-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تقرير توثيقي استقرائي يرصد الاعتداءات على المسجد الأقصى والتفاعل معه

تقرير: عينٌ على الأقصى.. تطوّر فكرة الوجود اليهودي في المسجد الأقصى (1)

تقرير: عينٌ على الأقصى.. تطوّر فكرة الوجود اليهودي في المسجد الأقصى (1)

تصدر مؤسسة القدس الدولية منذ عام 2005 تقريرًا دوريًّا يرصد الاعتداءات على المسجد الأقصى وتطور خطوات الاحتلال الإسرائيلي تجاهه. ويعدّ هذا التقرير الخامس عشر في هذه السلسلة وهو يوثّق الاعتداءات على الأقصى ما بين 2022/8/1 و 2023/8/1.

ويحاول التقرير تناول مشروع تهويد المسجد بمقاربة شاملة تناقشه من أربعة جوانب ويختم بالتوصيات:

أولاً: تطور فكرة الوجود اليهودي في المسجد الأقصى على المستويات السياسية، والدينيّة، والأمنيّة، والقانونيّة.

ثانيًا: مناقشة تفصيلية لكل مشاريع التهويد وأعمال الحفر والإنشاءات والمصادرة تحت المسجد وفي محيطه تبيّن مسارها وتطورها على مدار السنة التي يغطيها التقرير، بالإضافة إلى الكشف عن تفاصيلها ومراميها استنادًا إلى أحدث ما يتوافر من المعلومات التي تظهر سعي الاحتلال إلى تأسيس مدينة يهودية تحت المسجد وفي محيطه يكون هو في مركزها ويخلق بنية تحتية متكاملة للوجود اليهودي في المسجد ومحيطه.

ثالثًا: تحقيق الوجود اليهودي البشري والفعلي داخل المسجد الأقصى، ومحاولات التدخل في إدارته عبر رصد اقتحامات الشخصيات الرسمية والمتطرفين اليهود والأجهزة الأمنية واستقراء مسارات كل منها ومآلاتها، وتبيان معالم تكامل الأدوار بين هذه الأطراف المتفقة على تحقيق الهدف ذاته ألا وهو تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود في أقرب فرصة ممكنة، وفرض السيادة الإسرائيلية على المسجد. ويرصد التقرير كذلك المنع الدائم لترميم مرافق المسجد خلال مدة الرصد، والتقييد المستمر لحركة موظفي الأوقاف الذين يشكلون العصب التنفيذي لهذه الدائرة ومنعها من أداء مهامها تمهيدًا لنزع الحصرية الإسلامية عن المسجد لمصلحة سلطة الآثار الإسرائيلية. علاوة على ذلك، يعرض التقرير التحكم في الدخول إلى المسجد ومحاولة الاحتلال تغيير قواعد السيطرة على أبوابه بالإضافة إلى تقييد حركة المصلين وفق مناطق وجودهم، وأعمارهم.

رابعًا: رصد ردود فعل أهم الأطراف المعنية بأوضاع المسجد الأقصى وتفاعلها معه.

خامسًا: التوصيات

الفصل الأول: تطوّر فكرة الوجود اليهودي في المسجد الأقصى

أولاً: تطور فكرة الوجود اليهودي في المسجد الأقصى

16 مقعداً وزارياً من أصل 32، و29 نائباً يشكلون 24% من حجم الكنيست: الحكومة الصهيونية الحالية شكلت ذروة الصعود السياسي للصهيونية الدينية حتى الآن.

بلغ الصعود التاريخي للصهيونية الدينية ذروته بتشكيل حكومة نتنياهو السادسة في شهر 12-2023، إذ حصلت على 16 مقعداً وزارياً موزعين بين حزبي الليكود والصهيونية الدينية من أصل 32 مقعداً، وعلى 29 مقعداً في الكنيست، في أكبر نفوذٍ سياسي في تاريخها منذ بدأت محاولاتها الأولى تنظيمياً عام 1967 بتأسيس جماعة “أمناء المعبد”، ومنذ بدأت محاولاتها السياسية الأولى باختراق الحاخام مائير كاهانا ووصوله للكنيست في عام 1984؛ وهذا ما جعل الحكومة الحالية في المحصلة الحكومة الأكثر عداءً للمسجد الأقصى المبارك منذ احتلاله، والأكثر توظيفاً لموارد الكيان الصهيوني وأجهزته في تهويد المسجد الأقصى المبارك بوصفه أحد سياساتها المركزية.

بلورت الصهيونية الدينية خلال صعودها مقولة إحلالٍ ديني لتضيفه إلى وجوه الإحلال الصهيوني على مستوى الجغرافيا والسكان، وكان المسجد الأقصى المبارك في قلب هذا الإحلال.

بلورت الصهيونية الدينية مقولة إحلالٍ ديني خلال مسارها الصاعد، لتضيفه إلى وجوه الإحلال على مستوى الجغرافيا والسكان، وكان المسجد الأقصى المبارك في قلب هذا الإحلال الديني إلى جانب المسجد الإبراهيمي وقبر يوسف ومسجد بلال بن رباح وعدد من المقابر والمساجد على امتداد فلسطين المحتلة، فالصهيونية الدينية تتطلع في النهاية إلى إزالته من الوجود، وتأسيس “المعبد” المزعوم في مكانه وعلى كامل مساحته، وكانت “منظمات المعبد” المتطرفة واجِهَتها في سبيل تحقيق هذا الإحلال، إذ بدأت بمنظمتي “معهد المعبد” و”إلعاد” عام 1986، لتنضم إليهما عبر الزمن مجموعة متنوعة من المنظمات التي كانت تكرس نفسها للمعبد، أو تضع العمل على تحقيقه ضمن أهدافها المركزية، مثل منظمات “حي وقيوم” و”ربفافاه” ثم مدرسة “جبل المعبد الدينية”، ومنظمة “شباب هارئيل”، و”السنهدرين الجديد”، و”اتحاد قبائل إسرائيل-يشاي” ومنظمة “طلاب لأجل المعبد”، و”نساء لأجل المعبد”، و”العودة إلى جبل المعبد”، و”حركة الجوهر-هليبا” وصولاً إلى توحيد تلك المنظمات في ائتلافٍ تنسيقي في عام 2012 ضم نحو 24 جمعية عرف بـ”اتحاد منظمات المعبد”.

تعدد منظمات المعبد وتوسعها أدى إلى تأسيس “اتحاد منظمات المعبد” في 2012 بعضوية 24 منظمة، تكاثرت اليوم لتصبح 42 منظمة ولينشق منها ائتلاف جديد باسم “ائتلاف المعبد الثالث”.

مع تشعب المؤسسات وتعددها، واندماج بعضها لتصبح أكبر مالياً وعددياً كما حصل في اندماج “طلاب لأجل المعبد” مع “صندوق تراث المعبد” في منظمة جديدة حملت اسم “جبل المعبد في أيدينا”، وصل عدد تلك المنظمات إلى ما يقارب 42 منظمة، ونشأت تيارات متضاربة فيما بينها، فانشقت تنسيقية جديدة في عام 2022 تحمل اسم “ائتلاف المعبد الثالث”، لتعمل بموازاة “اتحاد منظمات الهيكل” الذي ترى فيه مظلة تقليدية محدودة المبادرة مفتقدة للحيوية اللازمة، وتتنافس التنسيقيتان اليوم في بينهما لتحقيق الهدف ذاته: الإحلال الديني في الأقصى بتحويله إلى معبد يهودي بكامل مساحته.

بلورت الصهيونية الدينية ثلاثة أهداف مرحلية خلال استهدافها للأقصى هي:

1-    التقسيم الزماني.

2-    التقسيم المكاني.

3-    التأسيس المعنوي للمعبد.

ولما كان هذا الهدف صعباً وبعيد المنال، ويمر تحقيقه باستعداء جماهير فلسطين والأمة العربية والإسلامية، فقد لجأت تلك الجماعات إلى وضع استراتيجية مرحلية، جوهرها دفع المسجد الأقصى من خانة المقدس الإسلامي الخالص إلى خانة المقدس المشترك بين المسلمين واليهود، وصولاً إلى تحويله لاحقاً إلى مقدس يهودي خالص، وقد بلورت على هذا الطريق حتى الآن ثلاثة أهدافٍ مرحلية:

  • التقسيم الزماني: الذي يهدف إلى توظيف حضور شرطة الاحتلال حول المسجد الأقصى وفي ساحته لتكريس أوقاتٍ محددة للمقتحمين الصهاينة وتوفير الحماية لهم خلال عدوانهم، مقابل أوقاتٍ للمسلمين توظف أدوات تثبيط ومنع متعددة للحد من حضورهم للأقصى خلالها. وقد تمكن الاحتلال من التقدم في هذا الهدف المرحلي من الاقتحام الفردي لمستوطنيه في 2003 إلى الاقتحام الجماعي ضمن أفواج كانت تتشكل من 20 مقتحماً في 2006، ثم فرض أوقات للاقتحام في 2008 بواقع ثلاثة ساعات وقت الضحى وساعة بعد صلاة الظهر، إلا أن محاولة الوصول إلى التقاسم التام كما طرحت في مشروعي قوانين في 2012 و2013 لم تتكلل بالنجاح، فمحاولة توسيع ساعات الاقتحامات اصطدمت بالرباط المنظم ومشروع مصاطب العلم، ثم اصطدمت محاولة إغلاق الأقصى أمام المسلمين في الأعياد اليهودية بهبة السكاكين في 2015، وهو ما زرع خوفاً من الحديث عن تخصيص الأقصى للمستوطنين اليهود أيام السبت.
  • التقسيم المكاني: تتطلع الصهيونية الدينية وأنصارها من خلاله إلى اقتطاع جزء من ساحة المسجد الأقصى ومبانيه، ومر بمرحلتين ركزت الأولى منهما على الساحة الجنوبية الغربية التي يفتح عليها باب المغاربة مباشرة لكنها اصطدمت بمشروع مصاطب العلم الذي اتخذ من مصطبة أبي بكرٍ الصديق “مصطبة الصنوبر” مقراً لها، وإن كان وضع التسوية التاريخية الواقعة تحت هذه الساحة يشكل بوابة جديدة لاستعادة المشروع ذاته خصوصاً أنها لم ترمم منذ 93 عاماً. انتقل التركيز بعد ذلك إلى الجهة الشرقية من ساحة الأقصى، مستفيداً من مقدمتين: الأولى منع الاحتلال إخراج آخر شحنات الردم المزال لفتح البوابات الشمالية الكبيرة للمصلى المرواني مع انطلاق انتفاضة الأقصى 2000؛ والثانية قرار محكمة الاحتلال إغلاق مصلى باب الرحمة مطلع عام 2003 والذي أدى رغم عدم اعتراف الأوقاف الإسلامية به رسمياً إلى إغلاق المصلى معظم أيام السنة.

استهداف الجهة الشرقية من ساحة الأقصى تصاعد منذ 2013، وأدى إلى مبادرات عديدة لإعمار المكان أهمها في شهر 6-2018 في العشر الأواخر من رمضان، وهو الذي ردت عليه قوات الاحتلال بالإفصاح عن نيتها بوضع نقطة لشرطتها فوق المصلى وبدء سياسة اعتقال وإبعاد كل من يوجد في تلك الجهة من ساحة الأقصى وصولاً إلى هبة باب الرحمة التي انطلقت في 17-2-2019 ومرت بمرحلتين: انتهت الأولى إلى فتح المصلى بعد خمسة أيام، فيما استمرت الثانية لشهرين لإحباط المحاولات المباشرة لإعادة إغلاق المصلى؛ وبذلك تبددت محاولتان لتقسيم المسجد الأقصى مكانياً لكن الاحتلال ما زال يحاول إحياء مشروع التقسيم على الجبهتين.

  • التأسيس المعنوي للمعبد: تبلور بحلول اقتحام الأضحى في 11-8-2019، إذ أدت هبة باب الرحمة إلى ترك “جماعات المعبد” من دون أهداف مرحلية قابلة لدفعها إلى الأمام مع توقف التقسيم الزماني عند نقطة تقدم محددة، وتراجع التقسيم المكاني مرتين في الجهة الجنوبية الغربية ثم الشرقية من ساحة المسجد الأقصى، وهنا قُدم التأسيس المعنوي للمعبد ليكون الهدف التالي القابل للتطبيق وذلك عبر مسارين: الأول نقل كل الطقوس التوراتية التي تتم في مختلف كُنس العالم إلى المسجد الأقصى المبارك بوصفه “المعبد” المزعوم، والثاني إحياء الطقوس التوراتية المختصة بالمعبد والعبادة القربانية فيه مثل إحياء طبقة الكهنة، وإحياء القرابين الحيوانية والنباتية، و”السجود الملحمي” المتمثل بالانبطاح الكامل على حجارة الأقصى لأنها حجارة “المعبد” التي تحل فيها روح الرب وفق الزعم التوراتي.

ويتصدر هذا الهدف المرحلي واجهة أولويات “جماعات المعبد” المتطرفة اليوم، على أساس أن المقتحم اليهودي ليس مجرد زائر بل هو مصلٍّ في أقدس مقدساته، وأدت محاولات فرض هذا الهدف إلى مواجهة اقتحام الأضحى 2019 وكانت عنصراً من ثلاث مقدمات فجرت معركة سيف القدس 2021، إضافة إلى معركة الاعتكاف في 2023.

مع تشكل حكومة نتنياهو السادسة في 29-12-2022 جددت “جماعات المعبد” تطلعها للعمل على الجبهات الثلاث: التقسيم الزماني والمكاني والتأسيس المعنوي للمعبد، ووجهت رسالة من عشرة مطالب لوزير الأمن القومي بن جفير شكلت حتى الآن أساساً نظرياً لسلوكه.

مع تشكل حكومة نتنياهو الحالية السادسة، والتي يمكن القول بحق إنها حكومة تقودها الصهيونية الدينية، جددت “جماعات المعبد” تطلعها للعمل على الجبهات الثلاث، وقدمت في 1-1-2023 رسالة مطالب إلى إيتمار بن جفير، وزير الأمن القومي الصهيوني في هذه الحكومة مع استلام مهامه، وهو العضو المباشر في تلك المنظمات ومستشارها القانوني على مدى سنوات، وقد شكلت هذه الرسالة في التطبيق الأساس النظري لسلوكه تجاه الأقصى وحوت عشرة مطالب أبرزها: زيادة ساعات الاقتحام وإتاحته من جميع الأبواب، ورفع عدد المقتحمين في الفوج الواحد والسماح لهم بالمكوث الطويل من دون مرافقة شرطة الاحتلال وهذ ما يعني العودة إلى مطالب التقسيم الزماني التام، وطلبت تأسيس مدرسة دينية داخل الأقصى وتخصيص مساحة منه لليهود على مدار العام في تجديد لمحاولات التقسيم المكاني، وطلبت تغيير قواعد تعامل شرطة الاحتلال مع الصلوات وإدخال جميع الأدوات الدينية إلى المسجد الأقصى، في إطار التأسيس المعنوي للمعبد.

المحطات التاريخية الخمس لصعود الصهيونية الدينية:

1984: الاختراق السياسي الأول للحاخام مائير كاهانا.

1996-2000: فوز نتنياهو ثم اقتحام شارون: رؤساء وزراء متعاطفون مع الصهيونية الدينية.

2003: التمثيل التدريجي الصاعد في الكنيست.

2013: بدء النفوذ الحكومي بنواب وزراء.

2022: ذروة النفوذ الحكومي: 16 وزيراً في حكومة نتنياهو.

وإذا كان التأريخ للصعود التدريجي للصهيونية الدينية قد مرّ بأربع محطات تاريخية: الأولى في 1984 باختراق أول ممثليهم –الحاخام مائير كاهانا- للنظام السياسي الصهيوني مدة مؤقتة، والثانية في 1996 مع صعود أول رئيس وزراء يتعاطف مع مقولاتهم ويفسح المجال لتطبيقها هو بنيامين نتنياهو وأكملها اقتحام أريئيل شارون للمسجد الأقصى في عام 2000 ثم صعوده لرئاسة الوزراء؛ والثالثة في 2003 بعودتهم للبرلمان الصهيوني “الكنيست” ضمن مسار صاعد متصل مستمر بدأ بنائبين ومضى صاعداً حتى انتهى إلى 23 نائباً عقب انتخابات شهر 3-2020، والرابعة مع تشكيل حكومة نتنياهو الثالثة في 2013 ودخول ممثلي الصهيونية الدينية مساحة النفوذ الحكومي كنواب وزراء ثم وزراء؛ فإن تشكيل الحكومة الحالية بقيادة الصهيونية الدينية فعلياً قد شكل المحطة الخامسة ضمن هذا المسار الصاعد، إذ وضع بتصرفها وزارات المالية والأمن القومي والاستيطان وشؤون القدس والجليل والنقب، إضافة إلى نصف صلاحيات وزارة الحرب تقريباً.

شهد العام الماضي، وتحديداً منذ شهر 1-2023 محاولة تيار الصهيونية الدينية استعادة المبادرة في المشروعات المرحلية الثلاث لتهويد الأقصى: التقسيم الزماني والتقسيم المكاني والتأسيس المعنوي للمعبد، وقد رصدها التقرير في نسخته السابعة عشرة عبر أربعة مستوياتٍ أساسية يتابعها في كل عام: السياسي والأمني والقانوني والديني

  • المستوى السياسي:

التطورات السياسية في استهداف المسجد الأقصى كانت لها ثلاثة مسارات عامة: فرض الطقوس التوراتية في الأقصى، والوصول إلى أكبر نفوذ سياسي لجماعات المعبد في تاريخها، ومعركة الاعتكاف.

تكرر نفخ البوق في المسجد الأقصى على مدى يومي 26 و27-9-2022 وذلك للعام الثاني على التوالي. وغياب أي توثيق لذلك يؤكد حقيقة خطيرة ومؤسفة بأن الأوقاف الأردنية قد فقدت قدرتها على أداء دورها في الجهة الشرقية من الأقصى إلى حدٍّ بعيد.

  • فرض الطقوس التوراتية في الأقصى: واصل التأسيس المعنوي للمعبد تصدر أجندة جماعات المعبد من بعد أحداث كورونا وإغلاق المسجد الأقصى المبارك، ليشكل قلب حراكها في عام 2022 كما رصد ذلك التقرير السادس عشر.

في رأس السنة العبرية يومي 26 و27-9-2022 شهد المسجد الأقصى نفخ البوق فيه إيذاناً ببداية السنة العبرية وحصل ذلك مراتٍ عديدة وعلى مدى يومين، وهي السابقة التي تتكرر للمرة الثانية في تاريخ المسجد منذ احتلاله. ورغم تكرارها وتكثيفها فإنها مرت بلا أي تصوير للسنة الثانية على التوالي، وهو ما يؤكد حقيقة خطيرة ومؤسفة بأن الأوقاف الأردنية قد فقدت قدرتها على ممارسة دورها في الجهة الشرقية من ساحة المسجد الأقصى إلى حدٍّ بعيد، ولم تعد قادرةً حتى على توثيق ما يحصل فيها من عدوان، فضلاً عن صده أو منعه، وهذا ناقوس خطر محدق بالوحدة المكانية للمسجد الأقصى المبارك.

في اقتحام عيد الغفران التوراتي يوم 5-10-2022 تكرر نفخ البوق من المدرسة التنكزية، ووصلت جماعات المعبد إلى أعلى رقم قياسي من المقتحمين تسجله في هذا العيد رغم الصيام الكامل وتوقف المواصلات، أما في أيام عيد العُرش بين 10 إلى 17-10-2022 فقد أدخلت القرابين النباتية تحت علم شرطة الاحتلال لأول مرة منذ احتلال المسجد، وهي التي كانت “تُهرّب” سابقاً بتغافل الشرطة ذاتها منذ 2016، وتعمد المقتحمون هذه المرة ترك تلك القرابين خلفهم ليؤكدوا للمصلين المسلمين بأنهم لم يعودوا مجبرين على إزالتها ولم تعد الشرطة تحرص على ذلك أيضاً.

في الفصح العبري المتزامن مع الأسبوع الثالث من رمضان كانت جماعات المعبد تستعد بكل إمكاناتها لعدوان غير مسبوق، وإن كانت شرطة الاحتلال أحرص هذه المرة على نفي إمكانية تقديم القربان الحيواني في الأقصى بعد تجربة العام الماضي، فإن مبادرة المرابطين لفرض الاعتكاف أفشلت هذا المسعى وجددت فعالية التناظر الهجري-العبري في فرض توقيت المواجهات في الأقصى للمرة الثانية من بعد معركة سيف القدس 2021 التي انطلقت في 28 رمضان المتقاطع في حينه مع الذكرى العبرية لاحتلال القدس وما يرافقها من عدوان.

وقد أدت معركة الاعتكاف إلى تراجع زخم جماعات المعبد وقدرتها على حشد جمهورها في اقتحام الذكرى العبرية لاحتلال القدس يوم 18-5-2023، لكنها تمكنت من استعادته في المناسبة التالية في “ذكرى خراب المعبد” يوم 27-7-2023 والمتقاطعة مع يوم التاسع

اقتحام “ذكرى خراب المعبد” في 27-7-2023 كان أسوأ اقتحامٍ للأقصى في تاريخه من حيث استعراض الحضور اليهودي وفرض الطقوس التوراتية فيه.

من محرم، إذ جددت رقمها القياسي البالغ 2200 مقتحماً والمسجل في المناسبة ذاتها عام 2022، لكنها سجلت من حيث كثافة الاقتحام واستعراض الطقوس التوراتية أسوأ اقتحامٍ للأقصى منذ احتلاله.

شهر رمضان مرشح لأن يبقى عنوان مرشحاً للمواجهة على الأقصى على مدى ثلاث سنواتٍ مقبلة بسبب تقاطع “عيد المساخر” العبري مع أيام 11 ثم 14 و15 منه.

التناظر الهجري-العبري سيتغير بدءاً من 16-9-2023 ليضع مناسبتين هامشيتين عبريتين مقابل مناسبتين إسلاميتين: “المساخر العبري” مع منتصف رمضان، و”عيد الأسابيع” مع العشر الأوائل من ذي الحجة.

التناظر الهجري-العبري سيتغير في الأعوام الثلاثة التالية، إذ مع دخول السنة العبرية 5784 في 16-9-2023 سيضاف شهر للسنة العبرية لتنتهي التقاطعات بين المناسبات الكبرى والتي تواصلت على مدى خمس سنوات بين 2019-2023 وأدت إلى اندلاع مواجهتين خلال المناسبات العبرية المتقاطعة مع شهر رمضان المبارك، ليحل محله تناظر جديد أقل اشتعالاً يتحقق في مناسبتين: الأولى تقاطع “عيد المساخر” العبري مع الأسبوع الثاني من رمضان وتحديداً في ثلاثة أيام هي “صيام إستير” المتقاطع مع 11 رمضان ويومي المساخر المتقاطعين مع 14 و15 رمضان، وهذا ما يعني أن رمضان سيستمر عنواناً مرشحاً لتفجر المواجهة على المسجد الأقصى على مدى السنوات الثلاث المقبلة: 2024-2026، لكن المناسبة العبرية التي تحل فيه هي إحدى المناسبات الهامشية، واحتمالات التفجر محكومة بمدى التوظيف السياسي من كيان الاحتلال وجماعات المعبد لهذه المناسبة.

العنصر الثاني في هذا التناظر سيكون بين عيد الأسابيع واليوم السادس من عشر ذي الحجة وذلك في 12-6-2024. أخيراً، سيشهد عام 2024 وحده من بين تلك السنوات تناظراً بين الاحتفالات العبرية بنكبة عام 1948 واليوم الميلادي للنكبة، إذ ستحل “احتفالات الاستقلال” الصهيونية في 14-5-2024 أي قبل يوم واحد من ذكرى النكبة، وستأتي الذكرى العبرية لاحتلال كامل القدس متناظرة تماماً مع اليوم الأول لبدء حرب 1967 في يوم 5-6-2024، لكن هذا التقارب سيتغير في عامي 2025 و2026.

تجلى نفوذ جماعات المعبد في عدة محطات أبرزها:

رسالة المطالب العشرة والاقتحامات الثلاثة لبن جفير والتي عدّل خلالها قواعد تعامل الشرطة مع المقتحمين، واللقاء في أنفاق السور الغربي للأقصى مع 8 وزراء الذي تلاه تجديد حضور لوبي المعبد في الكنيست.

أكبر نفوذ سياسي في تاريخ جماعات المعبد:

24% من الكنيست، 40% من حجم الائتلاف الحاكم، 50% من حقائب الحكومة.

  • الوصول إلى أكبر نفوذ سياسي في تاريخ جماعات المعبد: من خلال نتائج انتخابات الكنيست في 1-11-2022 والتي أدت إلى حصول الصهيونية الدينية على 29 مقعداً موزعة بين ثلاثة أحزاب هي: الصهيونية الدينية (14 عضواً)، الليكود (12 عضواً)، المعسكر الوطني (3 أعضاء)، وهذا ما جعل الكتلة المؤيدة لجماعات المعبد في المحصلة تشكل 24% من الكنيست، ومع تشكيل الحكومة الصهيونية تبين أنها تشكل 26 مقعداً من أصل 64 للائتلاف الحاكم أي نحو 40% من مقاعده، حصلت بموجبها على 16 حقيبة وزارية من أصل 32، أي 50% من مقاعد الحكومة الصهيونية، وهذا ما يوضح ثقلها النوعي النسبي مقارنة مع ثقلها العددي وذلك لكونها بيضة القبان وصلة الوصل في الائتلاف الحاكم المكون من أحزاب المتدينين التقليديين وحزب الصهيونية الدينية وحزب الليكود، الذي يحتوي داخله نسبة وازنة من سياسيي الصهيونية الدينية لمنعها من تشكيل بديلٍ موازٍ له في الحجم.

عبّر هذا النفوذ عن حجمه في عدة محطات: في الرسالة الموجهة إلى إيتمار بن جفير وزير الأمن يوم 1-1-2023 وحملت مطالبها العشرة، وفي افتتاح بن جفير عمله الحكومي باقتحام الأقصى يوم 3-1-2023، وتكراره ذلك مرتين يوم 21-5 ثم 27-7، وكان كل اقتحام يشهد تغييراً في قواعد الاقتحام بأوامر مباشرة منه. وقد استعرضت جماعات المعبد هذا النفوذ في لقاء عقدته يوم 21-5-2023 مع ثمانية وزراء في الحكومة الصهيونية ورئيس الكنيست ومعه ثلاثة من الأعضاء، وصرح رئيس الكنيست خلاله بأن “من يسيطر على جبل المعبد يسيطر على القدس، ومن يسيطر على القدس يسيطر على أرض إسرائيل”. لم يكد يمر أسبوعان على هذا اللقاء حتى كانت الكنيست في 29-5-2023 تشهد مؤتمراً صحفياً لتجديد إطلاق “لوبي المعبد” بمبادرة ثلاثة أعضاء كنيست من حزب الليكود الحاكم، هذا النفوذ أغرى كذلك عضو الكنيست عن حزب الليكود والمنتمي فكرياً لتيار الصهيونية الدينية عميت هليفي بأن يشرَع في 7-6-2023 في الترويج لمشروع قانون جديد لتقسيم الأقصى.

جاءت معركة الاعتكاف في شهر 4-2023 لتكون محطة التراجع الصهيونية السابعة في المسجد الأقصى والقدس منذ 2013، رغم صعود الصهيونية الدينية وتصاعد سقف العدوان على الأقصى.

حاولت شرطة الاحتلال منع الاعتكاف لتحاول التأكيد أنها هي من تتولى إدارة المسجد الأقصى عملياً، وهي من تحدد لأتباع كل دين متى يدخلون المسجد الأقصى.

  • معركة الاعتكاف: بدأ المرابطون محاولة فرض الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك منذ الليلة الثانية لرمضان، وواجهتهم شرطة الاحتلال بالمقابل بكل أساليب القمع والبطش لمنع ذلك الاعتكاف، لتحرص على تأكيد أنها هي من تتولى إدارة المسجد الأقصى عملياً، وهي من تحدد لأتباع كل دين متى يدخلون المسجد الأقصى، وكان هذا واضحاً في بياناتها التي أكدت أن المعتكفين “خالفوا النظام” وأنها “تخليهم تمهيداً لدخول الزوار في اليوم التالي”، أي أنها تخليهم وتمنعهم من إقامة شعائرهم للتمهيد للاقتحامات الصهيونية الصباحية. وقد وصل القمع في ليلة 5 و 6-4-2023 إلى حد الاعتداء على المعتكفين والمعتكفات بالهراوات وقنابل الغاز والصوت والرصاص المغلف بالمطاط داخل الجامع القبلي، وهذا ما أدى إلى تفجر مواجهة متعددة الجبهات بإطلاق الصواريخ من غزة ثم بعملية الأغوار صباح الجمعة 7-4-2023 وبإطلاق الصواريخ من جنوب لبنان في منتصف رمضان ثم من الجولان المحتل، وهذا كله أدى إلى تراجع جديد لقوات الاحتلال إذ فرض عليها الاعتكاف بعد صلاة العشاء من يوم 8-4-2023 رغم أنها أعطت إنذاراً للمعتكفين بإخلاء الأقصى، وكذلك حجّمت من عدوانها على الأقصى في ما تبقى من اقتحامات الفصح العبري، وتراجعت عن اقتحامات العشر الأواخر التي كان بن جفير يدفع باتجاهها، فكانت المحطة السابعة منذ 2013 في مسار المواجهات والهبات المتتالية التي تُفرض فيها التراجعات في الأقصى رغم صعود الصهيونية الدينية، والسقف المتصاعد للعدوان عليه.
  • المستوى الأمني:

تتبع محطات العدوان لا يدع مجالاً للشك في أن شرطة الاحتلال هي الطليعة الفعلية لتهويد الأقصى، والطرف الأكثر مبادرة لتغيير الوضع القائم فيه.

تتبّعُ محطات العدوان على الأقصى لا يترك مجالاً للشك في أن شرطة الاحتلال تشكل طليعته الفعلية، فهي تضطلع بالدور الأهم والأكبر في تهويد المسجد الأقصى، وهي الطرف الأكثر مبادرة لتغيير الوضع القائم فيه، فهي من واجهت المعتكفين في 2013 وكادت أن تجدد حريق الجامع القبلي، وهي من حاولت فرض التقسيم الزماني التام ومنع المصلين المسلمين من دخول المسجد لعلها تخصصه للمقتحمين في الأعياد اليهودية في شهور 9 و10-2015، وهي من حاولت فرض البوابات الإلكترونية في 7-2017، وهي من حاولت قضم باب الرحمة ووضعت قفلاً عليه في 2-2019، وهي من حاولت بكل أشكال العدوان فرض اقتحام 28 رمضان في 10-5-2021، وهي من أطلقت الرصاص على الرؤوس والعيون من نوافذ الجامع القبلي واعتقلت 470 مصلياً من داخله يوم 15-4-2022، وهي من حاولت قمع الاعتكاف بالطريقة ذاتها في 4-2023، بلغة أخرى: إذا كانت جماعات المعبد المتطرفة تحاول أن تظهر بوصفهاالواجهة المدنية لتهويد الأقصى واصطناع صورة مطالبة جماهيرية بتحقيق الوجود الديني اليهودي فيه، فإن شرطة الاحتلال هي الواجهة الحقيقية الأكثر شراسة ومبادرة في تهويد الأقصى، وهي التي تفصح عن حقيقة الإرادة الحكومية الصهيونية تجاهه منذ أكثر من عقدٍ من الزمن.

خلال العام الماضي تواصلت خطوط العدوان الأربعة متصلةً كما كانت في سابقيه، وهذه الخطوط هي:

في 27-7-2023 تغيرت قواعد الاقتحام لتسمح بدخول 100 مقتحم في الفوج الواحد، وبوجود ثلاثة أفواج مقتحمين متزامنة، وبالتسامح مع الطقوس التوراتية العلنية الذي بدأ تدريجياً على مدى سنوات.
  • تعزيز سيطرتها وفرض قواعد اقتحام جديدة: إذ خاضت على مدى أسبوعين من رمضان حرباً سافرةً على الاعتكاف لتعزز مكانتها بوصفها هي من تدير المسجد الأقصى وهي من تفرض قواعد تقسيمه بين المسلمين واليهود. وهي وتحت الإشراف المباشر لوزير الأمن القومي إيتمار بن جفير باتت تتسامح تماماً مع الصلوات التوراتية وتعدها حقاً مكتسباً، وتكرس ذلك بأداء بن جفير نفسه لتلك الطقوس في 21-5-2023 وتوبيخه لقائد شرطة القدس حين حاول منعه منها، ثم بتغيير كبير في قواعد الاقتحام في 27-7-2023 تمثل في رفع عدد فوج المقتحمين الواحد إلى 100 مستوطن، مع السماح بوجود ثلاثة أفواج داخل المسجد في اللحظة الواحدة ليصل عدد المقتحمين إلى 300 داخل الأقصى وهو ما يزيد عن عدد حراسه وموظفيه والمرابطين القلائل الذين تمكنوا من الوصول إليه، وبإدخال باب الأسباط إلى نطاق حركة المقتحمين مرات عديدة بدءاً من 7-8-2022 وصولاً إلى 27-7-2023.
  • الالتزام بفرض الطقوس اليهودية بالقوة: وذلك عبر تعزيز حضور شرطة الاحتلال، ورعايتها لنفخ البوق وتقديم القرابين النباتية وأداء مختلف الطقوس والصلوات التوراتية الجماعية العلنية، وأداء “السجود الملحمي” بالانبطاح الكامل على الوجه جماعة، والاكتفاء بمطالبة المقتحمين بمواصلة المسير، وتأكيد عدم التصوير. وقد أفصحت جماعات المعبد مطلع 8-2023 عن اتفاقٍ كانت شرطة الاحتلال تحاول إبرامه معهم بأن “يفعلوا ما يحلو لهم” في الأقصى “شرط عدم التصوير”.
  • مواصلة استهداف مصلى باب الرحمة: إذ دهمت شرطة الاحتلال في 22-4-2023، الموافق ثاني أيام عيد الفطر مصلى باب الرحمة وخربت شبكة الكهرباء فيه وسَطَت على المراوح والمدافئ والسماعات وخزانة القواطع، في مسعى متجدد لمنع استعادة باب الرحمة إلى أصله كأحد المصليات المسقوفة في المسجد الأقصى، وقد بادر المرابطون إلى إصلاح آثار ذلك العدوان فعادت شرطة الاحتلال إلى تخريب المصلى من جديد صباح 23-4-2023، لتتشبث بسياسة استمرار إغلاق المصلى بوصفها سياسة ثابتة لشرطة الاحتلال منذ 2003 وعلى مدى عشرين عاماً، رغم فتحه بقوة الجماهير في 2019.
إعلان منع موظفي لجنة الإعمار من العمل في 2-7-2023 يشكل الحلقة الثالثة في تقويض مهمة الإعمار بوصفها إحدى المهمات المركزية للأوقاف الأردنية، بعد حظر المشروعات الجديدة في 2010 وحظر أعمال الصيانة في 2017.
  • تصعيد استهداف حراس الأقصى وموظفي الأوقاف: استمر العدوان على حراس المسجد الأقصى على مدى العام الماضي في محاولة لكي وعيهم وردعهم عن القيام بدورهم، وقد شمل العدوان بالضرب والاعتقال والإبعاد حراس الأقصى محمد طينة وعرفات نجيب وخليل الترهوني ولؤي أبو السعد وجاد الله الغول ومحمد السنجلاوي، وفي بعض الحالات صادرت منهم مفاتيح مصليات المسجد كما فعلت في قبة الصخرة يوم 27-7-2023. إلى جانب ذلك، صعّدت شرطة الاحتلال حربها على إعمار المسجد الأقصى المبارك، فبعد منع المشاريع الجديدة في 2010 بناء على توصية تقرير المراقب العام لدى الاحتلال، ووقفِ أعمال الصيانة وملاحقة مهندسي لجنة الإعمار إن قاموا بها بدءاً من 2017، أبلغت شرطة الاحتلال موظفي لجنة الإعمار بوقف عملهم تماماً في 2-7-2023، ومنعهم حتى من الالتحاق بمشاغلهم التي يصنّعون فيها النوافذ الجصية والزجاجية ومختلف متطلبات الإعمار، وهذا ما يعني محاولة تقويض البنية التحتية للإعمار، وهي الحلقة الثالثة من سياسة متدرجة تهدف إلى تقويض مهمة الإعمار بوصفها إحدى المهمات المركزية للأوقاف الأردنية.
شهد العام الحالي العودة إلى محاولة تشريع قانونٍ لتقسيم الأقصى أعلن عنها عضو الكنيست عن حزب الليكود الحاكم عميت هليفي في 7-6-2023 وتقترح تخصيص 70% من مساحة المسجد –بما فيها قبة الصخرة- لليهود.
  • المستوى القانوني:

كانت محاكم الاحتلال قد عادت إلى النشاط لتكون بوابة تغيير التعريفات القانونية إذ حاولت في 6-10-2021 إضفاء المشروعية على “الصلوات التوراتية الصامتة”، ومن ثم عادت في 22-5-2022 لمحاولة إضفاء المشروعية على الطقوس العلنية، وهو ما أسهم كثيراً في تصعيد مسار فرض تلك الطقوس، وفي تعامل شرطة الاحتلال مع المقتحمين الصهاينة كونهم “مصلين” وليسوا مجرد زوار.

العام الحالي بالمقابل شهد محاولة العودة إلى المسار التشريعي، فبعد محاولتين لتقديم مسودات لتقسيم الأقصى زمانياً في 2012 و2013 مُنعت كلتاهما من التداول في توظيفٍ نادر لصلاحيات رئاسة الكنيست؛ عاد عضو الكنيست عن حزب الليكود عميت هليفي لإعلان نيته تقديم مشروع قانون يقترح تقسيم المسجد الأقصى مكانياً هذه المرة، ويهدف القانون إلى تخصيص 70% من مساحة الأقصى بما فيها قبة الصخرة حتى أقصى الشمال لليهود، مع إبقاء سبيل الكأس والجامع القبلي والساحات الجنوبية للمسلمين، وهو مشروع لم يقدم رسمياً حتى كتابة هذه السطور رغم الترويج له.

  • المستوى الديني:

تواصل جماعات المعبد المتطرفة –كونها واجهة تيار الصهيونية الدينية لتهويد الأقصى- سعيها الدؤوب إلى تغيير الرأي الديني التقليدي الذي يحظر دخول اليهود إلى المسجد الأقصى بوصفها المعبد المزعوم، وذلك لافتقاد شرطين من الشروط التي تسمح بدخوله: الأول وهو الإشارة الإلهية: بمجيء المخلص أو نزول المعبد من السماء أو بدء “العهد المشيحاني” عموماً، والثاني وهو تحقيق شرط الطهارة: إذ تعد الشريعة اليهودية لمس الموتى أو الاجتماع معهم تحت سقف واحد أو دخول المقابر مصدر النجاسة الكبرى، التي يحتاج التطهر منها إلى تحقيق طقس البقرة الحمراء.

على مدى مدة الرصد، عملت جماعات المعبد المتطرفة في أربعة اتجاهاتٍ مركزية:

  • تجديد الجدل على المنع الحاخامي: جددت الحاخامية الرسمية في 22-12-2022 وضع اليافطة التحذيرية التي تبين موقفها بمنع دخول اليهود إلى “جبل المعبد” لعدم تحقق الشروط المطلوبة لذلك، وكانت جماعات المعبد قد تمكنت من إزالتها في 7-8-2022، في تجديدٍ لجدل سبق أن أثير قبيل معركة القدس وفي أثنائها في 5-2021، وتجدد من قبلها مرات عديدة بمحاولات متكررة من جماعات المعبد لفرض رأيها وإزالة هذه اليافطة تماماً.
  • مواصلة إحياء طبقة الكهنة: تواصل جماعات المعبد عملها على تأهيل طبقة “كهنة المعبد” وهي الطبقة التي تقود الصلوات التوراتية فيه والطقوس القربانية بحسب وصف التلمود، ويفترض أن يكونوا من نسل “هارون الكاهن”، النبي عليه السلام وفق الرؤية الإسلامية. وعملية الإحياء هذه تتضمن محاولات لإثبات النسب، ثم لدراسة التوراة، وتدريب الكهنة على أداء الطقوس التوراتية كونهم واسطة بين الرب والمصلين في تلك الطقوس، فهم من يقدمون القرابين، وينقلون بركة الرب، ويستعيدون الطهارة الأصلية لبقية اليهود في طقس البقرة الحمراء. وضمن محاولة إحياء هذه الطبقة تصر جماعات المعبد على محاكاة ذبح القربان للعام التاسع على التوالي، والذي تم هذا العام يوم 2-4-2023 في ساحة مركز ديفيدسون مقابل ساحة البراق من الجهة الغربية، وبدأت كذلك تشجع أداءهم كامل صلاة “بركات الكهنة” بشكلٍ جماعي داخل الأقصى، وقد رُصدت أمام الكاميرات لأول مرة في 7-3-2023، وتكررت في 22-7-2023، وتشجعهم كذلك على اقتحام الأقصى بالثياب البيضاء على مدار العام لتمييز أنفسهم.
  • الوصول إلى موقع الحاخامية الرسمية: تحاول جماعات المعبد تعزيز موقفها في هذا الجدل بدعم مرشحين يتبنون رأيها المشجع لاقتحام الأقصى، أو على الأقل يتبنون رأيًا محايدًا تجاهه، لعلها بذلك تخفف من دور الرأي الحاخامي الرسمي كأحد العناصر الأساسية التي تقلل من استجابة جمهورها المباشر لدعوات اقتحام الأقصى، خصوصًا أن جزءًا من هذا الجمهور ما زال يتأثر برأي الحاخامية الرسمية رغم كونه يعتنق الصهيونية الدينية سياسياً. ومع اقتراب الانتخابات الحاخامية نهاية عام 2023 جرى التوافق داخل هذا التيار على تقديم الحاخام مائير كاهانا –القاضي الحاخامي البالغ من العمر 54 عاماً- مرشحًا للحاخامية الأشكينازية، والحاخام يهودا حايك مرشحًا للحاخامية السفاردية، ورغم أن حظوظهما في النجاح غير واضحة فإن هذه المحاولة من شأنها – إن نجحت – أن تكسر المنع الحاخامي تجاه الاقتحامات وتعزز أعداد المقتحمين.
  • إحياء طقس البقرة الحمراء: في 15-9-2022 أعلن معهد المعبد عن وصول خمس بقراتٍ حمراء صغيرة السن إلى فلسطين المحتلة عبر مطار اللد، وهي مرشحة لتحقيق شروط البقرة الحمراء بعدم وجود أي شعرة من لون مختلف، وأن تتجاوز عمر سنتين من دون أي عيب ظاهر ومن دون أن تَلِد أو تُحلب أو تحرُث أو تُجرّ عليها عربة أو تُركب أو تُربط رقبتها، وهذا الإعلان هو الخامس في تاريخ جماعات المعبد عن مثل هذه البقرة على مدى 36 عاماً من العمل على إيجادها، ويأتي لاحقاً لبرنامجٍ لزراعة الأجنة دام أكثر من خمس سنوات لم يتمكن من الوصول إلى البقرة المطلوبة، ولذلك لجأ هذه المرة لاستيراد بقرات مرشحة من الولايات المتحدة، بدعم من جماعة مسيحية إنجيلية تسمي نفسها “بناء إسرائيل”، وبرعاية رسمية من وزارة الزراعة ووزارة شؤون القدس الصهيونيتين.

إذا ما نجحت هذه المحاولة الخامسة وتم طقس ذبح البقرة الحمراء، فهذا من شأنه أن يساعد في كسر العزلة عن جماعات المعبد ومرشحٌ لأن يضاعف جمهورها أربعة أضعاف تقريباً، وهذا ما يعني أن متوسط الاقتحام اليومي يمكن أن يصل إلى 800 وأن أكبر اقتحام يمكن أن يصل إلى محيط 9000 أما عدد المقتحمين السنوي فمن الممكن أن يصل إلى 200 ألف، وهذا ما يهدد بفرض هوية جديدة على المسجد الاقصى بوصفه مقدساً مشتركاً، وهو ما يجب أن يُنظر إلى استباقه كأولوية، علماً أن مفاعيل ذلك ستتضح ما بين منتصف شهر 10-2023 و2-2024 اعتماداً على أعمار الأبقار الخمس المرشحة، والتي يكفي ذبح واحدة منها تتحقق فيها الشروط لفتح الباب لمثل هذا التغيير.

يتبع..

تصدره مؤسسة القدس الدولية في الذكرى السنوية لإحراق المسجد الأقصى

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!