-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ثورةُ الجزائر مُلهمة العرب

ثورةُ الجزائر مُلهمة العرب

قبل 68 عاما اندلعت ثورة التحرير الجزائرية لتغير مجرى التاريخ العربي والإفريقي، واضعة حدّا في المنطقة لجرائم الاستعمار الفرنسي والأوروبي عموما، فقد سارع جيش الاحتلال البغيض وقادته السياسيون إلى التفريط في المستعمرات المغاربيّة والإفريقية الأخرى تحت وقع ضربات الثوار الجزائريين.

ولم يجد شارل دوغول من سبيل لمواجهة ثورة الجزائر سوى التفرغ العسكري والمادي، ما اضطره للخروج التكتيكي من عدة بلدان بالقارّة، بدءا بالجوار المغربي والتونسي، لتركيز القوة الفرنسية الغاشمة فوق جبال الأوراس وجرجرة والأطلس والونشريس وباقي ربوع البلاد الثائرة إلى أقصى منطقة بالجنوب الكبير الذي لم يتخلف عن لهب التحرير وسط صحراء مكشوفة للعدوّ من كل جانب.

لقد كان لثورة الجزائر الفضلُ التاريخي الكبير في تحرير أوطان عربية وإفريقية من نير الاستعمار بإكراه فرنسا على لملمة قواها المتفرقة، أملا في إخماد نيران الحرية، لكنها فشلت وخرجت صاغرة من الأرض المحروسة، فحققت بلادُ الشهداء بذلك الحُسْنييْن: تحرير الوطن وما جاوره من جغرافيا العرب والعجم.

إنَّ ثورة الجزائر لم تكن في عصرها مجرد مواجهة عسكرية شرسة ضد جيش استيطاني فتّاك، بل مثلت قبل ذلك مصدر الإشعاع الحضاري الذي غرس قيم التطلع الجامح نحو الحرية والكرامة والسلام في شعوب المنطقة وأمم أخرى بعيدة ألهمتها دروبَ الكفاح المرير ضد الاستعمار الشرّير.

وبفضل العبقريّة الثوريّة للجزائريين وبسالتهم الحربيّة النادرة، حيث تمكنوا من استنزاف فرنسا وقلب موازين القوى العسكرية والمادية مع داعمها الحلف الأطلسي، فقد بُعث الأمل والثقة في نفوس الشعوب المضطهَدة، لتتحرّك بكل إقدام ضد الغزاة، وسلاحها الرئيس “الإرادة الذاتية التي لا تقهر”، ما حوّل الجزائر إلى قبلة ثوّار، ينشدون منها المدد والسند، ويستلهمون من وحي تجربتها الفريدة روح المقاومة والفداء.

وفي غضون الثورة الجزائرية كانت جامعة الدول العربية حديثة النشأة، تؤثثها أقطارٌ وطنية ضعيفة بمعايير الدولة المعاصرة، باستثناء القليل منها، ومع ذلك فقد شكلت فرصة اختبار حقيقي للمشروع القومي العربي، إذ تداعت الكثير من تلك الدول العربية إلى الوقوف بجنبها، من منطلق الأخوَّة ومبادئ التضامن مع ثورة رفعت رؤوسهم عاليا أمام الإنسانية.

سيكتب التاريخ بمداد الوفاء أن أشقّاء عربًا ساندوا ثورة إخوانهم الجزائريين بكل ما في وسعهم من طاقات عسكرية ومالية وشعبية وإعلامية، ليشدُّوا عُضد اللحمة القومية في سياق التأسيس الأول للدولة الوطنية العربية الحديثة.

وسيخلّد سجّل العرب أنّ الجزائر كانت دوما في طليعة الدفاع عن الأمة العربيّة، من مشاركتها في حربيْ 1967 و1973 واحتضانها القويّ للقضية الفلسطينية منذ انطلاق حركة فتح في 1964 إلى يوم الناس هذا، حتّى صارت فلسطين لا تُذكر شعبيا وسياسيا وإعلاميا وإلا وهي رديفة لها، لعمق الصلة والسند بينهما.

اليوم وبعد مرور 68 سنة، طرأت الكثير من التحولات العربية، وأخطرها التورط في مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتآكل الروح القومية لصالح المآرب القُطريّة الضيقة، لكن الجزائر لم تتغير في مبادئها ومواقفها الخالدة، فهي لا تزال على عهدها مع فلسطين ظالمة أو مظلومة ومع كل بلد عربي في السرّاء والضرّاء، تمدّ يدها لنجدة القريب وتسعى جَهدها الكامل إذا استنصر بها على المحن والفتن.

لذلك لم يكن غريبا ولا من قبيل الصدفة أن رفعت الجزائر تحدي لمّ الشمل بمناسبة احتضانها للدورة الواحدة والثلاثين للقمة العربية ورفْع القضية الفلسطينية على رأس جدول أعمالها، إضافة إلى التأكيد على حلحلة الأزمات الليبية واليمنية والسوريّة، فهي التي يشهد تاريخُها المعاصر أنها لم تتخلف يوما عن ركب الوحدة وجمع الكلمة وبذلت قياداتها السياسية المتعاقبة كل ما في وسعها لتحقيق تطلعات الشعوب العربيّة.

ولو يأخذ الأشقاء بتصور الجزائر لإصلاح الجامعة العربية ومقترحاتها لتفعيل آليات العمل المشترك وباقي مشاريع القرارات المتوافق عليها، فإن ذلك سيشكل لا محالة دفعة جديدة وقويّة في التأسيس لعهد عربي مختلف، يستلهم من قيم ثورة نوفمبر المجيدة الروح الوحدوية والنضاليّة والإنسانيّة ويستوعب الرهانات الإقليمية والدولية المحيطة به.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!