-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تباين المواقف بين مؤيد ومعارض

جزائريات يصنعن الجدل بـ”اقتحامهن” الملاعب

راضية مرباح
  • 3818
  • 0
جزائريات يصنعن الجدل بـ”اقتحامهن” الملاعب

بعد ما ظل المعقل الرجالي الوحيد طيلة سنوات، استطاعت بعض النسوة في الجزائر كسر التقاليد، بولوجهن الملاعب وحضور مباريات كروية لتشجيع الفرق الرياضية خاصة الفريق الوطني، وتبقى ألعاب البحر الأبيض المتوسط، المحرّر الأول لهذه الفئة التي استطاعت من مدينة وهران، تحدي هذا “المنع” لاعتبارات عديدة ومنها التركيبة الخاصة للمجتمع فضلا عن العنف الذي برز بالملاعب التي تعرف أنها معقل الألفاظ النابية من سب وشتم، لا يمكن بأي حال من الأحوال سماعها أمام الأخت أو الأم..

فجرت مواقع التواصل الاجتماعي، الجدل حول ولوج الجزائريات الملاعب الرياضية من أجل مشاهدة مباريات كروية.. وإن تباينت الآراء بين مؤيد ورافض لهذه الظاهرة الجديدة، إلا أن الكل يجمع على أن ألعاب البحر الأبيض المتوسط كانت الفاصل الذي استطاع كسر تلك الحواجز في بلد يعرف مجتمعه الكثير من المتغيرات، وان كانت عدد من البلدان العربية سباقة لهذه التجربة بعد ما أخذت على عاتقها سن قوانين وشروط لالتحاق “الجنس اللطيف” بمدرجات الملاعب، إلا أن القضية تبقى حساسة مقارنة بالمجتمعات الغربية التي لا تعتبرها مشكلة إطلاقا.

دخول النساء للملاعب يتطلب اجراءات تنظيمية

وانشطرت تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي وعبر صفحات مختلفة، بين مؤيد ومعارض ومنهم من يؤكد أنّ استقبال النساء بمدرجات الملاعب لا بد أن تسبقه الكثير من الإجراءات التنظيمية حتى لا يخرج الأمر عن نطاقه… وأشار عبد العلي في تغريدة ردا على صورة جزائريات فوق المدرجات، أن الأمر لا يتعدى أن يكون تقليدا أعمى، وقال آخر “الرجلة والنيف باي باي”، أما سارة فعلقت بالقول إن المجتمع يعاني من انحلال أخلاقي، وتأسف جمال لهذا التحول المفاجئ في المجتمع الذي لم يسبقه أي تحضير، وأضاف بأن هذا لا يعتبر تطورا بل تخلفا، وحسبه ليس كل ما يأتي من الغرب فهو حضارة، مردّدا “أفيقوا فنحن مسلمون”، “حتى العجائز حضرن، فأين يكمن الخلل، أخاف أن يصبح الدخول إجباريا مرفقا بالعائلة مثل حفلات تيمقاد وما شابهها في الماضي”، أما خليل فعلق بالقول “على الأقل عندما تدخل المرأة الملعب ينتهي مسلسل العنف بالملاعب”، فيما علق دحمان ساخرا بالقول “خلوهم ينحو على خاطرهم راهم ملوا من المطبخ”، فيما ذهب أحد الشباب قائلا “هكذا سنعتزل الملاعب نهائيا”.

ولم تخل التعليقات من آراء الفتيات، فبعضهن أكد أن النساء أصبحن ينافسن الرجال في كل أمور الدنيا ولم لا الملاعب؟ أما أخريات فقالت أن الرياضة ليست حكرا على أحد ومشاهدتها حق للجميع، وفجرت أخرى النقاش من جديد بعد تعليقها على الموضوع بضرورة تحديد نساء المنطقة وليس الطرح بالإجماع، مشيرة أن اغلب الحاضرات بالمقابلات الماضية هن من المنطقة التي يتواجد بها الملعب قبل أن ترد عليها أخرى بالقول “نحن الوهرانيات نشاهد المقابلات بالمنزل”..

ويبقى التساؤل الذي يطرح نفسه، هل تعد التجربة بداية لاستقبال الجنس اللطيف بالمدرجات؟ وهل ستعمم على باقي الملاعب، أم تبقى محصورة في ملعب وهران فقط؟ وهل سيتم تقنين ووضع شروط لولوجهن؟

ظاهرة دخيلة على مجتمع يعيش الكثير من التحديات

ويرى الدكتور نعيم بوعموشة عن قسم علم الاجتماع والديموغرافيا بجامعة تامنراست، في تصريح لـ”الشروق”، أن المجتمع الجزائري يعيش الكثير من التحديات في مجالات شتّى ومن بينها ظاهرة حضور العنصر النسوي بمختلف الأعمار وبشكل قياسي في المدرجات لمشاهدة بعض التظاهرات الرياضية كألعاب البحر المتوسط ومباريات كرة القدم خاصة لقاءات المنتخب الوطني كالتي جمعته وديا مع غينيا ونيجيريا أواخر سبتمبر الماضي، واصفا ذلك بالسابقة في المجتمع الجزائري، جعلت الكل يتساءل عن سبب مزاحمة الشباب بالمدرجات بعد ما كانت حكرا عليهم؟ وهل هي بادرة أولى لفتح الملاعب مستقبلا أمام فئة النساء، مؤكدا أن الظاهرة دخيلة على مجتمعنا وثقافتنا، معلّلا ظهورها، بالخلل في الجانب القيمي للمجتمع والنقص في المسؤولية الاجتماعية عند أفراد المجتمع.

وعاد الدكتور ليتطرق إلى الأجواء المشحونة التي عادة ما تكون داخل الملاعب لتتحول في كثير من الأحيان إلى شغب وعنف بمواقع أصبحت بمثابة ساحات للتعبير عن الاحتجاجات بالنسبة للبعض، ومكانا لتفريغ شحنات الغضب لدى البعض الآخر، محولة فرجة الاستمتاع بمباراة في كرة القدم إلى فوضى العنف والشغب والتراشق بالحجارة والمقذوفات بين الأنصار على مدرجات الملعب وأرضيته، بل وتتعدى أعمال العنف والشغب والتخريب حدود الأمكنة المخصصة للمباريات لتشمل المناطق المجاورة لها من شوارع وبنايات ومساحات عامة ومحلات تجارية وسيارات وحتى الاعتداء والضرب والجرح على المارة ناهيك عن الكلام الفاحش والتحرش الجنسي بالفتيات.

وبالتالي فإن مثل هذه السلوكيات تهدّد مبرّرات الأمن الاجتماعي ويفقد بسببها الشعور بالطمأنينة والأمن، فمن غير المنطقي -حسبه- أو المعقول أن يتواجد العنصر النسوي في فضاء كهذا من باب المروءة والشهامة والغيرة على أعراض الناس، خاصة وأنّ الهيئات الوصية لم تحدد بعد طريقة دخول النساء للملاعب وأماكن تواجدهن في المدرجات وضمان أمنهن والحرص على عدم تعرضهن للإيذاء أو المضايقة أو التحرش، خاصة وأننا شاهدنا في المرة الماضية اختلاطا بين الجنسين داخل المدرجات، الأمر الذي يدعو للتساؤل والحيرة؟

الانفجار التكنولوجي والإعلامي وصراع المنظومة القيمية

وأشار الدكتور بوعموشة، أنّ المجتمع الجزائري اليوم أمام تحد كبير يرتبط بالحفاظ على منظومته القيمية، ومدى قدرة أبنيته الاجتماعية على المقاومة والاستمرار، فما تعيشه الأسرة الجزائرية اليوم في ظل الانفجار التكنولوجي والإعلامي الذي رسم أسلوبا معاصرا للنشاط أو الفعل الاجتماعي، ظهرت محاولات لتنميط تعسفي لقيم وأنماط سلوك غريبة تتناقض بشكل صارخ وخصوصية المجتمع الجزائري، وظاهرة حضور العنصر النسوي لملاعب كرة القدم إحداها، مضيفا أن الاضطراب الذي يعرفه النسق القيمي للشباب الجزائري اليوم، ناتج عن الصراع بين ما تربى ونشأ عليه من قيم، وبين ما يراه ويسمعه يوميا في تعاملاته من أساليب وآراء تدعو إلى قيم جديدة، وهو ما يجعل الشاب الجزائري في حيرة من أمره بين تمسكه بما نشأ وتربى عليه وما يتماشى مع معتقداته وقيمه، وبين الانسياق مع الأوضاع الجديدة التي يتعايش معها في الحاضر يوميا.

والأكيد أن هذا الصراع يؤدي بشبابنا إلى اضطراب منظومته القيمية، والذي يؤثر بشكل مباشر على طريقة سلوكه وأفكاره، فالفجوة الفكرية القائمة بين الجيلين ومحاولة كل جيل التمسك بقيمه وثقافته وإقناع الآخر بتبنيها أو التعايش معها، يخلق تصادما بين الجيلين، حيث يحاول الجيل الصاعد تجاوز القيم الاجتماعية الأبوية بحجة أنها تقليدية، في مقابل التمسك بالقيم المستحدثة التي يرفض الآباء تقبلها، الأمر الذي يستدعي إعادة التفكير في النظام القيمي داخل الأسرة، خاصة وأن المنظومة القيمية هي الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات، فهي تتغلغل في الأفراد في شكل اتجاهات، كما أنها وثيقة الصلة بالعقائد والأفكار، وهي التي توجه سلوك الأفراد وأحكامهم فيما يتصل بما هو مرغوب فيه أو غير مرغوب به من أشكال السلوك.

ومن هذا المنطلق فإن الأسرة بحاجة إلى منهج ينظم ويضبط سلوكها، ويضمن تماسكها ويحفظ استمرارها واستقرارها، ولعل أهم ضابط وموجه للعلاقات والتفاعلات الأسرية هو المنظومة القيمية، التي تعمل على تنظيم الحياة الفردية والاجتماعية، وتقف بالمرصاد في وجه السلوكيات الدخيلة على مجتمعنا وثقافتنا العربية الإسلامية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!