جريمة في حق الإسلام
مع بداية وصول قوات أمريكية وأوربية إلى نيجيريا، وعرض الصهاينة “خدماتهم” لتحرير 223 فتاة اختطفتهن جماعة “بوكو حرام” في أفريل الماضي، يتبيّن حجم الضرر الذي باتت تلحقه الجماعاتُ الإسلامية المتشددة بأوطانها وبمختلف البلدان الإسلامية.
“القاعدة” تسبّبت في الاحتلال الأمريكي لأفغانستان في أكتوبر 2011 من خلال قيامها بتفجيرات 11 سبتمبر، وفرعُها في الساحل جلب الفرنسيين إلى شمال مالي بعد شروعه في الزحف على باماكو، وبعض الجماعات الإسلامية في ليبيا تتجه بدورها إلى جلب قوات أمريكية وغربية إلى بلدها بعد أن أمعنت في اختطاف الأجانب والسيطرة على آبار النفط، وجماعة “بوكو حرام” بنيجيريا تقوم باختطاف مئات الفتيات من مدارسهن وتهدد ببيعهن في سوق النخاسة في بلدان مجاورة بأسعار لا تتجاوز 12 دولارا، فلا تجني من هذه الجريمة سوى جلب قواتٍ أجنبية إلى بلدها، وبعد هذا كله يسارع الكثيرون إلى اتهام الغرب بـ”التآمر” والسعي إلى غزو البلدان الإسلامية للسيطرة على منابع النفط ومناجم اليورانيوم، ولا يسارع إلى إدانة من يقوم بجلبه إليها وتوفير شتى الذرائع والمبرّرات له، بل إن بعض المتعصّبين أخذتهم العزة بالإثم فلم يتوانوا عن التماس الأعذار لـ”بوكو حرام” وتبرير جريمة اختطاف الفتيات واسترقاقهن في القرن الواحد والعشرين وإساءتها إلى الإسلام، من خلال التركيز على تضخيم الغرب لهذه الجريمة والسكوت في المقابل عن جرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب ضد المسلمين في إفريقيا الوسطى، فضلاً عن المذابح الكثيرة في حق مسلمين آخرين في بورما وغزة وأفغانستان… ومناطق أخرى عديدة، وهي في الواقع كلمة حق أريد بها باطل.
صحيحٌ أن الغرب عوّدنا منذ عقود طويلة على الكيل بمكيالين حينما يتعلق الأمرُ بالمسلمين، ولكن لماذا يقوم بعضُ المسلمين بتوفير الذرائع له لغزو أوطاننا ونهب خيراتها واستعباد إخواننا ردحاً من الزمن؟ ما الذي ستجنيه “بوكو حرام” من اختطاف مجموعة طالبات والتهديد ببيعهن كالإماء وتحدي العالم كله الذي حرّم الرقّ والعبودية؟ وما هو حجمُ خسارة أمريكا في 11 سبتمبر 2001 مقارنة بما خسرته أفغانستان منذ أكتوبر 2001 إلى حدّ الساعة؟
والمصيبة أن “بوكو حرام” لم تكتفِ بالادّعاء أن “التعليم الغربي حرام”، وهو الذي أوجد هذه الثورة التيكنولوجية الرهيبة التي ينعم بها العالمُ أجمع، ومنهم أعضاء الجماعة أنفسهم، بل واعتبروا جريمة استرقاق الحرائر والعزم على بيعهن كالإماء “موافِقة للشريعة الإسلامية؟” دون أن تشعر بأنها بذلك تسيىء إلى الدين الحنيف إساءة عظيمة وتمنح مبررا لليمين المتطرف في الغرب للإمعان في تشويهه والتحامل عليه، فضلاً عن تغذية “الإسلاموفوبيا” وإلحاق المزيد من الأضرار بالمسلمين المضطَهدين أصلاً في الغرب.
لقد أحسن الاتحادُ العالمي لعلماء المسلمين والأزهر والمئات من علماء الأمة وفقهائها بإدانة هذه الجريمة، والتشديد على أن من قام بها هم قلة من المتعصبين الذين فهموا الإسلامَ فهما قاصرا وأوّلوه بما يخدم قناعاتهم المنحرفة وشذوذهم الفكري وتوجّهاتهم الدموية. هذه الجماعات المتطرفة نسفت كل الجهود التي يقوم بها العلماءُ والدعاة للرد على حملات تشويه الإسلام وإظهار صورته الناصعة في العالم كدين للسلم والرحمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، بعد أن أصبحت تقدّم للأعداء كل يوم المزيدَ من المبررات والحجج للطعن فيه وتنفير شعوب العالم منه.
لا جدالَ اليوم أن بعض أتباع الإسلام قد أصبحوا أخطر عليه من أعدائه.