الرأي

جرح السنان ولا جرح اللسان!

كلّما تصاعد الحراك الاجتماعي في الجزائر إلّا وأبان عن مسؤولين يتصرّفون في أرزاق الشعب وأعناقه، ولكنهم غرباء عن واقعه، كأنهم يعيشون في كوكبٍ آخر!

هذا الرهط من القائمين على شؤوننا عُنوة، تعرفهم في تجهّم محيّاهم وفظاظة القول من كلامهم، فلا يصدر من أفواههم سوى عبارات التحقير والتعالي على المواطنين، يخاطبونهم من الأبراج العاجيّة ولا ينزلون إلى حياتهم اليوميّة، ليقاسموهم ذات المعاناة والآلام ويشاركونهم نفس الطموحات والتطلعات.

لا نريد أن نكرّر الشنيع من الأوصاف التي أطلقها هؤلاء على المضربين من الأطباء والأساتذة، وقبلهم المحتجّين في عديد القطاعات، ولا أن نذكّر بأسطوانة المؤامرة التي يعزفونها في كل المواعيد المطلبيّة،  لكن يجب الانتباه أن هذا النوع من “الموظفين” في الحكم يشكلون خطرا على السلطة قبل غيرها، لأنهم يستفزون مشاعر الشعب، وبحماقات مجانيّة يعمّقون الهوّة بين الراعي والرعيّة، وصدقت العرب قديما بقولها “جرح السنان ولا جرح اللسان”.

في عهد الحزب الواحد، لم تكن الدولة تملك الإمكانات الماديّة، ولكنّ محافظ “الجهاز” بمفرده، دون شرطة ولا درك ولا إداريين، يستطيع إقناع الغاضبين، أو على الأقلّ التهدئة من روْعهم وامتصاص حالة التوتر والاحتقان، لأنّ من أهم العوامل التي كان يستعين بها في مهمة الوساطة السياسيّة، هي اللغة الصريحة والبسيطة التي يفهمها الناس، ويقبلونها ولو على مضض، ذلك أنّ مسؤول الحزب هو ابن الشعب، يعيش بين ظهْرانيه، ويحسّ نبضه، رغم أنّ الكثير منهم لم يدرسوا علم الإدارة والعلوم السياسية في الجامعات العريقة، بل تخرّجوا من ميدان النضال والاحتكاك بالمحرومين، وربّما كانوا جزءا منهم.

أما اليوم فقد جثم على مؤسسات السلطة بعض المسؤولين الذين لا يأكلون الطعام ولا يمشون في الأسواق ولا يركبون وسائل النقل الجماعي ولا يسبحون، حيث يصطاف الجزائريون، يقرأون ويسمعون عن شعبهم نقلاً عن الروّاة، يسكنون في حصون مشيّدة، أبناؤهم يدرسون في الخارج، وهم يعالجون الزكام والحمّى في مستشفيات باريس!

حينما يسوس البلد مسؤولٌ غريب عن حياة النّاس، فلا تنتظر أن يسمع أنّاتهم، وإنْ بلغت آذانه فلن يأبه بآهات المعذّبين، لأنه ببساطة لا يعيش مرارتهم المزمنة، فهو غارق في نعيم الترف والبذخ ومحاط بالخدم والحشم، بعدما ران على قلبه بريقُ السلطة ونفوذها!

لا نزال على موقفنا المبدئي في إنكار الإضرابات المفتوحة في المرافق العموميّة، دون تقدير لمصلحة المتضرّرين من الاحتجاجات المشروعة، لكنّ الفشل في فتح قنوات الحوار والتفاوض يقع على عاتق السلطات التنفيذية، لأنها صاحبة الأمر الفصل في المطالب المرفوعة، وإذا عجزت عن تلبيتها، فلا أقلَّ من أنْ تتفّهمها وتعترف بشرعيتها ثم تتعهّد ببحثها وتجسيدها، لتستوعب الأحداث قبل انفلات الأوضاع الحرجة، بدل رمي جزائريين بالتآمر على الوطن والمناورات السياسويّة والتحريض على الفوضى!

عندما تقف الدولة متفرِّجة أمام تزايد المطالب العماليّة، ولا تجد في أعوانها رجال راشدين، يتحمّلون مسؤولياتهم بأمانة، فينجزونها على أكمل وجه أو يرحلون، تاركين مواقعهم لآخرين أكثر كفاءة في إدارة الشأن العام، بل لا تسعفهم عقولهم القاصرة حتّى بخطابات رصينة تنزل على قلوب مواطنيها مثل البلسم، حينها تصبح في خطر مُحدق وأمام سيناريوهات سوداء لا مفرّ منها.

مقالات ذات صلة