-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تعلّموا الدرس من المساجد

جمال غول
  • 659
  • 2
تعلّموا الدرس من المساجد
ح.م

عندما شرعت الحكومة في فتح المجالات بعد غلقها في بدايات انتشار وباء كوفيد 19، وهذا بعد أن صرّح المختصون بأن الوباء قد يطول، وأن الحلّ في التعايش معه وليس في استمرار الغلق، حينها طالب المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي الشؤون الدينية والأوقاف بفتحٍ تدريجيّ للمساجد، وقدّم في ذلك مخططا يتضمن تصوّرا شاملا لكيفية ذلك الفتح.

وتم بتوفيق الله تعالى فتحُ المساجد تدريجيا بقرار من المجلس الأعلى للأمن ابتداء من تاريخ 15 أوت 2020، ومنذ ذلك التاريخ تجسّدت ميدانيا صورة حضارية رسمها المصلون من روّاد المساجد بكل إتقان، من خلال التزامهم إجراءاتِ الوقاية تعبدًا لله قبل أن يكون التزاما بالقانون، وذلك من حسن التوكل والأخذ بالأسباب التي تعلّموها من بيوت الله.

ورغم أن المساجد تفتقر إلى إدارة مُسيِّرة بالمعنى الإداري الحديث ولا تُعطى لها أيُ ميزانية، إلا أنها استطاعت أن توفّر –من دون أن تُكلّف الخزينة العمومية شيئا- كلَ الوسائل الوقائية من تعقيم وكمامات وحتى سجادات الاستعمال الأحادي، كما استطاعت أيضا أن تُوظّف –من دون مقابل- منظمين من طلبة القرآن وشباب المساجد وأبناء الأحياء من مختلف الأعمار، ممن تطوّعوا ابتغاء الأجر من الله تعالى.. وبذلك انتزع عمّار المساجد الجدارة والصدارة في الالتزام والانضباط ما قدّم صورة راقية عن المواطنة الإيمانية الحضارية صنيعة بيوت الله.

لقد سجّلت المساجد الريادة والسيادة في المجتمع بلا منازع، فلا المؤسسات التجارية، ولا مؤسسات النقل، ولا حتى الجامعات ومؤسسات التعليم الأخرى، ولا كثير من الإدارات والوزارات استطاعت أن تُلزم روّادها، على قلتهم وتجانسهم، بأبسط إجراءات الوقاية كارتداء الكِمامة الذي لا يُكلّف كبير جهد ولا كثير مال، فضلا عن إلزامهم التباعد، وجلب ما يمنع التلامس مع الآخرين، وهي التي تملك إدارات كاملة وموظفين وميزانيات وغيرَها من الوسائل!!!

أفلا تستحق المساجد بعد هذا النجاح الريادي الذي حققته بين فضاءات الفشل المحيطة بها، كل تقدير وإجلال وزيادة عناية وصيانة من قبل المسؤولين؟ ألا تستحق أن تُفتح كلها وألّا تُغلق مرة أخرى، مهما ارتفعت الإصابات لا قدر الله؟ لأنها لم ولن تكون السبب في ذلك.. ألا تستحق المساجد أن تكون عند مصممي البرامج التكوينية الوطنية في مقام الأستاذية في تعليم معاني المواطنة الصادقة التي تتغنى بها مؤسسات عدة وتعمل على احتكارها لتجعل منها سجلا تجاريا ووسيلة للاسترزاق لا غير؟ بينما تحققها المساجد ميدانيا ودون أن يكون لها نصيب من الغنائم التي توزع على منتحلي إنتاج المواطنة الذين لا ينتجون إلا مواطنة مناسباتية ومزيفة؟ ألا تستحق المساجد أن تكون حاضرةً -واقعيا كما هي كذلك قانونيا- في كل مخطط عمراني صغيرا كان أو كبيرا، ويُلزم الولاة بذلك لتكون هي حاضنة الأحياء التي تتنج المواطنة وتصنع المواطن النافع لوطنه؟ ألا تستحق المساجد أن تكون نموذجا في تعميم العمل بالأوقاف فيكون لدينا مستشفيات وقفية وجامعات وقفية، وغير ذلك؟ ألا تستحق المساجد أن تكون جزءًا إلزاميا من برامج النشء لتعلُم القرآن وآدابه وشيء من أحكامه وعلومه كإلزامية التعليم المدرسي؟

إن نجاح المساجد في التعايش مع الوباء يُحتّم على الجميع أن يتعلم الدرس منها، ولا يجحد ذلك إلا معاند أو مستكبر.. فعلى التعليم المدرسي أن يستفيد من التعليم المسجدي حتى يستوي نتاجه وينضج نضجا غير منقوص.. وعلى التعليم العالي أن يُلقّم شجرة منظومته بعود من أعواد التعليم المسجدي حتى يزداد نتاجه قوة ووفرة وتميزا.. وعلى مختلف الإدارات والمؤسسات والوزارات أن تتعلم من المساجد درس التطوع والتضحية بشيء من الوقت والمال، فذلك سر نجاح كثير من الأعمال وسبب من أسباب حلول البركة التي إن حلت في الأولاد أصلحتهم وإن حلت في المال، ولو كان قليلا، كثّرته.

عندما نتعلم الدرس من المساجد في هذه المجالات وفي غيرها سيكون الالتزام بإجراءات الوقاية ثقافة جزائرية، ويمكننا بفضل الله تعالى أن ننتصر في معركة الوباء وقبلها في معركة الوعي وفي غيرها من المعارك، وحينها سيكون إنتاج المواطنة الصادقة والواعية علامة مسجّلة في بلدنا، يمكننا بعد ذلك تصديرها إلى الخارج ويكتب عليها بفخر واعتزاز صُنع في الجزائر (Made in Algeria).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • نحن هنا

    أوليس المؤمن كيس فطن؟ أم تريدون سرقة انضباط المؤمنين لتحمدوا على مالم تفعلوا؟ انزلوا الناس منازلهم

  • dringol

    لكن بمجرد الخروج من المسجد تنزع الكمامة ولا يحترم التباعد الجسدي .