تنظيمٌ محدود أم دولة عظمى؟
يُخيّل لمن يطلع على تصريح وزير الدفاع الأمريكي السابق، ليون بانيتا وهو “يبشر” العالم بأن الحرب على تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف اختصاراً بـ”داعش” ستستمر “ثلاثين عاماً على الأقل”، أن أمريكا وحلفاءها الستين سيحاربون دولة عظمى لها جيش من ملايين المقاتلين وأسلحة فتاكة وطيران متطوّر وصواريخ عابرة للقارات وأسلحة نووية وكيماوية وتيكنولوجيا عسكرية متقدّمة… وليس مجرد تنظيم محدود محاط بالأعداء من كلّ جانب.
صحيح أن لـ“داعش” عشرات الآلاف من المقاتلين الذين يحاربون بشراسة قلّ نظيرُها، ويشرف على تدريبهم ضباطٌ سامون في جيش صدام المُحل. ما مكّنه من السيطرة على مساحة كبيرة في سوريا والعراق تناهز مساحة بريطانيا (نحو 220 ألف كلم مربع) وقد ازداد قوة بعد أن “غنم” أسلحة أمريكية حديثة وثقيلة في جوان الماضي فور استيلائه على الموصل، ويهيمن على العديد من آبار النفط الصغيرة في العراق وسوريا والتي يضمن بها تمويل نفسه… ولكن كل عناصر القوة هذه لا تعني أن أمريكا وحلفاءها الستين بحاجة إلى 30 سنة كاملة للقضاء عليه، فقد كانت ألمانيا النازية قوّة عسكرية عالمية جبّارة ولها صناعة عسكرية متطّورة، وجيش بملايين الجنود، ولكن الحلفاء لم يحتاجوا إلى أكثر من ست سنوات للقضاء عليها، فكيف تصمد “داعش” 30 عاما كما يقول بانيتا إذا لم تكن أمريكا تريد ذلك لغايةٍ في نفسها؟.
أطرافٌ دولية عديدة تؤكد عدم جدّية الغارات الأمريكية على “داعش” ولاسيما في محيط مدينة عين العرب؛ فإذا كانت مواقع التنظيم وأسلحته مخفية في المدن التي يسيطر عليها، فماذا عن عين العرب التي يحاصرها مقاتلو التنظيم بدباباتهم وعرباتهم، هل هذه الأسلحة مخفية أيضاً عن الطائرات الأمريكية؟ وهل عجز الطيرانُ الأكثر تطوراً في العالم كله عن القضاء عليها طيلة 39 يوماً من “القصف“؟
ما نريد أن نقوله تحديداً هو إن أمريكا غير عاجزة عن القضاء على “داعش” كما تحاول أن توهم العالم، بل إنها لا تريد ذلك الآن لتحقيق غاياتٍ في نفسها، وفي مقدّمتها إشغال الدول العربية بحروب طاحنة معه تمتدّ عشرات السنين بعد إشعال العديد من الجبهات في المشرق والمغرب، لتقويض جيوشها وتبديد ثرواتها وتفتيتها من خلال تسليح أقلياتها حينما تضعف الجيوش الوطنية وتتراجع، كما تفعل مع بشمركة العراق وأكراد سوريا الآن تحت غطاء الدفاع عن نفسها ضد “داعش“، فتكون نتيجة كل هذه الفتن الهوجاء هي انهيار الدول المركزية وقيام دويلات كثيرة على أسُس طائفية وعرقية وجهوية، ويبقى الكيان الصهيوني هو “الدولة” الكبرى الوحيدة بالمنطقة.
أمريكا لا تريد أن تقتل “داعش“، ولكنها لن تسمح له بأن يتمّدد ويوسّع حدود “دولته” بقضم المزيد من الأراضي والدول وضمها إليه، وإذا استطاع التمدّد خارج الحدود التي تريد رسمَها له، فستقوم بإضعافه بضرباتها الجوّية حتى لا تتضخم قوتُه؛ هي تريده مجرّد أداةٍ لإضعاف الدول العربية الحالية وتفتيتها إلى دويلات كثيرة فاشلة، ولكن ستحرص بين الفينة والأخرى على إضعافه حتى لا يبتلعها ويوحّدها في دولةٍ واحدة تحت راية الخلافة؛ تهدّدها وتهدد الكيان الصهيوني والغرب كله مستقبلاً..
أمريكا تريد تكرار الأنموذج السوري في باقي الدول العربية، حيث تسير الدولة نحو التفكك والانهيار وإمكانية قيام دويلات طائفية وعرقية فيها، بفعل حرب ضارية دامت 3 سنوات تُركت فيها الجماعاتُ الإسلامية تقوّض 70 بالمائة من قدرات الجيش السوري وتُضعِف سلطة الدولة، ولكنها لم تُمكّن من الوصول إلى الحكم..
إنه سيناريو شيطاني ترسمه أمريكا للمنطقة…