-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الرئيس تبون يعتمد إصلاح قانوني تكيفا مع الجرائم الجديدة

ثورةٌ في النّصوص ومواصلة الحربٌ على الفساد

نوارة باشوش
  • 7758
  • 0
ثورةٌ في النّصوص ومواصلة الحربٌ على الفساد

لم تكن سنة 2021، كسابقاتها من حيث إيقاع الأحداث في قطاع العدالة وسلك القضاء في الجزائر، فهذه الأخيرة وثقت ميلاد ترسانة ضخمة من مشاريع القوانين الجديدة وثورة في النصوص التشريعية، إلى جانب استحداث هيئات وأقطاب جديدة، أراد من خلالها مسؤولو الجهاز التنفيذي، بناء جدار فاصل مع الممارسات المشبوهة التي لطخت سمعة القضاء الجزائري في السابق وجعلت الشكوك تحوم حول مصداقية قرارات العدالة.

أقطاب وفروع جديدة وقطيعة مع الممارسات المشبوهة

كما كانت سنة 2021 شاهدة بامتياز على فصول محاكمات تاريخية، دونت تفاصيل حقبة هامة من تاريخ الجزائر، وأسالت الكثير من الحبر وأثارت جدلا امتد إلى خارج حدود الوطن، بداية من مسلسل فضائح تركيب السيارات مرورا بصفقات القمح المشبوهة وصولا إلى قضايا الرشوة والامتيازات غير المستحقة التي أماطت النقاب عن تجاوزات غير مسبوقة في حقبة النظام السابق.

سلطة عليا للوقاية من الفساد وصندوق خاص بالأموال المنهوبة

البداية، كانت من خلال قرار إنشاء السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته التي تضمنها الدستور الجديد في مادته 204، التي ستدعم دون أدنى شك قطاع العدالة باعتبار أنها تتمتع بصلاحيات واسعة بعد أن عوضت الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته التي أنشأت بموجب المادة 17 من القانون 01 /06 المؤرخ في 20 فيفري 2006.

وعلى نفس النهج وبمناسبة جهود السلطات العليا للبلاد المبذولة لاسترجاع الأموال المنهوبة الناتجة من عائدات الفساد، قرر رئيس الجمهورية، القاضي الأول للبلاد عبد المجيد تبون إنشاء صندوق خاص بالأموال والأملاك المنهوبة المصادرة أو المسترجعة في إطار قضايا مكافحة الفساد، الذي جاء بموجب الأمر 21-7 المؤرخ في 8 جويلية والمتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2021 في المادة 43، التي تنص: “أنه يفتح في كتابات الخزينة العمومية حساب تخصيص خاص رقمه 152-302 تحت عنوان صندوق خاص بالأموال والأملاك المصادرة أو المسترجعة في إطار قضايا مكافحة الفساد”.

اعترافات خطيرة ومواجهات ساخنة في ملفات فساد ثقيلة

وتتكون إيرادات هذا الصندوق من الأموال المصادرة بناء على أحكام قضائية نهائية والأموال المسترجعة من الخارج وناتج بيع الأملاك المصادرة أو المسترجعة، ويغطي الصندوق نفقات دفع المصاريف المتعلقة بتنفيذ إجراءات المصادرة أو الاسترجاع أو البيع وتصفية الديون المثقلة على الأملاك المصادرة أو المسترجعة.

قطب جديد لردع الإجرام الإلكتروني

ومواصلة لدفع عجلة القضاء إلى الأمام وبهدف الانتفاء إلى قضاء متخصص للتحكم في الشق الإجرائي والموضوعي بصورة دقيقة، تقرر استحداث ” قطب جزائي متخصص في الجرائم المرتبطة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، وهو قطب ذو اختصاص وطني مكلف بالجرائم السيبرانية، وهو ما سيرفع حسب خبراء القطاع من فعالية التخصص القضائي، حيث ستسند مسؤولية إدارة وتنفيذ المهام الموكلة للقطب الذي أمر رئيس الجمهورية، باستحداثه، على مستوى اجتماع للمجلس الأعلى الأمن في شهر أوت المنصرم، إلى رئيس للقطب، ووكيل الجمهورية وقاضي التحقيق، والذين يمارسون صلاحياتهم في كامل الإقليم الوطني، بحسب نص المادة 211 مكرر23 حيث يحدد النص التشريعي له، 5 جرائم رئيسية مرتبطة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، يختص فيها وكيل الجمهورية لدى القطب وقاضي التحقيق ورئيس ذات القطب “بالمتابعة والتحقيق والحكم”، بمعنى إصدار أحكام قضائية ضد المتورطين، بعد متابعتهم والتحقيق بشأن الأفعال المنسوبة إليهم.

وتتصدر هذه الجرائم، “كل جريمة تمس بأمن الدولة والدفاع الوطني”، إلى جانب جرائم نشر وترويج الأخبار الكاذبة بين الجمهور من شأنها المساس بالأمن والسكينة العامة أو استقرار المجتمع.

وسيتابع كل من ينشر ويروج أخبارا مغرضة تمس بالنظام والأمن العموميين ذات الطابع المنظم أو العابر للحدود الوطنية، ولم يغفل النص التشريعي الهجمات السيبرانية على الأنظمة المعلوماتية للمنشآت الوطنية والتي تقدر بالآلاف يوميا، قصد القرصنة وتدمير قواعد البيانات السرية.

حيث وضع المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات المتعلقة بالإدارات والمؤسسات العمومية، ضمن الجرائم التي يختص بها القطب، وكذا الاتجار بالأشخاص أو الأعضاء البشرية أو تهريب المهاجرين، وجرائم التمييز والكراهية.

رفع التجريم عن التسيير وردع المضاربين

وتنفيذا لسياسة ترقية التنمية المحلية ومنه دفع الاقتصاد الوطني بتشجيع الاستثمارات وخلق مناصب شغل، وتحفيز المسؤولين المحليين من ممارسة مهامهم بالعمل وفقا للقانون دون عرقلة المشاريع ودون السقوط في فخ الفساد، أقر رئيس الجمهورية شهر أوت المنصرم رفع قيود تجريم عن فعل التسيير، في انتظار تعديل القوانين ورفع هذا التجريم بقوة القانون، حيث سيتضمن المشروع الجديد مادة تسمح للقاضي إصدار أوامر بانتفاء وجه الدعوى في قضايا تم فتحها من طرف الجهات القضائية وهي قيد التحقيق والتي ثبت أن المتهمين فيها لم يرتكبوا أفعال جنائية بل مسؤولية تسييرية باعتبار أن خطأ التسيير يمكن أن يكون خطأ مدنيا، أو خطأ تأديبيا ولكن ليس خطأ من شانه أن يكون ذي طبيعة جزائية.

رفع التجريم عن التسيير يصنع الحدث

كما أن تحديد هذه الأخطاء بموجب القانون ستسمح بمعرفة مجال تطبيق رفع التجريم عن فعل التسيير الذي ينبغي أن يستبعد الفساد أو إساءة استخدام الأملاك الاجتماعية أو عدد معين من الأفعال التي تقوم بها المصالح المتعاقدة في انتهاك لقوانين الصفقات العمومية “، وبطبيعة الحال كل هذه التفاصيل يجب أن” تؤمن المسؤولين”، المدعوين لاتخاذ قرارات هامة خلال مشوارهم المهني.

وعلى غرار مراجعة القانونين العضويين المتعلقين بالقانون الأساسي للقضاء والمجلس الأعلى للقضاء، بالإضافة إلى مراجعة مدونة أخلاقيات مهنة القاضي ووظيفة التفتيش القضائيين، فقد تم في الفاتح ديسمبر الجاري،المصادقة على مشروعي القانونين المتعلقين بالعقوبات ومكافحة المضاربة غير المشروعة، هذين الأخيرين سيساهمان في تكييف السياسة الجزائية مع التطورات التي يعرفها المجتمع الجزائري وتعزيز المنظومة التشريعية الوطنية.

كما أن تعديل قانون العقوبات حسب ما كشف عنه وزير العدل، حافظ الأختام عبد الرشيد طبي، يهدف إلى حماية المرافق العمومية وردع الأفعال التي تهدد راحة المواطن وأمنه وتعيد للدولة مصداقيتها فيما يرمي القانون المتضمن مكافحة المضاربة غير المشروعة إلى “وضع إطار تشريعي خاص لردع الظاهرة التي تعرف تطورا خطيرا في بلادنا تجسدت في موجة من الأفعال تسببت في تدهور القدرة الشرائية للجزائريين”.

وإلى ذلك، فقد تواصلت الأجندة القضائية في عام 2021، بمعالجة ملفات فساد ثقيلة، حيث كانت أول قضية تم البث فيها على مستوى الغرفة الجزائية لدى مجلس قضاء الجزائر، مطلع جانفي الماضي هو ملف تركيب السيارات رقم 1 والتمويل الخفي للحملة الانتخابية” أو ما يعرف بـ ” نفخ العجلات” في طبعته الثالثة بعد قبول الطعن بالنقض من طرف المحكمة العليا، برئاسة رئيس محكمة سيدي أمحمد، القاضي دنيا زاد قلاتي، التي ثبتت حكم الإدانة في حق الوزيرين الأولين السابقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال بـ15 و12 سنة حبسا نافذا لكل واحد منهما، مع إضافة تهمة الإثراء غير المشروع لأويحيى على خلفية اعترافه بتلقي سبائك ذهبية كهدايا من أمراء الخليج وبيعها في “السكوار”، فيما تم تخفيض العقوبة في حق كل من وزيري الصناعة السابقين يوسف يوسفي ومحجوب بدة إلى 3 سنوات وسنتين حبسا نافذا على التوالي، وتبرئة الوالية السابقة لبومرداس نورية زرهوني من جميع التهم لتصبح الأحكام نهائية في هذه القضية.

واستمر البث في قضايا التي تم الاستناف في الأحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية للقطب الاقتصادي والمالي لسيدي أمحمد بمجلس قضاء الجزائر، سواء على مستوى الغرفة الجزائية الأولى برئاسة القاضي عبد العزيز عياد، على شاكلة محاكمة المدير العام السابق للأمن الوطني اللواء عبد الغاني هامل وعائلته، أو على مستوى الغرفة الجزائية السادسة لذات المجلس برئاسة القاضي مومن، التي نظرت في آخر ملف توبع فيه المدير السابق لإقامة الدولة “الساحل” عبد الحميد ملزي، والوزيرين الأولين السابقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال في 19 ديسمبر الماضي.

وإلى ذلك، شهد القضاء خلال سنة 2021، محاكمة فريدة من نوعها وسابقة في تاريخ العدالة الجزائرية، من حيث الوقائع والأشخاص المتابعين فيه، فقد كانت القاعة رقم 1 بمحكمة الجنايات الابتدائية للدار البيضاء بالجزائر العاصمة، مسرحا لمحاكمة مثيرة لوزير العدل السابق الطيب لوح وشقيق الرئيس الراحل السعيد بوتفليقة وعدد من إطارات وزارة العدل والقضاة، انتهت جلساتها بتوقيع عقوبة 6 سنوات في حق الطيب لوح وعامين حبسا نافذا، في حق كل السعيد بوتفليقة والمفتش العام لوزارة العدل بن هاشم الطيب، ورئيس منتدى رجال الأعمال “الأفسيو سابقا” علي حداد، فيما نزلت أحكام محكمة الجنايات الابتدائية للدار البيضاء بردا وسلاما على كل من الأمين العام لوزارة العدل سابقا لعجين زواوي، وقاضي التحقيق لدى محكمة سيدي أمحمد سابقا، سمعون سيد أحمد، ووكيل الجمهورية سابقا لذات المحكمة الباي خالد، ورئيس مجلس قضاء الجزائر سابقا مختار بن حراج، حيث تم تبرئتهم من كل التهم المنسوبة إليهم.

القطب الجزائي المالي والاقتصادي… القوة الضاربة للفساد

وبالمقابل، فإن محكمة القطب الوطني الجزائي في مكافحة الجريمة الاقتصادية والمالية، مجلس قضاء الجزائر الكائن مقرها بمحكمة سيدي أمحمد، تعتبر القلب النابض للآلية القانونية لمكافحة الفساد، برئاسة القاضي محمد الكمال بن بوضياف الذي أشرف على محاكمات نوعية خلال سنة 2021، على شاكلة جلسات محاكمات المدير العام السابق لإقامة الدولة ” الساحل”، حميد ملزي ومن معه ومجمع “كوندور”، وكذا الوزيرة السابقة للبريد وتكنولوجيات الاتصال إيمان هدى فرعون، إلى جانب الإخوة خربوش الذي ستصدر أحكامه، الاثنين المقبل الموافق لـ 3 جانفي، حيث ضمت هذه الملفات عدد كبير من المتهمين، مما تطلب أيام لإنهاء البث فيها كما تحتاج إلى ثبات وصبر ونفس طويل لطيها، وهو ما سار على نهجه رئيس القطب بن بوضياف، الذي فصل أيضا في ملفات الولاة السابقين لولايتي البليدة وتيبازة “مصطفى لعياضي وموسى غلاي”، وكذا والي ولاية بجاية وكان أخر والي تم طرحه ملف هو حمانة قنفاف الوالي السابق لولاية الجلفة الذي تم إدانته أمس بـ 4 سنوات حبسا نافذا”.

وما ميز القطب الوطني الجزائي الاقتصادي والمالي خلال سنة 2021، هو استحداث مؤخرا فرعين اثنين، يضافان إلى الفرع الذي يترأسه رئيس القطب الجزائي الاقتصادي والمالي، بن بوضياف، بهدف تخفيف العبء على هذا الأخير، حيث يتولى وكيل الجمهورية الرئيسي لذات القطب مهمة توزيع الملفات التي تم إحالتها من طرف قضاة التحقيق على قسم الجدولة للمحاكمة على مستوى هذه الفروع، فيما تواصلت التحقيقات التي تجاوزت 40 ملفا، على مستوى غرف التحقيق لذات القطب، حيث عرفت وتيرة سريعة في إحالة الملفات في الأيام الأخيرة.

وتنتهي سنة 2021، ببرمجة ملفات فساد ثقيلة أخرى، حيث سينظر الفرع الأول للقطب الجزائي الاقتصادي والمالي، برئاسة رئيس القطب بن بوضياف هذا الاثنين 3 جانفي في ملف ” الإخوة متيحي” وملف سونطراك في شقه المتعلق بفضيحة إنجاز مركب الغاز الطبيعي المسال بأرزيو بوهران المعروف بتسمية GNL3 والمتابع فيها الوزير السابق للطاقة والمناجم شكيب خليل الفار من العدالة ومن معه.

فيما سير قاضي الفرع الثاني للقطب الجزائي الاقتصادي المالي، جلسات محاكمات ملفي فساد ثقيلين أيضا وهما “أمنهيد” المتابع فيه الإخوة “شلغوم” والوزير الأول السابق عبد المالك سلال ومن معهما، وكذا ملف الإخوة أعمر بن عمر، المتابع فيه أيضا الوزيرين الأولين السابقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال وعدد من الوزراء والولاة وإطارات في مختلف القطاعات، كما تم برمجة قضية الوالي السابق لولاية المدية مصطفى لعياضي أمس الأربعاء 29 ديسمبر.

أما بالنسبة لقاضي الفرع الثالث لذات القطب، فسيشرف على جلسات محاكمة عمار غول وعبد القادر قاضي ومن معه المبرمجة اليوم 30 ديسمبر، كما سينظر أيضا في ملفي فساد ثقيلة، الأول يتعلق بالوزير السابق للسكن عبد الوحيد طمار وو35 متهما من رجال الأعمال وأبناء المسؤولين وضباط المتواجدين في السجون المدنية والعسكرية، والثاني يخص” الوزيرة السابقة للصناعة جميلة تامزيرت إلى جانب 17 متهما آخرين يتواجدون تحت الرقابة القضائية ويتعلق الأمر بإطارات وزارة الصناعة والمجمع والبنوك المتابعين في ملف ” مجمع الرياض”، حيث تم برمجة الملفي في 6 جانفي الداخل.

ويعتبر إحالة “ملف الفساد في قطاع الثقافة ” المتابع فيها الوزيرة السابقة للثقافة خليدة تومي و30 شخصا بين مسؤولي الدوائر، المكلفين بتنفيذ برامج التظاهرات، المسؤولين المحليين والآمرين بالصرف، أخر ملف تم إحالته من طرف قاضي التحقيق الغرفة الخامسة للقطب الجزائي الاقتصادي والمالي على قسم الجدولة، قبل 72 ساعة من نهاية سنة 2021.

فهل ستشهد سنة 2022 طي آخر فصول محاكمات الفساد التي فتحتها الأجندة القضائية منذ صائفة 2019، واستكمال ترتيب بيت القضاء..؟ لتنتقل الحكومة إلى مراحل أخرى من العمل الجاد والدؤوب في إطار مسار إصلاح العدالة، ولما لا الشروع في خطوات ميدانية لاسترجاع الأموال المنهوبة بالخارج، تنفيذا لمخطط عمل الحكومة وبرنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، فيكون عام 2022 سنة الانفراج على كافة المستويات والأصعدة، لكن مع ضرب بيد من حديد كل من تسول نفسه تحطيم الاقتصاد الوطني وإهدار المال العام، والعبث بقوت الجزائريين او محاولة زعزعة أمن واستقرار البلاد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!