-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رغم الحرائق ونقص مرافق الاستقبال

ثورة سياحية داخلية شهدتها الجزائر في صيف 2022

عصام بن منية
  • 3919
  • 0
ثورة سياحية داخلية شهدتها الجزائر في صيف 2022
أرشيف

شهدت السياحة الداخلية خلال موسم الصيف الحالي انتعاشا، في نشاطها وحركة كبيرة للسياح الجزائريين والأجانب الذين اختاروا أن تكون السواحل الجزائرية وجهتهم، لقضاء أيام من العطلة الصيفية، وقد بلغ عدد الزوار للمدن الساحلية الجزائرية هذه السنة، أرقاما قياسية لم يتوقعها حتى أكبر المتفائلين في قطاع السياحة، ولا حتى في مختلف الهيئات المختصّة في الاستشراف.
وقد كان لانتعاش السياحة في المدن الساحلية من شرقها إلى غربها تأثير مباشر على الحركة التجارية والاقتصادية فيها، بعد أن وجد المئات من الشباب العاطلين عن العمل في الإقبال المتزايد للمصطافين على المدن الساحلية، فرصة لإنعاش نشاطاتهم التجارية المختلفة، وتحقيق مداخيل مالية قد تغنيهم عن الحاجة خلال الفصول المتبقية من السنة، وذلك من خلال فتح محلات لبيع المأكولات والإطعام السريع على غرار البيتزا والمحجوبة، وحتى مختلف أصناف المثلجات وغيرها من ما يشتهيه المصطافون، لكسر الجوع عند الخروج من مياه البحر، ناهيك عن تضاعف نشاط المطاعم والمقاهي وصالونات الشاي وغيرها.

المؤثرون العرب والأمريكيون أسهموا في الترويج للجزائر
كان للمؤثرين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي الذين نزلوا بأرض الوطن، قبل بداية موسم الاصطياف، قادمين من مصر وتونس وليبيا، = تأثير كبير في إنعاش الحركة السياحية الداخلية، بعدما قاموا بجولات شملت مختلف المدن الساحلية وحتى الداخلية، أين قاموا بالترويج الممنهج لمختلف المواقع السياحية في الجزائر، والطبيعة العذراء المتنوعة من ولاية لأخرى، حيث قام هؤلاء المؤثرون على اليوتوب بنقل أجمل الصور عن المناظر الطبيعية الخلابة التي تتميز بها منطقة القالة بولاية الطارف، وكذا مرتفعات سرايدي وجمال الطبيعة العذراء فيها من رأس الحمراء وعين اعشير وشواطئ الباي وشطيبي بعنابة وكذا شلالات أفنسو وتمنارت وخناق مايون وغيرها بولاية سكيكدة، ناهيك عن الكهوف العجيبة والشواطئ النقية بزيامة في ولاية جيجل وتضاريس جبالها التي تتميز بمناظر منقطعة، شأنها في ذلك شأن ما تزخر به ولاية بجاية من جبال شامخة ولوحات فنية رسمتها الطبيعة العذراء، في مزيج نادر بين اخضرار الجبال وزرقة البحر.
وقد كان لذلك الترويج في شكل فيديوهات على اليوتوب والأنستغرام وغيرها من المواقع التي تستقطب ملايين المشاهدين عبر العالم، تأثير مباشر وقوي على السياحة الداخلية في الجزائر، التي استقطب ملايين الجزائريين من الذين تراجعوا عن فكرة قضاء عطلتهم الصيفية خارج حدود الوطن، وفضلوا بأن تكون وجهتهم هذه المرّة السواحل الجزائرية، حيث توافدوا بالملايين على المدن الساحلية من الشرق إلى الغرب، وهو ما خلق عجزا كبيرا وواضحا في مرافق الإيواء، حيث اكتظت الفنادق والمركبات السياحية بالمصطافين عن آخرها، وحتى أغلب سكان تلك المدن مثل عنابة، القل وسكيكدة والقالة وجيجل فضلوا إخلاء سكناتهم واللجوء للإقامة عند الأهل والأقارب وتأجير سكناتهم القريبة من البحر للمصطافين القادمين من مختلف الولايات الداخلية ومن الجنوب الجزائري، مقابل مبالغ لم تقل عن 5000 د.ج لليلة واحدة.
المؤثرون العرب على اليوتوب والتيك توك لم يكتفوا بالترويج للمناظر الطبيعية الساحرة للمدن الساحلية الجزائرية فحسب، بل أنهم قاموا أيضا بالترويج لمختلف الأطباق التقليدية في كل مدينة جزائرية تقريبا، وهو ما أثار شغف بعض المغتربين الجزائريين للعودة إلى أرض الوطن للاستمتاع بما تزخر به مدنهم، وقضاء أيام من عطلتهم الصيفية بين ربوعها، كما سهّل أمر فتح الحدود المغلقة منذ أكثر من سنتين بين الجزائر وتونس، بسبب جائحة كرونا منتصف شهر جويلية الماضي، في استقطاب العديد من الوفود والسياح التونسيين والليبيين الذين قدموا إلى الجزائر في شكل قوافل ومواكب من السيارات ونزلوا في فنادق المدن الساحلية وحتى الداخلية في الجزائر، كما ساهم استطلاع قامت به واشنطن بوست الأمريكية وأيضا تغريدات لسفيرة الولايات المتحدة الأمريكية، عن جمال الجزائر في الترويج للسياحة فيها، إلى درجة وصفها بالعملاق السياحي النائم.

إجراءات السفر نحو الخارج دفعت بالعائلات إلى تغيير وجهتها السياحية
المختصون في مجال السياحي، ذكروا بأن تغيير العائلات الجزائرية لوجهتها السياحة هذه السنة، يرجع عدّة عوامل، أهمها هو غلاء تكاليف السفر والإقامة في تونس بعد أن قامت الفنادق والمركبات السياحية برفع أسعارها بمجرد الإعلان المفاجئ عن فتح الحدود بين البلدين، منذ منتصف شهر جويلية الماضي، وما صاحبه من إجراءات صحية تتعلق بضرورة الفحص بالبي سي آر قبل دخول الأراضي التونسية وبمبلغ لا يقل عن 9000 د.ج وكذا عند العودة إلى أرض الوطن بعد نهاية العطلة، بتكلفة لا تقل عن 170 دينار تونسي أي ما يعادل مبلغ 15000 دج للشخص الواحد، وهو ما يعتبر مكلفا ومرهقا لميزانية العائلات التي تفضل قضاء عطلتها في تونس، والتي اشتكت كثيرا من تلك الإجراءات، قبل أن يقرر الرئيس التونسي بعد أيام من ذلك إعفاء الجزائريين من الخضوع للفحص بالبي سي آر، لكن ذلك بحسب المختصين، كان في الوقت الضائع، بعد أن ضبطت أغلب العائلات بوصلتها على الترحال نحو الوجهة السياحية الداخلية، وهو ما خلق نوعا من الاكتظاظ وسط السياح في سواحل الشرق خاصة في جيجل والقل بولاية سكيكدة، بعد أن طفت إلى السطح مشكلة العجز المسجّل في موافق الإيواء، وحتى قرار تسخير بعض الإقامات الجامعية لإيواء المصطافين مقابل متدنية لم يتم تطبيقه بالشكل اللازم، أو بالأحرى كان أيضا في وقت جد متأخر، لتجد بعض العائلات الشغوفة بالبحر تقضي لياليها في رمال الشواطئ ببعض المدن.

فنادق مكتظّة وعائلات تؤجر سكنات جماعية للإقامة بجانب البحر
كان لتغيير أغلب العائلات الجزائرية لوجهتهم السياحية نحو المدن الساحلية الجزائرية، تأثير بالغ على الحركة التجارية والاقتصادية في تلك المدن،لا كما أنه كشف عن عجز واضح في مرافق الإيواء، التي لم تسع ملايين المصطافين الذين فضول قضاء عطلتهم داخل أرض الوطن. حيث أن كل الفنادق المتوفرة على الشريط الساحلي كانت محجوزة عن آخرها، ونخص بالذكر ولايات الشرق، التي لم تشهد إنزالا للمصطافين كهذه السنة، حيث تجاوز عددهم في ولاية جيجل 12 مليون مصطافا، فيما تجاوز عدد المصطافين في شواطئ ولاية سكيكدة 6 ملاين مصطافا، وهو رقم قياسي لم تشهد الولاية مثله من قبل.
وقد كانت حصة الأسد فيه للمناطق السياحية وشواطئ دائرة القل الساحرة، والتي تزخر بوجود مناظر طبيعية وشلالات للمياه في الطبيعة العذراء، والتي فضلت العائلات زيارتها والاستمتاع بسحر مناظرها الخلابة، والتي كانت أيضا محطة للسياح الأجانب القادمين من تونس وليبيا في شكل وفود سياحية، أبهرت بالمناظر الخضراء للأشجار اليافعة في المناطق الجبلية والمقابلة لشواطئ البحر في مناظر نادرة وساحرة، وقد انشغل أغلبهم بأخذ الصوّر التذكارية لتلك المناطق للتباهي بها أمام الأصدقاء والأهل في بلدانهم، مع نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى غير العادة، تحولت السواحل الجزائرية خلال موسم الاصطياف الحالي إلى قبلة حقيقية للسياح القادمين من تونس وليبيا، والذين سحرتهم المناظر الطبيعية الخلابة التي تزخر بها عديد المواقع السياحية الطبيعية في مدن الشرق الجزائري، خاصة بولايتي جيجل وسكيكدة، والتي فضل المئات من السياح القادمين من الجارتين ليبيا وتونس، الإقامة فيها، بضعة أيام، للاستمتاع باللوحات الطبيعية والمشاهد النادرة لزرقة البحر واخضرار الجبال، في تمازج ساحر للألوان، لا يوجد إلاّ نادرا، وقد فضلّت العائلات القادمة من الجارتين الإقامة في بعض الفنادق، التي كانت أصلا مكتظّة بالسياح الجزائريين.

القالة من جنة السياحة إلى نار الأحزان
لم يكن أكثر المتشائمين، يتوقع النهاية المأساوية لموسم الاصطياف بولاية الطارف، الذي كاد أن يوشك على إسدال ستاره، حتى شهدت الولاية في بداية النصف الثاني من شهر أوت الجاري، اندلاع سلسلة من الحرائق المدمرّة والتي التهمت في طريقها الأخضر واليابس، وتسببت في إزهاق أرواح 38 شخصا، إلى غاية أول أمس الاثنين وإصابة ما لا يقل عن 170 آخرين، مازال أغلبهم في المستشفيات يعانون من حروق خطيرة من الدرجة الثالثة، أغلبهم من المصطافين وزائري الولاية من مختلف ولايات الشرق الجزائري، والذين سحرتهم طبيعة المنطقة في حديقة البرابطية للحيوانات وكذا الألعاب المائية التي تحيط بها الأشجار الباسقة في غابة ساحرة الخضرة، من كل جانب، إلاّ أن القدر كان في انتظارهم، بعدما التهمت النيران أجسادهم.
ومن بين ضحايا مأساة الحرائق المؤلمة، بولاية الطارف، مغتربون لم ينزلوا إلى ارض الوطن منذ ثلاث سنوات كاملة، وبمجرد أن وطأت أقدامهم ارض الوطن، حتى جلبهم سحر المنطقة انطلاقا من شواطئ القالة، إلى حديقة الحيوانات بالبربطية والألعاب المائية التي فضلوا قضاء ساعات فيها، وسط الطبيعة الخلابة، وكان أول الضحايا جمال عيساني وهو شاب مغترب في فرنسا، ونزل بأرض الوطن رفقة زوجته لقضاء أيام من عطلته الصيفية بين الأهل والأحباب بحي الدهماني ببلدية بومهرة أحمد بولاية قالمة، ليقرر نهار الأربعاء الماضي التنقل في رحلة سياحية برفقة زوجته إلى القالة بولاية الطارف للاستجمام والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة بالمنطقة، قبل أن يباغته الموت على حين غفلة بعد أن حاصرته النيران رفقة زوجته وباقي الضحايا، حيث توفي هو يوم الحادثة فيما لازالت زوجته تعاني في المستشفى، من إصابتها بحروق بليغة، كما توفيت السيدة مويسي وردة صاحبة الـ 44 سنة، وهي مغتربة لم تنزل بأرض الوطن منذ ثلاث سنوات كاملة، وقد فضلت عند زيارتها لبيت أهلها بولاية عنابة، التنقل رفقة أبنائها وشقيقها إلى الألعاب المائية البربطية بالطارف، في ذلك اليوم الأسود، أين نجا شقيقها وطفليها، فيما تم العثور عليها بعد خمسة أيام كاملة من البحث جثّة متفحمة، وفي نفس يوم العثور عليها لفظت القائدة في فوج الإرشاد للكشافة الإسلامية بقسنطينة دنيا بوحلاسة صاحبة الـ 18 ربيعا في مستشفى ابن باديس بقسنطينة، متأثرة بالحروق الخطيرة التي عرضت لها، خلال إنقاذها لـ 68 طفلا كانوا في المخيم الكشفي في حديقة برابطية في القالة، يوم الحرائق.
وبهذه الحادثة المؤلمة أسدل الستار عن الموسم السياحي بولاية الطارف بعد أن بدأ بهيجا باستقبال زوار الولاية من مختلف ولايات والوطن وحتى من الخارج، على أمل أن تمحو الأيام تلك المأساة وتستعيد القالة عافيتها بتشجير آلاف الهكتارات المدمرّة بفعل الحرائق، حتى تكون قطبا حقيقيا للسياحة الجزائرية على الحدود مع تونس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!