-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ثورة العفاريت

عابد شارف
  • 3672
  • 0
ثورة العفاريت

فشلت ثورة 17 سبتمر. ولما فشلت الثورة، قالوا إن منظمي الثورة هم الذين قرروا فشلها… وقالوا إنهم أقوياء إلى درجة أنهم يصنعون الثورات، ثم يقضون عليها، وإنهم أصحاب المبادرة في كل كبيرة وصغيرة… وقال المقربون من السلطة والمعارضون على حد السواء: إن ثورة 17 سبتمبر الافتراضية جاءت بمبادرة منهم، وانتشرت الإشاعة على الإنترنت والشبكات الاجتماعية بفضل نشاطهم، ثم انطفأت شمعة الثورة لما قرروا ذلك… وقالوا إنهم كانوا يتحكمون في الأمور منذ الدقيقة الأولى، وإن تنظيم مثل هذا السيناريو أصبح لعبة بين أيديهم… وقالوا إن جهاز المخابرات وراء كل ما حدث حول 17 سبتمبر…

  • ولنبدأ الحكاية من البداية…
  • لقد انتشرت في الأسابيع الماضية إشاعة حول ثورة ستحدث يوم 17 سبتمبر. من كان وراء هذه الثورة؟ ومن أراد تنظيمها؟ وما هي الأطراف التي تشارك فيها؟ لا أحد يستطيع أن يجيب بالضبط، رغم بعض الافتراضات التي نشرتها الصحف، فقد نشرت الجرائد أن مناضلا غير معروف في جمعية نكرة تنشط في ولاية الجلفة قد يكون صاحب المبادرة التي تريد الإطاحة بالنظام الجزائري… وقد أدلى المناضل المذكور بتصريحات حول الثورة وضرورتها وبرنامجها، واتصل به صحافيون أجانب فشرح لهم مشروعه ومخططه… وقد أعطى توضيحات حول الامتداد الدولي للثورة الجزائرية القادمة، ومدى المساندة الدولية التي تحظى بها من طرف مفكرين وفلاسفة وأقطاب الصحافة الدولية.
  • هل كان هذا المناضل من أصحاب المبادرة حقا؟ وهل كان يريد حقا أن يناضل من أجل التغيير، أم أنه تصرف بطلب من أطراف أخرى؟ لا نعرف لحد الآن. لكن ما هو مؤكد هو أن هذا المناضل تراجع، وتبرأ من مبادرته، وقال إنه لم يتصل بأطراف في الخارج، وأنه اكتفى بالحديث لأحد المراسلين الذي يكون قد استعمل كلامه خطأ أو حرفه لأغراض مشبوهة.
  • ومن هنا، حسب الرواية السائدة اليوم، يكون جهاز المخابرات قد استولى على القضية، وروج لها، ليصنع ثورة فاشلة حتى يتجنب ثورة حقيقية… واستطاع جهاز المخابرات حسبما يحكى في المقاهي والصالونات، استطاع أن يعطي مصداقية للعملية، إلى درجة أن وزير الداخلية نفسه لم يتفطن لها فدخل في حرب ضد مؤامرة وهمية… وجاءت قناة “الجزيرة” لتعطي التحاليل والتوقعات، وتحلل أسباب الفشل واحتمال النجاح، وتجندت الصحف الوطنية بكل وطنيتها لمواجهة عملية ضرب استقرار البلاد، وكان النصر حليف التيار الوطني الذي عرف كيف يواجه الهجمات التي يشنها أعداء الجزائر على بلد الشهداء…
  • ولما فشلت المؤامرة، لم تكن الجزائر في حاجة إلى كلام. فقد استخلص كل طرف العبرة، وتوصل الكل إلى نتيجة بديهية، وهي أن الجزائر ليست بحاجة إلى ثورة، وأنه بلد يختلف بصفة جذرية عن البلدان العربية الأخرى… إن الجزائر بلد ديمقراطي، تمارس فيه كل الحريات، ورغم ذلك فإنه يريد أن يذهب إلى أبعد في تعميق الديمقراطية كما تؤكده مشاريع الإصلاح التي تحتويها القوانين الجديدة حول الإعلام والأحزاب والجمعيات…
  • هذا عن قصة 17 سبتمبر والدور الذي تعطيه الإشاعة اليوم للمخابرات في تنظيم ثم إفشال العملية. ولما انتهينا من رواية ثورة 17 سبتمبر، جاءت قصة أخرى لتؤكد قوة المخابرات… وجاءنا البرهان على شكل شريط وثائقي بثته قناة فرنسية حول اغتيال رهبان تيبحيرين، في المدية، قبل خمسة عشر سنة. ويقول صاحب الشريط إن المجموعات الإسلامية المسلحة GIA لم تكن إلا غطاء للمخابرات، وأن جمال زيتوني وعبدالرزاق صايفي المدعو “البارا para” ليسا إلى عميلين للمخابرات، وأن عملية اختطاف الرهبان واغتيالهم لم تتم من طرف المجموعات الإسلامية إنما من طرف المخابرات…
  • وجاء صاحب الشريط بأسماء ومعطيات تصنع قصة بوليسية كاملة متكاملة، تشير إلى تنظيم دقيق ومحكم، تشير كل نقطة فيه إلى المسؤولية المباشرة لجهاز المخابرات في كل ما يحدث في البلاد، بما في ذلك اغتيال الرهبان… ويوحي الشريط إلى أن كل شيء يحدث في الجزائر ما هو إلا من صنع المخابرات التي تصنع الرؤساء والوزراء والمجموعات الإرهابية والمجموعات التي تحارب الإرهاب… ويصنع منهم أشباحا تحيط بنا وتعيش في دمنا وجلدنا مثل العفاريت…
  • وإن كانت هذه العفاريت بهذه القوة، فلماذا لا تكرس جزء صغيرا من قوتها لخروج البلاد من الأزمة؟
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!