-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جامعتنا‭ ‬بين‭ ‬بؤس‭ ‬الطالب‮ ‬ورخس‭ ‬المطالب

جامعتنا‭ ‬بين‭ ‬بؤس‭ ‬الطالب‮ ‬ورخس‭ ‬المطالب

كلما أظلّنا يوم الطالب الجزائري، الذي يصادف يوم 19 مايو من كل سنة، هاجت بنا الذكرى إلى عام 1956. فهذا اليوم مثقل بالعبََرات والعبر، ومليئ بالذكريات والفكر.

ففي مثل هذا اليوم منذ أكثر من نصف قرن، هجر الشباب الجزائري قاعات الكتب والدروس، ورمى بالكراس والمحبرة‭ ‬والطروس،‭ ‬معلنا‭ ‬تضامنه‭ ‬مع‭ ‬سجناء‭ ‬القضية‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬بربروس،‭ ‬وملتحقا‭ ‬بالمجاهدين‭ ‬الذين‭ ‬حملوا‭ ‬السلاح‭ ‬مستهينين‭ ‬بالنفائس‭ ‬والنفوس‭.‬
      إنها ملحمة تاريخية، خلّد بها الطالب الجزائري جميل ذكره في تاريخ المثقفين، ورسم بعرقه ودمه طريق الخلاص للمعذبين في كل آن وحين… كان ذلك هو عهد السلف للخلف، من جيل المقاومة والتحرير إلى أبناء البناء والتعمير. واليوم إذ يدور الزمن دوراته، وتتجدد أحداثه وحلقاته، أليس حريّا بنا أن نتساءل: ماذا فعل الخلف بعهد السلف؟ وما هو حصاد السنين في جامعة الحرية والاستقلال؟ وما هو حال جيل العزة والكرامة والشرف؟ لقد تعددت الجامعات والمراكز الجامعية في كل دائرة، وفي كل ولاية، وفي كل منطقة، شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، من تمنراست‭ ‬إلى‭ ‬الشلف،‭ ‬ومرورا‭ ‬بعنابة‭ ‬وقسنطينة،‭ ‬ووهران،‭ ‬وتلمسان،‭ ‬زرعا‭ ‬للعلوم‭ ‬وأصناف‭ ‬الحرف‭. ‬
‮  ‬‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬كم‭ ‬البناء‭ ‬والإحصاء،‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬ذلك‭ ‬الجهد‭ ‬من‭ ‬المثقفين،‭ ‬والمفكرين‭ ‬والباحثين،‭ ‬وجملة‭ ‬الشهادات‭ ‬من‭ ‬العلماء؟
      إنه ليعز علينا ـ أن نعلن دونما تشاؤم ـ أنه ضعُف الطالب والمطلوب… فالقليلون من الكفاءات الجامعية الجزائرية، إما هجرت الأوطان، وإما بقيت تعاني البؤس والهوان. وفي كلتا الحالتين، فهي تعيش الإلغاء والإقصاء، أو النفي والاغتراب والاعتداء.
      ويسألونك عن الطالب الجامعي؟ فقل: هو التمرد على الآباء، والتنكر لعهد السلف من الشهداء! لقد تحول الطالب في منظومتنا الجامعية، إلى طالب عن بعد، ينشد المنحة والإقامة، والشهادة والعلامة دونما مثابرة أو قوامة، فهو لا يعدو أن يكون كما قال عنه أحد الظرفاء: »إما راغب‭ ‬علامة‭ ‬أو‭ ‬عاشق‭ ‬غلامة‮« ‬فأنّى‭ ‬يستقيم‭ ‬الظل‭ ‬والعود‭ ‬أعوج‭.‬
   انقلبت الموازين في جامعتنا، فبعد أن كان الطالب فيها يكبر قبل الأوان، فلا يعيش شبابه، وإنما يعيش شباب الوطن وحياة الأمة، كما فعل الإمام ابن باديس الذي احتفينا منذ أيام بيوم العلم بمناسبة وفاته، وكما فعل الإمام محمد البشير الإبراهيمي الذي يصادف يوم وفاته يوم‭ ‬الطالب،‭ ‬أي‭ ‬يوم‭ ‬20‭ ‬مايو‭ ‬وكما‭ ‬فعل‭ ‬الطالب‭ ‬الشهيد‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬طالب‭ ‬ورفاقه‭ ‬من‭ ‬شهداء‭ ‬الكلمة‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭…‬‮ ‬أما‭ ‬اليوم،‭ ‬فإن‭ ‬جامعتنا‭ ‬تعيش‭ ‬بؤس‭ ‬الطالب،‭ ‬ورخص‭ ‬المطالب‭.‬
      ويتجلى بؤس الطالب اليوم، في تفشي ظاهرة العنف، حيث صار الطالب يعتدي على أستاذه، إلى حد القتل، وتفشي ظاهرة الغش في الامتحان، وتحصيل النقطة بكل الطرق، إلى غير ذلك من تفشي التقليد الأعمى لكل ما هو أجنبي عن أصالته وهويته، في ظاهره، يكشف عن تبلّد ضمير، وغياب لأيّ‭ ‬وعي‭ ‬في‭ ‬التفكير،‭ ‬وطيّ‭ ‬المراحل‭ ‬الزمنية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المصير‭.‬
   هذا هو الطالب ـ إذن ـ أضرب في ليل الاستعمار عن الدروس، فأطرب الوطنيين من النفوس، وخلّد الإمام الإبراهيمي ذلك في قوله مخاطبا الطلبة: »يا أبنائي لقد أضربتم… فأطربتم« لأن بين الإضراب والإطراب نقطة، ولكن فيها كل السر، لأنها تترجم إضرابا من أجل الخلاص والإصلاح‭ ‬والصلاح‭. ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فعندما‭ ‬يُضرب‭ ‬الطالب‭ ‬الجزائري‭ ‬يُضرب‭ ‬بالعصي‭ ‬والهراوات،‭ ‬فيضاف‭ ‬إلى‭ ‬بؤسه‭ ‬الذاتي،‭ ‬بؤس‭ ‬وطني،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬الإضراب‭ ‬والضرب،‭ ‬يُقمع‭ ‬العلم،‭ ‬ويُجرح‭ ‬الأمل،‭ ‬ويُقزّم‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭.‬
‮  ‬‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مطالب‭ ‬الطالب‭ ‬الجزائري‭ ‬بالأمس‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬نفق‭ ‬الاستعمار‭ ‬المظلم،‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬الاعتداء‭ ‬باسم‭ ‬العلم‭ ‬على‭ ‬طالب‭ ‬العلم،‭ ‬ومفهوم‭ ‬العلم،‭ ‬وأهداف‭ ‬العلم‭.‬
   إن الفرق واضح وضوح ليل الاستعمار وشمس الاستقلال، فما نشاهده اليوم من بؤس مزدوج يعانيه الطالب، ومن رُخس مضاعف للمطالب التي يرفعها يؤكد أن الجامعة الجزائرية تعاني تأزما، وتأزما خطيرا… وإن أبسط تشريح لأزمة الجامعة، يقود إلى بسط أعراض مختلفة تطبع هذا التأزم… ويتجلى هذا الإعراض في أبسط المظاهر الشكلية كإيجاد البناية اللائقة في حيطانها وطلائها، وكراسيها، وسبورتها لتصل إلى نقص المدرجات، وتكديس القاعات برصّ الطلاب والطالبات… دون إغفال المحتوى العلمي لما يقدم في المحاضرات والتطبيقات.
‮  ‬‭ ‬ولا‭ ‬تسأل‭ ‬عن‭ ‬التبادل‭ ‬الطلابي‭ ‬والعلمي‭ ‬بين‭ ‬الجامعات،‭ ‬وتنظيم‭ ‬الرحلات‭ ‬وإيجاد‭ ‬المكاتب‭ ‬للمدرسين‭ ‬والمدرسات،‭ ‬وتجهيزها‭ ‬بأبسط‭ ‬المعدات‭ ‬من‭ ‬الأجهزة،‭ ‬والأدوات‭ ‬والآلات‭.‬
   نريد للجامعة أن تتحول إلى منتدى يجد فيه الطالب والأستاذ الجو العلمي المريح الذي يأنس إليه الجميع فيقبلون عليه للتزود بالغذاء العلمي، والدواء النفسي، فيكونون في ذلك أشبه بطلاب وأساتذة الجامعات الشقيقة والصديقة، التي هي مصنع خصيب لتكوين الباحثين والعلماء… وأن يُشرك الجميع، كلٌّ حسب موقع مسؤوليته في بناء العقل، والشخصية، في ظل الانتماء الوطني والحضاري. إنه نداء إلى الطالب الجزائري كي يعي درس يوم الطالب، فيرتقي بطموحه وبروحه إلى مستوى الآمال المنوطة به والمعلقة عليه، فيصون الأمانة ويحفظ العهد.
   وإنه إشارة إلى الأستاذ الجامعي الجزائري، كي يعمل على تغيير واقعه المزري، فيزرع بدل الشوك ورودا، وبدل البؤس آمالا، ترتقي به إلى مصاف الجامعيين في العالم، فلا يتجرأ عليه طالبه بالعدوانية، وسوء المعاملة، ولا يجرؤ مسؤوله أن يقدم على الإصلاح والتغيير في غيبته،‭ ‬فيكون‭ ‬حاله‭ ‬كمن‭ ‬يصفه‭ ‬الفقهاء‭ ‬إذا‭ ‬حضر‭ ‬لا‭ ‬يُستشار‭ ‬وإذا‭ ‬غاب‭ ‬لا‭ ‬يُنتظر‭.‬
   نريد لجامعتنا أن تتغير، ولكن أن تتغير من داخلها، وبإرادتها وبمحض حريتها، فذلك هو التغيير الحقيقي الذي يكتب له أن يدوم وأن يتصل، لا التغيير الشكلي التعسفي، إذا ما أريد لبؤس الطالب ورخص المطالب أن يختفيا إلى الأبد من جامعتنا.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • abderrahmene

    السلام عليكم
    ان اساس المشكلة الجامعية في الجزائر يكمن في بذورها اصلا فما اراه من سوء الاخلاق و ميوع الشبان و البنات في مراحل عمرية متقدمة تحت حجة الحريات و نبذ التطرف الديني بالاضافة الى تخلي الاسرة عن دورها و السياسة العلمانية التي تنتهجها الدولة بفرض الاختلاط و محاربة العمل الاسلامي في الجامعة و قبلها حذف شعبة العلوم الشرعية في نظام التعليم و التساهل في البكالوريا و سياسة الكم على حساب النوع كل هذه العوامل جعلت شباب الجامعة و هو ما عشته و اعيشه عبءا اخلاقيا و ماديا على المجتمع

  • عبد السلام

    السلام عليكم
    انا طالب جامعي و الاحظ ان الجرح اعمق بكثير بما تفضل صاحب المقال وهو مشكور
    ولاكن الطرح ينقصه الحلول الفعالة
    وراي الشخصي الحل و الشفـــــــاء هو توجيه الطالب او الطالبة الى ديننا الشافي الكافي في جميع ازماتنا
    وليس الفصل بين الجنسين كما تفضلت الاخت
    ولا تقوم لنا قائمة نحن العرب من الشرق الى الغرب ولا نزال ندل و نخوض حتى نعود الى شريعتنا وديننا في جميع الميدين

  • noureddine

    merci bien pour votre article c'est un peu plus efficace

  • فاطمة

    كلماتك من نور علمك الوافر, وبصرك الثاقب ,وفكرك العميق, وخلقك الكريم,أستاذ الجزائر الأصيل,آه لوجعلك الرئيس وأمثالك, من اهل الحل والعقد,,لاستراح العباد البلاد من التخبط في البحث عن الحلول.وأنا ارى انه لا حل لازمة الطالب الخلقية ,و تدني المستوى العلمي الا بفصل الجنسين عن بعضهما,فكيف يطلب من الطالب التركيز والانضباط,والفتن تحيط به من كل جانب؟كما يجب على الادارة أن تراقب الاساتذة,فوالله ان بعضهم لا يصلح للتعليم أصلا ناهيك عن الجامعي.ثم عجبي من قراء الجريدة تراهم لا يقرؤون هذه المواضيع,كما يقرؤون مواض