-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
يزاحمون الكبار في الطرقات والحقول والأسواق

تلاميذ يمارسون أشغالا شاقة لاقتناء الأدوات المدرسية

سمير مخربش
  • 690
  • 0
تلاميذ يمارسون أشغالا شاقة لاقتناء الأدوات المدرسية
أرشيف

يزاول العديد من الأطفال في الجزائر مهنا شاقة، من أجل الحصول على دراهم معدودات، تضمن لهم شراء الأدوات المدرسية، والظهور في تلك الصور الجميلة لتلميذ يرتدي مئزرا ويحمل محفظة مملوءة تجعله يشعر بالكمال وبالحضور ككل التلاميذ في الموعد مع كل المستلزمات.

هؤلاء الأطفال من الذين آمنوا بروح المسؤولية قبل الأوان وأصبحوا يملكون مزاج الكبار ببهارات رجالية، مسؤوليتهم اليوم هي ضمان صورة معينة وسط الناس، فبدت عليهم ملامح المكافحين الصغار الذين انتشروا في الأسواق والحقول والطرقات يعملون كمحترفين في أنشطة خلقت لغيرهم ولزمن غير زمنهم.

من هؤلاء التقينا لؤي وهو طفل في الحادية عشر من العمر نجح الموسم الماضي في شهادة التعليم الابتدائي ويستعد للالتحاق بمقعده في الطور المتوسط، لكن قبل ذلك عليه أن يتدبر أمر الأدوات المدرسية لأن والده توفي متأثرا بفيروس كورونا وتركه رفقة إخوته الثلاثة وأمه في حيرة لكسب قوت يومهم.

ولذلك اختار لؤي الطريق الوطني رقم 5 الرابط بين سطيف والعلمة وبالضبط بمنطقة السمارة لبيع الذرى، جلسنا معه للحظات اختصر فيها شقاء رجل كبير في ثوب طفل صغير، فيومه يبدأ في السادسة صباحا أين يخرج من منزله باتجاه الحقول التي تبيع الذرة بمنطقة السمارة، وعليه أن يكون من الأوائل الذين يقصدون المكان لأن هناك منافسة لاقتناء نوعية أفضل. وبجسمه الصغير النحيف يضطر أحيانا إلى مساعدة صاحب الحقل في جني المحصول واختيار الذرة بنفسه ثم يقوم بحملها في كيس على كتفه ويتنقل بها إلى حافة الطريق.

كيس عملاق يقصم ظهره بدل المحفظة

المهمة تتطلب أيضا جلب الحطب لإشعال النار، ودلو من الماء وكمية من الملح، كلها ضروريات يحملها لؤي بنفسه لتحضير الذرى وعرضها على الزبائن وسط ظروف صعبة محفوفة بالمخاطر التي تبدأ بالحمل الثقل وتزداد مع إشعال النار، وتبلغ حدتها مع حركة المركبات وتوقفها المفاجئ الذي قد تنتج عنه حوادث مرور خطيرة. وهو ما يؤكده لؤي الذي يقول بأنه نجا من الموت بأعجوبة بعد حادث انحراف سيارة اصطدمت ببضاعته وكادت أن تضع حدا لحياته.
ويحكي لؤي عن يومياته مع الذرة التي يشتريها مقابل 30دج للحبة ويبيعها بـ 50 دج، وهي تجارة مربحة إلى حد ما وتسمح له بشراء بعض الضروريات لأمه وإخوته وتمكنه من شراء الأدوات المدرسية وما تيسر من الملابس التي تؤهله للظهور بهندام لائق في المدرسة. هي قصة طفل كتب عليه الكفاح في الصغر فاستلم أمانة عائلة بحاجة لمن يطعمها ويحفظ لها مكانة وسط مجتمع لم يعد يعير اهتماما لبراءة الأطفال.

يجني الخضر قبل جني نتائج الدراسة

ليس بعيدا عن منطقة السمارة توجهنا إلى بلدية بازر سكرة بولاية سطيف، وبالضبط إلى الأراضي الفلاحية التي اشتهرت بإنتاج الخضروات وهناك التقينا نضال البالغ من العمر 14 سنة يدرس في الطور المتوسط وهو الآخر كانت العطلة شاقة بالنسبة إليه، فقد وجد نفسه وسط الفلاحين ينافسهم بجسمه النحيف في جني الفاصوليا الخضراء، ظهره تأقلم مع الإنحاء الدائم لاقتلاع الثمار التي يتصيدها بيده ليجمعها في كيس قبل أن يحاسب بها صاحب الأرض. إنه يقوم بعمل شاق تحت شمس محرقة، وكل ذلك من أجل دنانير متفق عليها في أعراف استغلال الأطفال وتقدر بـ 20 دج للكيلوغرام، وعلى نضال أن يجني أكبر كمية ممكنة حتى يتسنى له كسب مزيد من المال.
هكذا هو عمله كل يوم وعليه أن يكون حاضرا في الحقل ابتداء من الساعة 05:30 سا أي بعد صلاة الصبح مباشرة ويواصل العمل إلى الزوال وهو التوقيت المعمول به في هذه الحقول. في هذا اليوم تمكن نضال من الحصول على 400 دج بعدما جني 20 كلغ من الفاصوليا، وهو المعدل اليومي بالنسبة إليه ويسمح له بشراء بعض اللوازم وعليه أن يدخر النصف كي يتمكن من شراء الأدوات المدرسية وبعض الحاجيات.

تلاميذ تسربوا إلى عالم الشغل من نافذة النشاط الموازي

من الصدف أن لنضال شقيق يكبره سنا اسمه ماهر يبلغ من العمر 16 سنة ينتقل هذا العام إلى السنة الثانية ثانوي، وقد استغل فترة العطلة كاملة للعمل كحمّال بشارع دبي التجاري بالعلمة معتمدا على عربته التي يعرضها للزبائن من أجل حمل بضاعتهم، هو واحد من عشرات الحمالين الذين يصنعون ديكور الحي التجاري فتجدهم بمدخل الأزقة يترصدون أي زائر يتأبط كيسا أو كارطونا فيعرضون عليه خدمة حمل البضاعة، وقد امتهن ماهر هذا العمل منذ 3 سنوات بل منذ ثلاث عطلات صيفية، يتحرك بالعربة (الكروسة) لتوصيل مشتريات ثقيلة عجز أصحابها على حملها فتجده يكابد وهو يتصبب عرقا ليدفع عربته الثقيلة. هذا العمل شاق ويتطلب مجهودا عضليا لا يليق بالصغار، لكن الحاجة هي التي دفعته إلى تحمل هذه المسؤولية وهو المبتغى الذي دفع العديد من الأطفال الى نزع ثوب البراءة وخوض تجربة العمل قبل الأوان.
هي فئة كتب عليها الشقاء في سن مبكرة، والدافع الرئيسي هو الحصول على دخل يسمح بتلبية الحاجيات اليومية والموسمية. وقد تفاقمت الظاهرة مع تعقد الوضعية الاجتماعية لأغلبية العائلات الجزائرية وتراجع القدرة الشرائية التي ازدادت تعقيدا في السنتين الأخيرتين بسبب جائحة كورونا والتي مسحت جزءا هاما من الفئة المتوسطة ووسعت في دائرة الفقر. وأغلبية الأطفال الذين تسللوا إلى عالم الشغل دخلوا من باب الاقتصاد الموازي والتجارة غير المرخصة فتنوع نشاطهم في عدة مجالات أبرزها بيع المواد الغذائية عبر الطرقات مثل الذرة والمطلوع والحمص والفول والخضر والفواكه، وهناك أطفال يقومون بجمع المواد الموجهة إلى الرسكلة في مقدمتها البلاستيك والحديد، وفيهم من ينشط في قطاع الفلاحة وكلها نشاطات موازية تغيب عنها الرقابة وحتى الإحصائيات غير متوفرة لصعوبة متابعة الظاهرة.
والملاحظ أن أغلبية الأطفال العاملين من فئة الذكور بينما يكاد يقتصر نشاط الإناث على بيع المطلوع في الطرقات أو أشغال التنظيف في المنازل. وكلها مجالات تبقى بعيدة عن الرقابة وعن أعين مفتشية العمل التي تمنع عمالة الأطفال وفق ما تنص عليه القوانين في الجزائر وتبعا لما تتضمنه الاتفاقات الدولية وتشريعات المنظمات المهتمة بحماية الأطفال. لكن بما أن الأمر يتعلق بنشاط موازي فهناك فئة من الأطفال تسربت إلى عالم الشغل لضمان لقمة العيش، ونشاطها يزداد في العطلة التي تعد فرصة للحصول على دخل مالي يضمن لقمة العيش ويوفر لهم القدرة على شراء الملابس والأدوات المدرسية بالنسبة للمتمدرسين الذين اتسعت رقعتهم مع تعقد الأوضاع الاجتماعية. ولذلك يطالب المختصون باستدراك الوضع قبل بلوغه مراحل متقدمة لأن الطفل خلق ليلعب ويمرح ويتعلم ولازال غير معني بالعمل المخصص للكبار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!