ثورة بلا ثوار!
الكاتب البرازيلي العالمي باولو كويلو، وخلال الثورة المصرية، وجه رسالة تضامنية إلى الشعب عبر حسابه الشخصي بتويتر والفايس بوك، قائلا: ”لا تنسحبوا، عانوا الآن وعيشوا بقية حياتكم كأبطال”.
-
المصريون فهموا الرسالة، عانوا لمدة ثلاثين عاما، ثم صمدوا حوالي شهر في الشارع، لكنهم يعيشون الآن أبطالا حقيقيين، خصوصا عند كلامهم باعتزاز، عن إعادة النظر في اتفاقية الغاز مع إسرائيل، أو مراجعة فتح الحدود بشكل دائم مع غزة، وكأنهم يغسلون تاريخهم وينظفون أياديهم، من عار النظام السابق. لكن الثوار في ليبيا، أو ثوار آخر الزمان في بن غازي، لا يريدون أن يعانوا، ولا أن يصمدوا، بل يمارسون عشقا ممنوعا، بينهم وبين الناتو؟!
-
حالة الرخاء التي دخل فيها الثوار في ليبيا، جعلت نظام القذافي يبدو أكثر صلابة، من أي وقت سابق، كما أن الاتكالية السلبية التي عجلت بمجيء الناتو، ومهّدت السبيل للتدخل الأجنبي دون أي عوائق، أظهرت أن هؤلاء الثوار، لا يحملون من معاني الثورة إلا الإسم، ولا يبحثون من ورائها إلا عن السلطة، ولا يخططون بعد النصر، سوى لبيع النفط، وهم في ذلك، لا يختلفون عن القذافي وأبنائه، بل يستبدلون دكتاتورية عسكرية مقيتة، بأخرى، مستوردة على ظهر الدبابات الأجنبية، ثم، ألم يكن مجيء القذافي للسلطة، من باب الثورة، فما الذي خلق منه دكتاتورا، سوى، ذات الأحاسيس المختلطة التي تختلج في داخل نفوس هؤلاء الجالسين على كراسيهم في بن غازي حاليا.
-
من يعانون حقا، ويستحقون لقب الثوار، هم أولئك الذين يواجهون كتائب القذافي بصدور عارية، وينتظرون وعودا بالدعم يعلمون جيدا أنها قد لا تأت باكرا، لكنهم، يبحثون عن تغيير حقيقي، قد لا يحصل أبدا، أو يطول، لكنهم يراهنون على مزيد من الصمود.
-
هؤلاء الذين يكرّون ويفرون، يقاومون وينسحبون، يقاتلون ويُقتلون، في مصراته والبريقة والزنتان وغيرها، يحق لهم غدا أن يحاسبوا القذافي على سنواته الأربعين في السلطة، عن الدماء التي أراقها حبّا بالبقاء على الكرسي، والأموال التي نهبها وأولاده، لكنهم، لن يدّخروا جهدا ولا مالا ولا دما، لمحاسبة، كل مدعٍّ آثم، أو كاذب مزوّر، من مجلس الثورة المصطنع، والغارق في الصفقات السرية، والاتهامات المجانية لهذه الدولة أو تلك.
-
يقال بأن الحقيقة هي أولى ضحايا الحروب، والواقع أن الحرب في ليبيا، قتلت الحقيقة، ودفنت معها معاني الثورة، وصادرت السلطة والسيادة، وأباحت الأملاك الوطنية، وشردت جيلا بكامله، والأخطر من هذا وذاك، أنها ميّعت الثورات العربية، واستبقت مجيء الخريف في عزّ الربيع.