائي هو الوجهُ المميّز للجزائر الجديدة، وهو القرار الذي طرحه الرئيس في مجلس الوزراء في الشهر الماضي، حين دعا إلى جعل هذه اللغة هي الأداة المترجمة لمستقبل أبنائنا، وقرّر إعطاءها مكانة متميزة في التعليم الابتدائي لتمكين أجيالنا من لغة لها مكانتها العلمية والحضارية ودورها في الحياة التواصلية في العالم، إلى جانب لغتنا التي يجب أن تسترد مكانتها التاريخية ودورها العلمي والحضاري.
لقد أثيرت مناقشة الموضوع في مجلس الوزراء حين تناول المجلس تحليل الدعوة إلى مراجعة الوضع التعليمي في المرحلة القاعدية، وهذا هو الموضوع الذي كتبتُ تعليقا عليه، تناولت فيه الفكرة التي كنا ننتظر من الدولة طرحها ومناقشتها، هذه الفكرة تتضمن ثلاثة جوانب أساسية في سير التعليم يشملها السعي إلى تطوير نظام التعليم، وهي المراجعة الدقيقة لمضامين المرحلة القاعدية، وإدراج اللغة الانجليزية في الابتدائي وهي اللغة ذات البعد العلمي والعالمي، والجانب الثالث هو تشكيل هيأة سياسية للتوجيه السياسي والتربوي (مجلس أعلى للتربية) يكون سندا لعمل الوزارة.
هذه جوانب الفكرة التي كنا ننتظر طرحها ومعالجتها، وهاهي اليوم يتم طرحها، لقد تناولها النقاش في مجلس الوزراء ضمن الموضوع الذي طرح بخصوص مراجعة الوضع التعليمي في الابتدائي الذي هو أساس النظام التعليمي، وما ذكرته في التعليق هو ما طرح في مجلس الوزراء، وهو إبراز أهمية الفكرة التي طرحها الرئيس وبيّن أهميتها في حياتنا المعرفية. إن ما طرحه الرئيس هو إدراج اللغة الانجليزية في الابتدائي، وقد أبرز أهميتها في المجال المعرفي، وضرورة الاهتمام بها، وجعلها جزءا من النشاط التعليمي الذي تقرّره المرحلة القاعدية، هذا أهم جانب ينبغي أن يستمر النقاش فيه وتحديد الجوانب التي يتطلبها التنفيذ.
ومن الجوانب التي ينبغي تحديدها وضبط أساليب تنظيمها هي التفكير في طرح ما هو مطلوب في مجال تحديد الخطة، وتهيئة الظروف التي تشترط في تكوين معلميْ هذه اللغة، وهذا أهم جانب يوجَّه الاهتمام إليه، ويتطلب أمرين: الأمر الأول هو تحديد السنة التي تُدرج فيها اللغة الأجنبية الأولى، والأمر الثاني هو ضبط عمليات تكوين من نرشحهم لتعليم هذه اللغة، وهذه العملية تستوجب استرجاع المعاهد المخصصة للتكوين، والتي تم إلغاؤها، مع فتح أقسام للتكوين في الثانويات، وضبط برنامج لعملية التكوين.
وما أشرت إليه في المقالة بخصوص الأمر الأول وهو السنة التي يُدرج فيها تعليمها، وذكرت السنة الثالثة، وإن كنتُ غير متحمس لهذا الرأي، لأني أراه غير ملائم، لأنه يمثل مستوى مبكرا، فهو يأخذ جزءا من الوقت المخصَّص للغة العربية، لأن المطلوب هو تخصيص ثلاث سنوات كاملة لتعليم اللغة العربية في البداية بعد ذلك تُدرج اللغة الأجنبية، ويعني هذا أن لا تدرج اللغة الأجنبية إلا في السنة الرابعة، وذكرتُ السنة الثالثة مسايرة للتفكير الذي نجده عند المنظمين، فهم يميلون بدون شك إلى إبقاء الوضع الحالي المخصص لبداية تعلم اللغة الأجنبية، وهو الوضع المقرر حاليا، وهو وضع لا يلائم تربويا الاهتمام الذي يعيش في تفكيرنا، ولا يناسب ما يجب الاهتمام به في مجال التعامل مع اللغة العربية، فالمفروض هو تخصيص ثلاث سنوات كاملة لتعلم اللغة العربية في بداية التعلم، وهذا يفرض أن لا تُدرج اللغة الأجنبية قبل السنة الرابعة، وهو الوضع الذي كنا نتبعه في التعليم الأساسي ولكن إجراءات التغيير والإصلاح التي أقدمت عليها الوزارة في بداية الألفية الثالثة هي التي نزّلت تعليم اللغة الفرنسية من المكانة التي كانت فيها ومحددة لها وهي السنة الرابعة وفق السياسة الوطنية، فغيرت الوزارة الوضع ونزّلتها من السنة الرابعة إلى السنة الثانية، ثم نقلتها إلى السنة الثالثة وما ذكرتُه في المقالة هو مسايرة للوضع القائم وإن كنت غير مقتنع به.
وما نتناوله في المقالة ليس قصدي منه هو التبكير بتعليم اللغة الأجنبية، إنما قصدي أن تُدرج وحدها في سنوات التعليم الابتدائي ولا تدرج معها اللغة الثانية.
ولم يكن اهتمامي في التعليق مركزا على السنة التي تُدرج فيها اللغة الأجنبية، لأن الأهم عندي هو عدم التبكير بتعليمها، والأهم أيضا هو زحزحة اللغة الفرنسية من الابتدائي لتبقى المرحلة مجالا خاصا باللغة الانجليزية، لذا اقترحت في التعليق تأجيلها إلى خارج الابتدائي، ووضّحت هذا حين قلت: تُؤجَّل الفرنسية إلى السنة السادسة، وهذه السنة ليست جزءا من الابتدائي حسب الوضع الحالي، لأن الابتدائي ينتهي في السنة الخامسة، والسنة التي تُدرج فيها الانجليزية لم تحددها الوزارة، ولكن المهتمين بالموضوع سيحددون السنة الأنسب، وهي السنة الرابعة، وقد حرصت على هذا حين وضحت أن الفرنسية تُؤجَّل، ولا تبقى في المستوى المحدد لها، لأني خشيت أن يكون تفكير القائمين بالتعليم هو المحافظة على بقاء الفرنسية في السنة الثالثة مثلما هي الآن وحينذاك تُدرج معها اللغة الانجليزية ويصبح تعليمُهما في مستوى واحد وهذا أمرٌ مرفوض تربويا وإداريا وسياسيا.
والجانب الذي كنت مهتما به في التعليق هو قرار الرئيس، ولم أدقق في التعليق بخصوص السنة التي يُدرج فيها قرار الرئيس، لأن اهتمامي كان موجها إلى إدراج اللغة الأجنبية الأولى في الابتدائي، وعدم إبقاء اللغة الفرنسية في المكانة التي هي فيها، لأن هذه اللغة ينبغي تأجيلها إلى التعليم المتوسط.
إنها الفكرة التي وسعنا المناقشة بشأنها في ندوة إحدى القنوات يوم الأحد 7 أوت 2022، هذه الندوة أسهمت فيها مع الأستاذ بلال من جامعة الجزائر الذي رافقني في المناقشة، وأوضح في كلماته أنه لا يوافق على إدراج لغتين أجنبيتين في الابتدائي، وهذا يعني فرض تأجيل الفرنسية إلى المتوسط، وهذا هو موقفُنا جميعا وهي فكرة هامة ندعو إليها، وهي الفكرة التي كنت شرحتها في المقالة حين قلت، تؤجل الفرنسية إلى السنة السادسة، وهذه السنة خارجة عن التعليم الابتدائي، وهذا يفرض أنها تؤجل إلى المتوسط، المهم أننا نميل إلى الاكتفاء بلغة أجنبية واحدة في الابتدائي، ولا تدرج اللغة الثانية إلا بعد ثلاث سنوات من تعلم اللغة الأولى.
نرجو أن يهتم المنظمون بهذا التوجه وينفذوه، وأهم ما يجب أن يُنفَّذ هو إدراج اللغة الانجليزية في السنة الرابعة وإدراج الفرنسية في بداية المتوسط، إننا نريد أن يظهر الوجه المميز للجزائر في المجال العلمي واللغوي.
وهذا الوجه تظهره الرعاية التي نوجهها للغة العربية، والاهتمام الذي نعامل به اللغة الانجليزية، بحيث تخصص ثلاث سنوات للغة العربية في بداية تعلمها، ويخصص برنامج متطور للغة الانجليزية، وبهذا يظهر الوجه المميز للجزائر في المجال العلمي والثقافي وفي الظروف التي نهيئها للتعلم اللغوي.
وما يجب أن يتجه الاهتمام إليه هو إعداد برامج تعليمية مسايرة لما نسعى إليه، وإعداد معلمين لهذه اللغة التي صدر القرار بشأن تعليمها، والجانب الأهم الذي يجب أن نوجه الاهتمام إليه هو عدم التبكير بهذه اللغة، وحتى إذا كان المنظمون يفكرون في جعل السنة الثالثة هي السنة المخصصة للغة الأجنبية الأولى، فإنه ينبغي أن نجعل هذه السنة سنة تهيئة وتحضير يكون التعليم فيها شفهيا وفي حصص قليلة، ويخصص الوقت فيها للمحادثة والحوار بين التلاميذ، ولبعض الأنشطة الكلامية، ويؤجل التعليم الكتابي إلى السنة الرابعة التي تكون السنة الحقيقية لتعلم هذه اللغة لأننا نحرص على تخصيص السنوات الثلاث الأولى لإتقان أساسيات اللغة العربية، قراءة وكتابة وتعبيرا واستيعابا للحوار الذي يجريه المعلم مع التلاميذ، وبهذا يبرز الجانب المميز للتعلم اللغوي في الجزائر وحرصا على التدقيق في ترقية الوضع ينبغي تشكيل لجان متعددة تهتم كل لجنة بإعداد جانب معين من جوانب النشاط التعليمي، وينبغي أيضا عقد دورات تدريبية للمديرين والمشرفين لكي يصبح نشاطهم اليومي منسجما مع الوضع اللغوي الذي تتبعه المدارس، وللتدقيق أكثر ينبغي أن تسهم قنوات التلفزة في تنظيم بعض الحصص الشارحة وتقديم بعض الأنشطة الموضِّحة، هذا وإن المشكلة التي تبقى مطروحة هي مشكلة تعميم التنفيذ، هل يعمم التنفيذ في جميع المدارس، أم تخصص بعض المدارس للتنفيذ؟ وهذا جانب يتطلب دراسة واسعة وتفكيرا دقيقا، ولكن الحل الذي يمكن اللجوء إليه اضطرارا هو عدم التعميم، لأن التعميم تواجهه صعوبة ليس من السهل تجاوزها.
إن قرار التعميم يفرض إيجاد معملين متمكنين، والمرشحون الذي سمعنا عنهم هذه السنة ليسوا متمكنين لغويا، وليس لديهم إلمامٌ بيداغوجي يهيِّئهم للعمل، وهذا يقلل من النتائج الإيجابية، ولعل هذه الصعوبة هي التي تواجه من يفكرون في التعميم.
والخلاصة التي ينبغي ذكرها هي أن تنفيذ هذا القرار الهام يتطلب استعدادا سياسيا وتهيئة إدارية وضبط خطة تربوية مدروسة تهيئ المحيط المدرسي والاجتماعي، ويكون لها أثرٌ طيب وما نطلبه ونلح عليه هو أن يسهم التعليم العالي والتكوين المهني في توظيف هذه اللغة في التخصصات العلمية والتقنية التي يتطلع إليها أبناؤنا.
وما يلاحظ هو أن ما يجري الاهتمام به هو الحرص على تنفيذ القرار بداية من الموسم الدراسي المقبل، وما نخشاه هو أن الاستعداد المعبَّر عنه لا تدعمه هيأة إدارية محددة وملمَّة بجوانب الموضوع، ولا تسايره خطة مدروسة أساسها تحضير الوسائل وتهيئة المناهج، وإعداد عدد من المعلمين المتمكنين الذين يُعتَمد عليهم في عمليات التنفيذ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!