الرأي

“جريمة نوتردام” حرب الأديان في خطاب سياسي طارئ

ح.م

الإرهاب مؤسسة عابرة للقارات، متعددة الجنسيات، لها قدرة توظيف المتناقضات عقائدية كانت أو ثقافية، وتجنيد أطرافها المتضاربة، عبر مركز قرار جامع خفي، يتلاءم مع أي حدث طارئ، يحقق أهدافا مبرمجة في أجندات مخططات سياسية، تحكمت بأكثر الأدوات شرا في إدارة صراعات مفتعلة تفتح ساحاتها تكتيكيا هنا وهناك.

صبغة دينية عقائدية، دهنت رداء إرهاب متفش، هدفه الأبعد القضاء على عقائد الأديان في عصر العولمة المفتوح، فهي العائق في بلوغ إستراتيجية كونية، لا تتحقق مع وجود ثوابت سماوية مطلقة، في قوانين حياة متغيرة حسب أهواء ونزوات من يضعها.

الإسلام ليس صانعا للإرهاب، هو ضحيته الكبرى، في مشاريع إقليمية طائفية، حالمة بإحياء إمبراطوريات منقرضة، دعمت قوى كبرى ظهورها أداة مواجهة في صراع “كوني” عالمي، لها قدرة تغيير المعطيات العسكرية والسياسية.

كما الأديان الإبراهيمية، الأبعد عن إرهاب لا تقره العقائد السمحة، وهي الساعية نحو نقطة لقاء مشترك تحت قبة سماء واحدة، يتعبدون الإله الواحد الأحد في بيوت أذن الله أن يرفع إسمه فيها.

الإرهاب سياسي، قرار يتخذ في مركز قرار سياسي، له إدارة متنفذة، ومساحات انتشار لا تعترضه حواجز تمنع الوصول إليها، لإيصال رسائل لها مغزى، تكتب بدماء أبرياء لا شأن لهم بما يخطط له في غرف مظلمة.

هكذا الإرهاب المتفشي ليس انفعالا عصبيا أو عقائديا، ينفذه فقير بائس، فقد أبسط شروط الحياة، ينتظر بلوغ الأمل المفقود في إنسانية ضائعة، لا يعي خطورة فعل يقوم به وفق تخطيط شيطاني خفي.

عدالة إنسانية غائبة، هي الإرث المشترك لشعوب الأرض التي التقت في تجاربها ومعاناتها ونضالها الحضاري، نسف مركز القرار السياسي قواعد قيمها الأخلاقية، عندما خلق الموازيين والمكاييل المختلة التي أفرزت البطش والاستبداد والفوارق التي لا يقرها منطق إنساني أو ديني.

الإرهاب لا يبرر، جريمة لا تمر دون عقاب، يستهدف عقائد الأديان كافة، وينحر معتنقيها دون استثناء في أماكن حياتهم وعباداتهم، أما منفذوه فمجرد أدوات، غسلت عقولها، لا تعي شر فعلها، على الخطاب السياسي المسؤول أن لا يتجرد من تلك الحقيقة وهو يخاطب الرأي العام المحصن من قيم الحقد والكراهية.

جريمة نيس مشهد جرح مشاعر البشرية جمعاء، إبراهيميون أو بوذيون أو علمانيون، وطعنهم في معتقدهم، منفذها سقط في فخ من خطط لها، وهو في طريقه للبحث عن مصدر عيش في ضفة المترفين، لا يفقه في فنون السياسة وأصول العقائد، ولا يحمل في رأسه إلا همه الشخصي في نهاية عقده الثاني من عمره.

يبقى الإرهاب شرا يلاحق المجتمعات الآمنة في كل زمان ومكان، تواجهها في لحظات سلام أضحى وهما في حياة مرتبكة، لا يفرق بين معتنقي العقائد، متنكرا بلباس ديني، طالما كان المنبع صراعا سياسيا في جغرافيا النفوذ العسكري والاقتصادي، يخفي الخطاب السياسي حقيقتها.

جريمة كنيسة نوتردام، لا تقف عند حدود منفذها المغرر به، يدرك أصحاب القرار حقيقة دوافعها، ومخططها الذي يختفي في خطاب كراهية، لا يرى غير الإسلام منفذا لها، وكأنه يشعل حربا دينية لا يطفئها سياسي طارئ في غفلة زمن.

مقالات ذات صلة