-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أولياء ومختصون يطالبون بعقلنة الدروس الخصوصية:

“جرائم” بيداغوجية وأخلاقية في “مستودعات” التدريس!

كريمة خلاص
  • 11273
  • 0
“جرائم” بيداغوجية وأخلاقية في “مستودعات” التدريس!
أرشيف

اقتحمت الدروس الخصوصية يوميات المتمدرسين، وتحوّلت إلى ظاهرة قارة، في مختلف الأسر القادرة على توفيرها لأبنائها، من أجل رفع المستوى، كما لم تعد حكرا على ضعاف المستوى، بل أصبحت ملازمة للنجباء منهم. ولم تتوقف عجلة الدروس الخصوصية عند الشكل الجماعي الذي عمّر طويلا، بعد أن برزت الدروس الخصوصية الفردية بشكل لافت، خاصة لتلاميذ الأقسام النهائية “البكالوريا و”البيام”، التي “تلتهم” مبالغ باهظة أحيانا تفوق معدل الراتب الشهري الذي يتقاضاه الموظف الجزائري شهريا.
ورغم الإيجابيات الكثيرة التي تضفيها الدروس الخصوصية على التحصيل الدراسي، إلاّ أنّ بعض الممارسات شوّهت أهدافها النبيلة، وجعلتها تنحرف باتجاه الماديات واللاأخلاقيات في بعض الأحيان، وهو ما أزعج وأغضب كثيرا من الأولياء والتربويين الغيورين على المهنة، الذين دعوا إلى ضرورة إعادة القطار إلى سكّته الأصلية.

أولياء يدفعون أموالا باهظة لتعليم أبنائهم..
وعبّر العديد من الأولياء، في حديثهم لـ”الشروق”، عن غلاء الدروس الخصوصية التي تعرف أسعارها ارتفاعا متزايدا أمام محدودية ميزانيتهم الشهرية التي بالكاد تؤمن احتياجاتهم اليومية.
وفي هذا السياق، تحدثت “عزيزة. م” عن تكلفة باهظة لدروس ابنتها التي تستعد لاجتياز شهادة البكالوريا، حيث تنفق ما يقارب 20 ألف دج شهريا، لدروس دعم في مختلف المواد الأساسية والثانوية أحيانا.
وتضطر عزيزة أحيانا، كما تقول، إلى دروس فردية في الرّياضيات والعلوم للتغلب على بعض الصعوبات التي تواجهها ابنتها في الفهم.
بدوره، يقول “حسان. م” إنّه يسدّد شهريا نحو 30 ألف دج في مادة الرّياضيات والفيزياء، اللتين تستفيد فيهما ابنته من دروس فردية، ويقول حسان إنّه يستثمر في ابنته التي ستجتاز البكالوريا هذا العام، ويدفع مبلغا ماليا كبيرا من أجل النجاح بمعدل يؤهلها لاختيار التخصص الذي ترغب فيه.
أمّا توفيق، الموظف بمؤسسة خاصة، فيقول إنّه يدفع شهريا نحو 10 آلاف دج لابنته المقبلة على البكالوريا في بعض المواد التي تحتاج لتعزيز المستوى فقط، فيما أكدت “نعيمة. ر” أنّها تصرف شهريا 16 ألف دج على ابنيها في التعليم المتوسط.. وهذا دون احتساب حصص المراجعة الدورية التي تقدر بـ500 دج للحصة في كل مادة.
والحال كذلك، بالنسبة لسمية، التي سيجتاز ابناها شهادة التعليم الأساسي والتعليم الثانوي على التوالي، فالعبء كما تقول كبير جدا اضطرها أحيانا إلى بيع مجوهرات من الذهب لمواجهته وتسديد نحو 40 ألف دج شهريا، رغم أنّها تركز في الدعم على “البكالوريا” أكثر من “البيام”.

الدروس الخصوصية في كل الأطوار
وأفادت شايب ذراع نادية، رئيسة مكتب ولاية وهران بالجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ، في تصريح لـ”الشروق”، بأنّ ظاهرة الدروس الخصوصية تحوّلت إلى مشكل أتعب الأولياء والتلاميذ نفسيا وماديا، لما يخلفه من آثار وخيمة عليهم لا يستطيعون مجابهتها.
وقالت شايب ذراع إنّ الدروس الخصوصية زحفت على المستوى الابتدائي بشكل كبير جدا، ونجدها حتى لدى التلاميذ المتفوقين الذين يحاولون تثبيت أنفسهم في مستويات عليا.
وتبدأ الأسعار الخاصة بدروس الدعم، بحسب محدثتنا، من 1000 دج وقد تصل إلى غاية 6000 دج شهريا، بالنسبة لبعض المواد الأساسية في الشعب، لاسيما العلمية، ناهيك عن حصص المراجعة التي تسبق الامتحانات، التي تتراوح أسعارها ما بين 500 دج إلى 1500 دج.
وعبّرت شايب ذراع عن امتعاضها من بعض التصرفات التي يدفع من خلالها الأستاذ في المدرسة العمومية تلميذه نحو إجراء دروس خصوصية لديه في الخاص، وهو ما يحدث فوارق في حالة رفض التلميذ الذي قد يتعرض أيضا إلى معاملة غير لائقة أحيانا مثل تهميشه.. وهي ممارسات غير أخلاقية تؤثر على التلميذ وتنفره من التعليم.
وأوضحت شايب ذراع نادية أن الدروس الخصوصية أحدثت فوارق وعدم تكافؤ في الفرص بين التلاميذ، ما أثّر عليهم نفسيا، وتسبب في ظاهرة العنف في الوسط المدرسي بين الأستاذ والتلميذ وبين التلاميذ أنفسهم، داعية الأساتذة إلى مراعاة الضمير المهني لجعل التلميذ يدرس بأريحية، كما طالبت بدروس دعم مجانية في المدرسة العمومية لمنح الفرصة للتلاميذ غير القادرين.

لا بد من احتضان المؤسسات التربوية لهذه الدروس
وفي هذا السياق، أفاد البرلماني السابق والنقابي في قطاع التربية مسعود عمراوي، في تصريح لـ”الشروق”، بأنّ ظاهرة الدروس الخصوصية انتشرت بكثرة في السنوات الأخيرة، وأصبحت أمرا واقعا، يستوجب العلاج من خلال تقنينها وضبطها بدفتر شروط، وعقد اتفاق بين الأساتذة ومديرية التربية لتُقدم في المؤسسات التربوية كما كانت سابقا وخارج أوقات العمل .
ومن بين الشروط التي يجب أن يتضمنها دفتر الشروط، من وجهة نظر المتحدث، تحديد قيمة الساعة ونسبة استفادة المؤسسة منها، لتعم الفائدة على الجميع “الأستاذ والتلميذ والمؤسسة”، مع عدم تجاوز العدد 20 تلميذا في القسم. وألح عمراوي على منع تقديم الدروس الخصوصية للتلاميذ المتمدرسين مع نفس الأستاذ في القسم للابتعاد عن الابتزاز واتهام الأستاذ بالغش.

لا يمكن توقيف عجلة الدروس الخصوصية
وأردف المتحدث: “الدروس الخصوصية أصبحت أمرا واقعا لا يمكن لأي كان توقيفه، كما لا يمكن للولي القادر ماديا التخلي عنها في ظل ظروف التمدرس الحالية لأن الأولياء يريدون لأبنائهم تفوقا وتعليما جيدا وذا نوعية.. وهذا لا يتوفر في كل المؤسسات التربوية، فحتى الأولياء محدودو الدخل يقحمون أبناءهم عند اقتراب الثلاثي الأخير من السنة الدراسية، لكون غالبيتهم لا يمكنهم دفع مستحقات هذه الدروس طيلة الموسم الدراسي، كما أن الدروس الخصوصية لم تعد حكرا على تلامذة التعليم الثانوي فقط بل تعدت إلى تلامذة التعليمين الابتدائي والمتوسط ولها ما يبررها، خاصة بعد تطبيق مناهج الجيل الثاني وما اكتنفها من صعوبات التعلم إضافة إلى انتشار وباء كورونا، حيث أصبح التلميذ لا يتلقى سوى نصف البرنامج الدراسي مما يحدث اختلالا كبيرا في مختلف المواد خاصة المواد العلمية لترابطها مع بعض خاصة وأن المناهج الدراسية مترابطة مع بعضها، فالتلاميذ لاينهون المقرّر الدراسي للمستوى الذي يدرسونه مما يصعب عملية الاستيعاب خلال السنة المقبلة، بعد انتقالهم إلى المستوى الأعلى، الشيء الذي جعل من المدرسة محلّ نفور وليست محل جذب واستقطاب”.
ولفت محدثنا الانتباه إلى أنّ الدروس الخصوصية لم تعد حكرا على التلاميذ المتوسطين أو ضعاف المستوى فقط، حيث إنّ الطبقة المثقفة تريد لأبنائها معدلات مرتفعة لاختيار الشعبة المرغوب فيها بأريحية، لأن معظم الدروس النظامية لا تتوج بتطبيقات، هذه التطبيقات التي لا يعيرها السادة المفتشون اهتماما رغم أنها الاختبار الحقيقي للتأكد من فهم الدرس.
ودعم عمراوي فكرة الدروس الخصوصية من منطلق أنّ “التلاميذ لا يستوعبون دروس بعض الأساتذة لسبب معين، وقد يفهمونها على يد أستاذ آخر لطريقة تدريسه، شرط أن يؤديها الأستاذ بغرض الاستفادة وخلق نخب من التلاميذ بعيدا عن تقديم نماذج من الأسئلة شبيهة بأسئلة الامتحان إن لم تكن هي بعينها لاستقطاب التلاميذ لتشويه مهنة الأستاذية؟ وبعيدا عن حشر التلاميذ في المستودعات وبتعداد 50 تلميذا في المستودع وهو يشتكي من الاكتظاظ في أقسامة بالمؤسسة التي يدرس فيها؟”

الأجر الزهيد للأستاذ شجع الظاهرة
من جانبه، يرى رئيس المنظمة الجزائرية لأساتذة التربية، محمد شيهوب، في تصريح لـ”الشروق” بأنّ ظاهرة الدروس الخصوصية ذات شقين، فبعضها يمارسه الأساتذة الذين يدرسون في المدرسة العمومية، والأخرى يمارسها خريجو الجامعة الذين لا علاقة لهم بالمدرسة والأستاذية.
ويرى شيهوب بأنّ علاج الأمر يتم ضمن محورين هما البرامج الساعية والمناهج الصعبة التي جعلت التلميذ غير قادر على استيعاب الدروس الطويلة والحجم الساعي غير الكافي لإجراء تطبيقات عليها، مشيرا إلى مطالب سابقة رفعت لوزارة التربية من أجل مراجعة المناهج دون المساس ببرامج الهوية الوطنية، بما يتناسب مع مستوى التلاميذ والمرحلة العمرية والبيداغوجية فالمناهج صعبة حتى في الابتدائي.
ولفت المتحدث الانتباه إلى حق التلميذ في اللعب الذي لم يعد له وقت للترويح عن نفسه والترفيه وهذا يؤثر عليه لأنه يتوجه نحو الدروس الخصوصية.
وقال شيهوب: “أمام صعوبات التعلّم يلجأ الولي إلى الدروس الخصوصية كحل اضطراري، فتجده يتشبث بأي قشة.. المهم القضاء على الصعوبات وتحقيق النجاح فالولي يذهب إليها مضطرا.. خاصة أنّها لم تعد حكرا على الأقسام النهائية.”
وفي سياق ذي صلة، أثار محدثنا ما وصفه بالأجر الزهيد جدا للأستاذ، ما يدفعه إلى العمل الإضافي في الدروس الخصوصية من أجل توفير احتياجات أسرته، خاصة أنّ معدل الأجر للأغلبية محصور بين 35 و45 ألف دج، فتسوية الأجر يمكن أن تسهم في تقليل الظاهرة”.

“جرائم” بيداغوجية وأخلاقية مرفوضة
أمّا الشق الثاني المتعلق بتقديم الدروس الخصوصية من قبل “الغرباء” عن المدرسة، فيعتبر شيهوب أنّه مسؤولية الدولة وليس مسؤولية وزارة التربية التي يجب أن تتدخل لتقنينها وضبطها بما يتماشى والعملية التربوية، مندّدا بظروف التمدرس في المستودعات أو على قنوات “اليوتيوب” وما يروّج عبرها من أساليب غير تربوية وكلام غير صالح.
وأفاد شيهوب بأنّه من الظلم تعميم بعض السلوكات السلبية المرفوضة أخلاقيا ومهنيا على جميع الأساتذة فالأغلبية يعملون بشرف ويؤدون رسالتهم على أكمل وجه، داعيا الأولياء إلى التبليغ عن أي مخالفة أو ما سماه “جريمة بيداغوجية أخلاقية”، خاصة ما تعلق بتسريب مواضيع الامتحان في الدروس الخصوصية أو حلّ نماذج شبيهة، فهذا تلاعب بمصير التلاميذ يمس العملية البيداغوجية في الصميم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!